من «السيف المشترك» إلى البرلمان: تايوان على صفيح ساخن!
في خضم الأمواج السياسية المتلاطمة في المحيط الهادئ، تبرز تايوان كبؤرة ساخنة تتعالى منها أصداء التوترات الخارجية، الإقليمية والدولية. وبالتوازي مع هذا، يبدو أن المشهد الداخلي في تايوان بدأ بالدخول في مرحلة جديدة أشد احتداماً ما بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت خلال العام الجاري 2024.
«السيف المشترك»
أنهت الصين قبل يومين مناوراتها العسكريّة الجديدة التي حملت اسم «السيف المشترك – 2024». استمرت المناورات يومين متتاليين، وبحسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية فقد شملت المناورات تدريبات على دوريّات مشتركة للتأهّب القتالي البحري والجوّي، والسيطرة على ساحة المعركة، وتوجيه ضربات دقيقة مشتركة على أهداف رئيسية.
تأتي هذه المناورات على خلفية تصريحات تصعيديّة واستفزازيّة صدرت عن رئيس تايوان الجديد لاي تشينغ - تي بعد تنصيبه، حيث دعا «تي» الصين إلى وقف ما أسماه بالـ «الترهيب السياسي والعسكري» حيال الجزيرة المتمتعة بحكم ذاتي، مشيراً إلى «توسّع وتعمّق الشراكة المتجذّرة في القيم الديمقراطية ما بين تايوان والولايات المتحدة الأمريكيّة».
الصين تُعاقب أمريكا
اعتبرت الصين أنَّ رئيس تايوان الجديد يدفع الجزيرة إلى الحرب، ودعت أمريكا إلى وقف تسليحها، وفرضت عقوبات على عدّة شركات أمريكيّة بسبب مبيعات أسلحة لتايوان.
وفي تعليقها على الوضع في تايوان، دعت واشنطن بكين إلى «ضبط النفس»، قائلة: إنّ «الصين يجب ألّا تستخدم الانتقال السياسي في تايوان ذريعة أو سبباً لاتّخاذ إجراءات استفزازيّة وقسريّة». لكن لاحقاً، أعلن البنتاغون، أنّ وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن سيلتقي نظيره الصيني دونغ جون في حوار شانغريلا في سنغافورة، وهي قمّة سنويّة لمسؤولي الدفاع من كلّ أنحاء العالم.
صراع الداخل يحتدم
وفي الداخل التايواني، وقبل أيام فقط من تنصيب الرئيس الجديد، احتدم الصراع داخل البرلمان ووصل حدّ التشاجر وسط خلاف حول إصلاحات المجلس. ووثّق مقطع فيديو واقعة غريبة داخل البرلمان، إذْ أظهر نائباً وهو يسرق أوراق – قيل إنها أوراق تصويت- خلال إحدى الجلسات ويهرب بها، في محاولة لمنع تمرير مشروع أحد القوانين التي كان يجري مناقشتها.
ووفق ما تحدّثت به وسائل الإعلام، فإنّ أصل الخلاف يعود إلى أن حزب الكومينتانغ المعارض في تايوان، إلى جانب حزب الشعب التايواني، يريدان أن يمارس البرلمان قدراً أكبر من التدقيق على الحكومة، لكن الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم يعتبر تصرفات حزب الكومينتانغ بأنها «إساءة واستخدام للسلطة بشكل غير دستوري».
تياران في تايوان
بعيداً عن هذه التفاصيل، فإن الصراع في تايوان بشكله العام هو بين تياريّن، الأول: يدعم مبدأ الصين الواحدة، ويتعامل مع تايوان بوصفها جزءاً من الصين، والثاني: يدعو إلى استقلال تايوان عن الصين بشكل كامل، ويمكن فهم مجمل المعارك السياسية بما فيها المعركة السابقة في البرلمان من خلال هذا الإطار. فإن ما يسعى إليه حزب الكومينتانغ عملياً هو وزن إضافي يسمح له بفرض نفسه كقوّة أكثر تأثيراً في سياسات تايوان وقراراتها، وهو حزب يملك مقومات لا بأس بها للعب هذا الدور كما يبدو.
حزب الكومينتانغ (KMT) هو أحد الأحزاب الرئيسية في تايوان، ويمثل العمود الفقري لما يعرف بالتحالف «الأزرق» المؤيد للتقارب مع الصين. وعلى الرغم من أن الحزب حقق بعض النجاحات الانتخابية المحلية، إلّا أنه لم يستطع الفوز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية لعام 2024. لكن يبدو أن الحزب يحاول تجاوز هذا عبر بناء تحالفات مع قوى وأحزاب أخرى تتفق معه على مبدأ الصين الواحدة، كحزب الشعب التايواني أو ما يسمى أحياناً بالحزب الجديد (NP) (شريكه في معركة البرلمان آنفة الذكر) أو حزب الشعب الأول (PFP).
حزب الشعب الأول، والحزب الجديد، اللذان كانا في السابق جزءاً من «التحالف الأزرق»، فقدا الكثير من نفوذهما في السنوات الأخيرة. إذ لم يحقق الأول نجاحاً كبيراً في الانتخابات منذ سنوات، و«الجديد» يعتبر فعلياً غير موجود على الساحة السياسية بعد فشله في الفوز بمقاعد منذ عام 2004. لكن يحتفظ حزب الكومينتانغ ببعض القوة السياسية، ويواصل لعب دور مهم في السياسة التايوانية، وهو المنافس الرئيسي للحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم (DPP) في الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
لِمن المستقبل السياسي في تايوان؟
إذا ما أخذ المرء بعين الاعتبار الوضوح والصرامة الصينية في رفض استقلال الجزيرة تحت أي ظرف من الظروف، مع الصراع الجاري في الداخل التايواني بشكله العامّ، يصل إلى استنتاج أوّلي مفاده أن مستقبل القوى السياسية في الصين والتحالفات الحالية والمستقبلية التي من الممكن أن تنشأ، مرتبط أشدّ الارتباط بفكرة الصين الواحدة. أي أن المستقبل لأولئك الذين يدعمون هذا المبدأ. ومن غير المستبعد إطلاقاً أن تلعب الصين دوراً في دعم هذه القوى وإيصالها إلى وضع تغيّر فيه المشهد السياسي الحالي، بحيث تميل الكفة لصالح هؤلاء، خصوصاً أن لهذه القوى، وعلى رأسها حزب الكومينتانغ، وزناً سياسياً واجتماعياً مهمّاً ومؤثراً ويمكن الاستناد إليه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1176