الانتخابات الباكستانية والطموح الأمريكي
أجرت باكستان انتخاباتها في يومي 8 و9 شباط الماضي، وذلك وسط توترات سياسية كبيرة تتعلق بالدرجة الأولى برئيس الوزراء السابق عمران خان وحركة إنصاف، التي شهدت درجة عالية من المواجهة السياسية والقمع.
تحظى حركة إنصاف الباكستانية بالشعبية الأوسع داخل البلاد، وكذلك القيادي فيها ورئيس الوزراء السابق عمران خان، الذي أُزيح عن السلطة في عام 2022 بعد تصويتٍ للبرلمان الباكستاني من أجل حجب الثقة عنه وعن الحكومة الباكستانية، وقد كان ذلك الحدث الأول من نوعه بتاريخ البلاد. ومنذ ذلك الحين، تُتهم الولايات المتحدة الأمريكية أنها تقف خلف هذه التحركات، وذلك وسط محاولاتها في تلك المرحلة لدفع باكستان نحو اتخاذ موقفٍ معادٍ لروسيا في عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا وإدانتها، فضلاً عن السعي الأمريكي لضرب العلاقات الودية بين باكستان وروسيا والصين إضافة لإيران، كون هذه العلاقات تتعارض مع مشروع الفوضى الشاملة.
ولم يقف الأمر عند الإطاحة بخان وحكومته، لتستمر حملة التصعيد ضده وضد حركة إنصاف عبر اتهامات بالفساد والرشاوى، وصولاً لاتهامٍ بتسريب أسرار للدولة قُبيل الانتخابات، والحكم على خان بالسجن لمدة 10 سنوات خلال شهر كانون الثاني الماضي، بالإضافة لسجن وزير الخارجية السابق شاه محمود قريشي.
لكن، ورغم هذه الأحداث، لم تتغير السياسة الخارجية في باكستان لصالح الولايات المتحدة بدرجة تُذكر، واستمر الموقف الباكستاني محايداً فيما يتعلق بالملف الأوكراني، وبعموم العلاقات مع روسيا والصين، وحتى إيران التي ساءت العلاقات معها بشكل مؤقت إثر هجمات الأخيرة العسكرية على جماعات معادية لها في باكستان، ليُعاد استئناف العلاقات وتعود لطبيعتها عشية الانتخابات في 22 كانون الثاني من العام الجاري.
تشكّل السياسات والظروف الداخلية بشكل خاص خطراً على باكستان، وخاصة مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، حيث شهدت البلاد حركة قمع سياسية واسعة من قبل الحكومة تجاه حركة إنصاف وأنصار الرئيس السابق عمران خان، عبر تضييقات عديدة، منها عدم قبول الكثير من المرشحين البرلمانيين لخوض الانتخابات أساساً.
ومع ذلك، خاضت حركة إنصاف -ومرشحوها الموالين لعمران خان- جولة الانتخابات الأخيرة، وربحت الحركة أغلبية المقاعد البرلمانية، بينما احتلت الرابطة الإسلامية في باكستان المركز الثاني، وحزب الشعب الباكستاني المركز الثالث.
مع هذه النتائج، أقامت الرابطة الإسلامية وحزب الشعب الباكستاني ومجموعة من القوى الأصغر تحالفاً سياسياً فيما بينهم، أدى إلى فوز شهباز شريف عن حركة الرابطة الإسلامية برئاسة الوزراء عبر 201 صوت بمقابل 92 صوتاً ضده، وفوز آصف علي زرادي عن حزب الشعب الباكستاني برئاسة باكستان للمرة الثانية على التوالي.
تحاول الولايات المتحدة مرة أخرى توتير الأوضاع في باكستان عَبْرَ مجموعة من المواقف والتصريحات التي تشكك بمصداقية وشفافية الانتخابات الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق بالتضييق على حركة إنصاف، وحديثها المعتاد عن «الديمقراطية».
لم تفلح واشنطن -على ما يبدو- في تحقيق طموحها فيما يتعلق باستمالة باكستان نحوها، ويعكس ذلك بالدرجة الأولى وزنها الضعيف بالمقارنة مع الوزن الروسي والصيني والإيراني، وتأثير ذلك على العلاقات مع باكستان عموماً بمختلف قواها السياسية، مع ذلك لا تزال الاحتمالات مفتوحة بعد إجراء الانتخابات رسمياً وتشكيل الحكومة. إلّا أن ما يبدو واضحاً وثابتاً بالحد الأدنى هو مساعي واشنطن لتوتير الظروف السياسية داخلياً في باكستان، أملاً بدفعها نحو الفوضى بما يضر خصومها الروس والصينيين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1167