لحظة سياسية دقيقة تعيشها جنوب إفريقيا
توجه الناخبون في جنوب إفريقيا إلى صناديق الاقتراع لانتخاب اعضاء الجمعية العامة (البرلمان) وأعضاء البرلمانات الإقليمية، الانتخابات التي تجري كل خمس سنوات هي السابعة منذ انهيار نظام الفصل العنصري عام 1994 وفي جميع الانتخابات السابقة حصل حزب المؤتمر الوطني الحاكم على أغلبية ساحقة سمحت له بقيادة البلاد وتحديد رئيس لها.
في البلاد التي يبلغ تعداد سكانها قرابة 62 مليون مواطن، تم تسجيل أكثر من 27 مليون ناخب لانتخاب 400 نائب في الجمعية العامة. في الوقت الذي تجري الانتخابات في حالة من عدم الاستقرار على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
لمحة سريعة
تشهد جنوب إفريقيا ارتفاعاً شديداً في نسبة البطالة التي وصلت إلى 32.6% وبلغت 35.3% في الربع الرابع للعام 2022، مع ارتفاع في الديون إلى نسبة عالية أيضاً، إذ يتوقع أن تصل إلى 75.79% في عام 2024. كذلك تعاني جنوب إفريقيا من التضخم حتى بعد انخفاض معدلاته إلى 5.2% في العام الحالي، في حين وصلت معدلاته إلى 6.87% في 2022. مع معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي وصل إلى 2.7%.
تمثل قضايا الفقر والعدالة الاجتماعية تحدياً يؤثر على شعبية حزب المؤتمر، وهناك تفاوت كبير في توزيع الثروة والفرص في البلاد وإفريقيا عموماً، حيث تشكل هذه المشاكل قضايا أساسية، وبرغم محاولات الحكومة تقليل تلك الفجوات، ومع ذلك تظل قضايا ملحة في المجتمع الجنوب إفريقي منذ نهاية نظام الفصل العنصري، إذ وصلت نسبة الفقر بحسب إحصاءات البنك الدولي إلى حوالي 55.5% من إجمالي عدد السكان.
هذا بالإضافة إلى أزمة كهرباء تعصف بالبلاد التي تعتبر الدولة الأكثر قوة في مجال التصنيع في القارة الإفريقية، ودفعت هذه الأزمة الرئيس رامافوزا إلى إعلان حالة «الكارثة الوطنية»، ليتم إلغاؤها مؤخراً، كما قام رامافوزا بإجراء تغييرات في الحكومة شملت عدداً من الوزراء، واستحداث منصب وزير للكهرباء للمرة الأولى.
بالنظر إلى كل ذلك مع ارتفاع في معدل الجرائم ومؤشرات الفساد يجعل الانتخابات الحالية بحسب تقديرات بعض المراقبين الأهم، والتي قد تؤثر بشكل حاسم على مستقبل البلاد.
من الناحية القانونية، تم تعديل القانون الانتخابي حيث تشهد الانتخابات الحالية العديد من المتغيرات المهمة، لعل أبرزها توقيع الرئيس، على قانون يسمح للمرشحين المستقلين بالمشاركة في الانتخابات العامة، جاء هذا القانون بعد إصدار المحكمة الدستورية حكماً يقضي بعدم قانونية منع المرشحين المستقلين من خوض الانتخابات دون عضوية حزب سياسي.
جنوب إفريقيا الدولة العضو في مجموعة البريكس، والتي تلعب دوراً مهماً جداً في دعم القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة وفي محكمة العدل الدولية، تبحث عن استكمال وتعزيز دورها المؤثر في الإقليم والعالم مع أهمية تحسين الأوضاع الداخلية، وقطع الطريق على القوى المرتبطة بالصهيونية والغرب الاستعماري التي ترغب في تغيير اصطفاف جنوب إفريقيا بالحد الأدنى أو تعميق عناصر الفوضى.
نظرة سريعة حول أهم الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الحالية:
حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم
الذي اعتاد على الفوز بالانتخابات الوطنية، إذ حصل في انتخابات 2019 على 57.7% من إجمالي الأصوات في الانتخابات التشريعية، وهي أقل نسبة حصل عليها الحزب في تاريخه منذ وصوله إلى السلطة بقيادة نيلسون مانديلا في أول انتخابات متعددة الأعراق في جنوب إفريقيا في عام 1994.
الحزب الذي تعرض في الفترة الأخيرة لعدة تغييرات على مستوى قيادته بسبب قضايا الفساد طالت رئيسه السابق جاكوب زوما، وأعلى مسؤول في الحزب إيس ماغاشولي. أدت هذه التغييرات إلى تخفيض شعبية الحزب خاصة في مناطقه التاريخية، حيث قام جاكوب زوما بإنشاء حزب جديد تحت اسم «رمح الأمة» والمنتشر في إقليم كوازولو ناتال المعقل التاريخي لحزب مانديلا.
وتركز وثيقة البرنامج التي كشف عنها زعيم الحزب ورئيس الدولة سيريل رامافوزا، على ست أولويات رئيسية، إذ جاء في قوله: «سنركز على ست أولويات أساسية بالنسبة للتحول الاقتصادي وخلق فرص العمل»، مستشهداً على وجه الخصوص بإنشاء صناعات شمولية، ومكافحة غلاء المعيشة، والاستثمار في الدفاع الوطني وتعزيز الحريات.
حزب التحالف الديمقراطي
الحزب المعارض تقليدياً لحزب المؤتمر، واستطاع هذا الحزب حصد 84 مقعد في انتخابات عام 2019 السابقة، بالإضافة إلى أنه عمل على إقامة ائتلافات مع 6 أحزاب أخرى، يركز حزب التحالف في برنامجه الانتخابي على انتقاد حزب المؤتمر، والوعود بإيجاد حلول للبطالة والفقر وحلول مستدامة لمشاكل الكهرباء وإدخال التكنولوجيا في مكافحة الجريمة، الحزب المقرب من الغرب يتهمه خصومه بإدعاء تمثيل الأقلية الأوروبية في البلاد، وكونه امتداد لمصالح الغرب، حيث يعد الحزب في حال نجاحه بتحسين علاقة جنوب إفريقيا مع الغرب.
حزب مقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية(EFF)
بقيادة الزعيم السابق لرابطة شباب حزب المؤتمر الوطني الإفريقي جوليوس ماليما. يدعو الحزب إلى دور قوي للدولة والقطاع العام في المجالات الأساسية، مثل: السكن الذي توفره الدولة، وتأميم المناجم وغيرها من القطاعات الإستراتيجية للاقتصاد، وإعادة توزيع الأراضي. ويتقاطع مع حزب المؤتمر في عدد من القضايا الدولية، مثل: دعم القضية الفلسطينية والتقارب مع القوى الصاعدة روسيا والصين بشكل أساسي. وحقق الحزب نجاحاً ملحوظاً إذ حصل على 10% من نسب المقاعد في 2019 بعد حصوله على 6% من المقاعد في 2014.
توقعات الانتخابات ومستقبل البلاد
لم يتنه فرز الأصوات بشكل كامل حتى تاريخ إعداد هذه المادة، رغم أنه بات واضحاً بأن حزب المؤتمر الحاكم لن يحصل على غالبية مطلقة، مما يعني بأنه مضطر للدخول بتحالفات سياسية مع إحدى القوى أو أكثر، ما يسمح نظرياً للقوى المعارضة بإقامة تحالف واحد لتشكيل أغلبية برلمانية.
الوضع القلق الحالي ينطوي على مخاطر وعلى فرصة في الوقت نفسه، فالخيارات مفتوحة على جميع الاحتمالات، حيث تحدث حزب التحالف الديمقراطي عن إمكانية تحالف مع حزب المؤتمر قبل أن يتراجع عن ذلك بضغط من أنصاره، كما عبر رئيس حزب التحالف بأن تحالفاً يجمع حزب المؤتمر مع مقاتلين من أجل الحرية الاقتصادية هو سيناريو يوم القيامة، وحذر أنصاره من خطورة الوضع إذا ماتحقق هكذا سيناريو. ليبقى أحد الخيارات المتاحة أمام حزب المؤتمر التحالف مع واحد أو أكثر من الأحزاب الصغيرة، رغم أن المؤشرات لا تدعم هذا الاحتمال.
بعد فرز 99,5% من الأصوات في مراكز الاقتراع، حصل الحزب التاريخي على 40,21% من الأصوات فقط، بينما حصل التحالف الديمقراطي على 21,79% من الأصوات، تبعه حزب الرئيس السابق جاكوب زوما الذي حصل على 14,61% بينما بقي حزب «المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية» عند نسبة 9,48%.
هذا الواقع يجعل الوضع في جنوب إفريقيا في مستوى مرتفع من عدم الاستقرار، فالخطوة التالية لحزب المؤتمر الوطني من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على التوجهات السياسية والاقتصادية في البلاد، آخذين بعين الاعتبار الدور الكبير الذي يلعبه هذا البلد في إفريقيا وفي مجموعة بريكس. الأيام القادمة ستكشف خيارات الحزب والتحالفات الجديدة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1177