جولة لافروف الأخيرة ... كيف تبني روسيا علاقاتها مع إفريقيا؟
كنان دويعر كنان دويعر

جولة لافروف الأخيرة ... كيف تبني روسيا علاقاتها مع إفريقيا؟

قام وزير الخارجية الروسي بزيارة إلى إفريقيا هي السادسة له خلال عامين، الزيارات المتلاحقة تركت تساؤلات لدى المراقبين والمتابعين عن الأهداف والأسباب الكامنة خلف الاهتمام الروسي المتنامي بالدول الإفريقية، سنحاول في هذه المادة الإضاءة على الزيارة الأخيرة وقراءة أبعادها ومألات الدور الروسي في إفريقيا بشكل عام.

من الواضح أن العلاقات الروسية الإفريقية مفتوحة للتطور وتعزيز التعاون الثنائي، وتتعدد أُطر هذه العلاقات، فبالإضافة إلى العلاقات الثنائية المباشرة هناك المؤتمرات متعددة الأطراف، كمنتدى سان بطرسبرغ الذي انعقد في مطلع هذا الشهر وشهد حضوراً إفريقياً مهماً، إلى جانب القمة الروسية الإفريقية التي انعقدت النسخة الثانية منها في تموز (يوليو) من العام الماضي، كما تسعى موسكو من خلال جولة لافروف إلى التحضير لعقد قمة وزارية في وقت لاحق من هذا العام لمتابعة القرارات والاتفاقيات التي وُقعت في القمة الماضية.

غينيا

التقى الرئيس الانتقالي الجنرال مامادي دومبويا مع لافروف، وأوضحت المصادر الإعلامية بأن البلدين اتفقا على تعزيز التعاون في عدة قطاعات، أهمها: الدفاع والتعدين والبنية التحتية. وقال لافروف في هذا السياق: «إننا لم ننس التعاون العسكري التقني وتعزيز قدرات غينيا الدفاعية، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار التهديد الإرهابي المتزايد» معتبراً أن غينيا «في طليعة عملية إنهاء الاستعمار». وأشاد الوزير الروسي باستثمار شركة روسال، والتي تعتبر أكبر مستثمر روسي في غينيا، والتي تستثمر في مجال التعدين، وخاصة قطاع الألمنيوم حيث توفر آلاف فرص العمل حسب تعبير الوزير لافروف.

جمهورية الكونغو

التقى لافروف بالرئيس دنيس ساسو نجيسو، وركّز الوزير الروسي على دعم بلاده لمبادرة رئيس جمهورية الكونغو المعروف بـ «نداء برازافيل من أجل تسريع مسار السلم والمصالحة في ليبيا» والذي تبناه الاتحاد الإفريقي لحل الأزمة الليبية، حيث صرّح: «نحن نؤيد بالكامل مبادرة الرئيس ساسو نجيسو، للتحضير لمؤتمر ليبي عام حقيقي، وسنستخدم اتصالاتنا مع مختلف القوى الليبية لتوحيدها حول هذه المنصة بالذات».
هذا التصريح يعبر عن رغبة موسكو بحل القضايا الإفريقية من خلال المنظمات والدول الإفريقية نفسها، وهو ما يتوافق أيضاً مع رغبة وتطلعات تلك الدول، ويخفف من حدة التوترات الناجمة عن التدخلات الخارجية والاستثمار في النزاعات، كما يعطي وزناً سياسياً ودبلوماسياً لجمهورية الكونغو في القارة الإفريقية.

بوركينا فاسو

تتطور العلاقات بين موسكو وبوركينا فاسو بعد الانقلاب العسكري الذي قام به ابراهيم تراوري، الذي عبر عن رغبته في بناء علاقات جيدة مع روسيا على حساب النفوذ الفرنسي والغربي، وهو ما وضع بوركينا فاسو تحت ضغط غربي كبير، وأخذت تنشط فيها عدّة تنظيمات إرهابية تنفّذ عمليات تهدد سلامة واستقرار البلاد وهذا ما تحدث عنه وزير الخارجية عند لقائه بالرئيس تراوري قائلاً: «ليس لدي شك في أنه بفضل هذا التعاون، سيتم تدمير الجيوب الإرهابية المتبقية».
وقال وزير خارجية بوركينا فاسو: «تمت مراجعة بعض الأولويات، وبطبيعة الحال، قررنا تعزيز علاقتنا مع روسيا، ومنحها ديناميكيات جديدة. نحن نعمل على تطوير التعاون في مجموعة متنوعة من المجالات، وفي المقام الأول في مجال الأمن ... سنقوم بتطوير التعاون الثنائي في مجالات التجارة والعلاقات التجارية والاقتصادية والزراعة والخدمات اللوجستية».

التشاد

حازت زيارة لافروف إلى التشاد على اهتمام خاص، حيث تعتبر الزيارة الأولى له، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تشاد تُعد مقرّبة من فرنسا، وهو ما دفع أحد الصحفيين لتوجيه سؤال لوزير خارجية التشاد عبد الرحمن غلام الله حول تأثيرات العلاقات مع روسيا على العلاقة القائمة مع فرنسا، ليجيب غلام الله «العلاقة مع فرنسا تاريخية وممتدة على مدى عقود، وخلال هذه المدة لم تتأثر العلاقة مع روسيا بشيء» وأضاف: إن هذه التطورات لن تؤثر على العلاقة مع باريس، مؤكّداً «لسنا تبعاً لأحد». أما لافروف فتحدث عن هذا الموضوع وقال: إنه سمع من المسؤولين الفرنسيين موقفاً صريحاً بأن هذه البلدان هي «مناطق نفوذ لفرنسا، ولا نريد أن تقترب روسيا منها»، وعلّق على ذلك بأن روسيا لن تضغط وتؤثر على العلاقة مع فرنسا التي «تشترط على هذه البلدان اختيار أصدقائها وأعدائها» حسب تعبيره.
ومن الجدير بالذكر، أن التشاد تعتبر خياراً بالنسبة للولايات المتحدة بعد ما طُردت قواتها من النيجر مؤخراً، ويبدو أن روسيا تحاول منع ذلك بشكل أو آخر عبر زيادة التعاون الأمني، الذي شهد تطوراً لافتاً في الفترة الماضية.

يظهر وضوحاً أن روسيا والصين تضعان هدفاً أساسياً يتمثل بمنع الغرب من استخدام إفريقيا كـ «مخزون استراتيجي» في الصراع العالمي، حيث لا تظهر نيّة لدى الدولتين في تحويل إفريقيا إلى ساحة صدام عسكري بقدر ما هي منع القطب الامبريالي من استثمار هيمنته الاستعمارية لكبح التغييرات التي تحصل على مستوى العالم، ودفاعاً عن منظومة النهب القائمة. وفي مقابل هذا روسيا والصين تطرحان مجالات واسعة من المنافع المشتركة مع دول القارة، بما فيها قدرة البلدين على تمثيل مصالح إفريقيا في مجلس الأمن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1179