السودان... المعارك تشتد والاصطفافات تتغير!
شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات كثيرة في السودان، أبرزها ملف العلاقات الثنائية بين السودان وروسيا، وربما يفسر ذلك ارتفاع حدّة المعارك في الفترة الأخيرة.
بعد مضي شهر من القتال بين قوات الدعم السريع ومجلس السيادة جرى التفاوض بينهما بواسطة سعودية أمريكية وفق ما سمي «منبر جدة» في أيار 2023، ولم يتم التوصل إلى اتفاق، خاصة أن الوسيط الأمريكي الراعي للمبادرة يسعى بشكل واضح إلى نشر الفوضى وتغذية الصراعات، وتظهر الرغبة الأمريكية في استثمار الأزمة السودانية للضغط على الدول المجاورة، وبشكل رئيسي على مصر والسعودية، لرفع درجة وحِدّة التناقضات علّها مع غيرها من عوامل التوتير في المنطقة أن تصل لمرحلة الانفجار الداخلي.
يبدو أن استمرار القتال بين القوى العسكرية المنتمية فعلياً إلى الفضاء السياسي القديم، وغياب وضعف القوى السياسية، وعدم قدرتها على الأقل ضمن الإحداثيات الحالية على قيادة البلاد نحو التغيير المطلوب، سيفتح المجال لعدد من المحاولات من قوى دولية وإقليمية للدخول على مسار حل الأزمة، وذلك رداً على محاولات التوتير ومفاوضات «طبخة البحص» القائمة، وفي هذا السياق تأتي المحاولات من قبل روسيا والصين للدخول على خط الأزمة على أساس اعتبار مجلس السيادة السوداني الممثل الشرعي للشعب السوداني، وهذا الموقف يسمح بتفعيل دور الوساطة وفق القوانين والشرعية الدولية.
ماذا عن العلاقات مع روسيا؟
تشهد العلاقات الثنائية بين روسيا والسودان تطوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، ما أعاد الحديث حول نقطتين، الأولى: ترتبط بالقاعدة العسكرية الروسية على البحر الأحمر، وأما الثانية: فهي دعم عسكري وسياسي يمكن أن تقدمه موسكو إلى الجيش السوداني في صراعه مع قوات الدعم السريع، لكن هاتين المسألتين، وبالرغم من أهميتهما إلا أنّهما لا تكفيان لتقديم توصيف دقيق، وهو ما سنتوقف عنده في الختام.
إذا أردنا عرض ما يجري تداوله نجد نفسنا أمام الكثير من الأخبار والأحاديث حول القاعدة الروسية التي بدأ الحديث عنها منذ 2017، وتعرض وسائل الإعلام المسألة بوصفها ورقة «ابتزاز روسيا للسودان» أو بالعكس كـ «ورقة ابتزاز من قبل قادة السودان للروس مقابل الحصول على الدعم العسكري واللوجستي».
كذلك تكثر التحليلات حول عدد القوات والقطع البحرية وطبيعة القاعدة إن كانت قاعدة عسكرية متكاملة أم مجرد نقطة تزود بالوقود والمؤن، ولا شكّ أن التفاصيل مهمة في فهم ما يجري، ولكن اقتصار الحديث عن الدور الروسي في السودان على صفقة سلاح مقابل قاعدة عسكرية بحرية هو محاولة لتقزيم الدور الروسي، الذي يسعى من خلال علاقاته الإيجابية مع الجيش السوداني إلى تأمين خروج السودان من الحرب الأهلية موحداً، ليتمكن من تقرير مصيره بنفسه، بالإضافة إلى أنه لا يمكننا فهم الدور الروسي والصيني أيضاً في دولة إفريقية بشكل منفرد دون النظر لتحرك هاتين الدولتين في مجمل الإقليم والقارة الإفريقية، حيث عبرت كل منهما وبأكثر من مناسبة عن رغبتهما ببناء علاقات جيدة ومتطورة مع دول إفريقيا، وخاصة تلك الدول التي تبحث عن تعزيز استقلالها وسيادتها من خلال وضع حدٍّ للتدخلات الغربية في شؤونها المحلية بما فيها تغذية الصراعات والفوضى، كل ذلك يسمح بفهم الدور الروسي في السودان لما يمثله موقعه الجيوسياسي في الربط بين البحر الأحمر وعمق القارة الإفريقية، وكذلك مجاورته وتأثيره على مجموعة من الملفات الهامة كمصر واليمن وصولاً إلى القرن الإفريقي.
بشكل متصل ظهرت إشارات من قبل قادة مجلس السيادة السوداني على رغبة السودان بتطوير العلاقات مع الجانب الروسي، حيث قام نائب رئيس «مجلس السيادة» السوداني مالك عقار مع وفد يضم وزراء الخارجية، والمالية، والمعادن، بزيارة روسيا للمشاركة في «منتدى سان بطرسبرغ»، كما تأتي هذه التطورات في أعقاب الزيارة التي أجراها، نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا ميخائيل بوغدانوف، إلى مدينة بورتسودان في أبريل (نيسان) الماضي، برفقه وفد من وزارتي الخارجية والدفاع.
لا شك أن العلاقات السودانية الروسية شهدت تقلبات عديدة خلال السنوات الماضية، ويبدو وضوحاً أن هناك فرصة لانفراجة في هذا الملف، ولكن الزاوية التي يجري نقاش المسألة ضمنها لا تزال محدودة، فإذا ما نظرنا إلى استراتيجية روسيا في إفريقيا يمكننا أن نستنتج أن الهدف الأساسي للعلاقات مع السودان لا يرتبط فقط بالقاعدة أو المصالح الاقتصادية، لكنه يرتبط أيضاً بالدور الغربي المستقبلي في هذه المنطقة الاستراتيجية، فبالنسبة لموسكو الهدف النهائي هو دعم التيار المتنامي داخل إفريقيا لإخراج الغرب والولايات المتحدة، وهذا ينطبق على السودان، إلّا أن طبيعة القوى الفاعلة داخل المشهد السياسي لا تتسم بالجذرية في هذه المسألة حتى اللحظة، لكننا نرى أنّهم مقتنعون اليوم بضرورة إصلاح العلاقة مع روسيا، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة لمراجعة العلاقة مع الغرب، وهذا ما عبّر عنه عقار في انتقاداته الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، وقال: إن الأخير «تحدث مع البرهان بطريقة غير مقبولة تحمل استخفافاً واستفزازاً» وأضاف: إنه لا يمكن التعامل معهم «كالأغنام» وفي الوقت الذي قد تبدو هذه التصريحات كنوع من المناورة السياسية، لكنها يمكن أن تُردَّ إلى ظهور مؤشرات أكثر وضوحاً على تورط الولايات المتحدة في الصراع، ودعم قوات الدعم السريع عبر الإمارات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1178