أحداث البحر الأحمر… تهديد للصين أم فخّ للبحرية الأمريكية؟

أحداث البحر الأحمر… تهديد للصين أم فخّ للبحرية الأمريكية؟

تحوّلت مياه البحر الأحمر إلى مسرح لأحداث يومية، فبعد التطورات الأخيرة لم يعد بالإمكان تجاهل تلك المنطقة الاستراتيجية بالنسبة لدول كثيرة، خصوصاً الدول الأوروبية والصين التي ترتبط تجارتها بهذا الطريق البحري، لكن يبدو واضحاً أن كل طرف ينظر إلى هذه المسألة من زاوية مختلفة، ما ينعكس بالتالي على الاستراتيجية التي يضعها للتعامل مع التطورات الأخيرة.

كانت الحرب التي أعلنها جيش الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة مدعوماً من واشنطن بمثابة تهديد لكامل الإقليم، وخصوصاً بعد اتضاح الهدف الأمريكي المتمثل بجر المنطقة إلى مستوى جديد من الفوضى، لكن أحداث البحر الأحمر حملت بعداً أوسع، فهناك تأثيرات مباشرة على اليمن الذي بدأ يتلقى ضربات من قوى غربية ما يعني بالضرورة ضغطاً على السعودية التي حاولت إغلاق هذا الباب بعد الخسائر التي لحقت بها في حربها الطويلة في اليمن، وهناك تأثيرات مباشرة على مصر التي بدأت تعاني من عواقب أمنية واقتصادية ناتجة عن اضطراب حركة الملاحة عبر قناة السويس. لكن هناك أيضاً تأثيرات خطيرة لم تكن ظاهرة في اللحظات الأولى لبدء التوترات هناك، هي تلك المرتبطة بالصين والاتحاد الأوروبي، فكلا الطرفين يعتمدان بشكل كبير على هذا الطريق البحري، ولا توجد بدائل أخرى في الظرف الراهن يمكن الاعتماد عليها إذ إنّها إن وجدت ستكون بتكاليف أعلى وبالتالي تحمّل اقتصادات الدول المعنية خسائر لم تكن بالحسبان.

تفسير مختلف

توضّح الأرقام المتداولة في وسائل الإعلام حجم المشكلة، إذ تقول بعض التقديرات إن الطريق من مضيق باب المندب إلى قناة السويس ينقل ما قيمته 160 مليار دولار من الصادرات الصينية، تشمل 60% من صادرات بكين المتجهة إلى أوروبا وفي تقديرات أخرى تعتمد 99% من سفن الحاويات التي تبحر بين أوروبا والصين على هذا الطريق، ما يعني أن اضطرابات يشهدها ستؤثر بشكل مباشر على مصالح هذه الأطراف. وخصوصاً في ظل غياب بدائل مجدية. لكن التباين بين الدول الأوروبية والصين حول تفسير سبب هذه الاضطرابات يشكّل نقطة الخلاف الأولى، فبالنسبة للصين ترى أن هجمات «الحوثيين» أضرت بلا شك بالملاحة في البحر الأحمر، لكن بكين ترى هذه التطورات بوصفها امتداداً للصراع الدائر في فلسطين المحتلة، وتتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ويبدو أن الصين سارعت لإيجاد حلول عبر إيجاد تفاهمات مع «أنصار الله» الذين استطاعوا ضمان سلامة السفن الصينية، هذا بالإضافة إلى أن أنباء تشير إلى أن الصين تبحث مع إيران بشكل مباشر تلك التطورات نظراً لأن الأخيرة تتمتع بنفوذ ملموس في اليمن. كل ذلك أدى إلى تقليل الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها الصين بشكلٍ ملحوظ.
بالنسبة للدول الأوروبية، تبنت بمعظمها الرواية الأمريكية وحمّلوا الحوثيين بشكل منفرد مسؤولية التوتر في المنطقة متجاهلين الدور الأمريكي والصهيوني، ورغم أن الدول الأوروبية حاولت عدم التورط في التحالف الذي أعلنته واشنطن باسم «حارس الازدهار» إلا أنها وجدت نفسها مجبرة على التحرك باتجاه ما.

هل يدافع الأوروبيون عن مصالحهم؟

لا يمكن القول إنَّ الأوروبيين يتحركون بمعزل عن واشنطن لكنهم وجدوا أنفسهم محيّدين بعد أن بدأت القوات الأمريكية والبريطانية بتوجيه ضربات إلى اليمن، ما دفعهم على ما يبدو للإعلان عن عملية عسكرية في المنطقة بشكلٍ منفرد، انطلقت في 19 شباط الماضي تحت اسم «أسبيدس» وخصّصت لها 8 ملايين يورو وتشمل قوات من خمس دول هي فرنسا واليونان وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا.
المشكلة الظاهرة اليوم في السلوك الأوروبي ترتبط بتبنيه التوجّه الأمريكي، فرغم أنَّ الاتحاد الأوروبي أعلن أنَّ عملياته ستكون «دفاعية فحسب» فإنه أدخل نفسه في حلقة مفرغة لا يمكن من خلالها إيجاد حل للأزمة الحالية، إذ لا يمكن تأمين الطريق البحري هذا بشن حرب على الدول المطلّة عليه، وهو ما يبدو حقيقة بديهّية، فاليمن ستكون لاعباً مؤثراً على هذا الطريق دائماً وهذه مسألة مرتبطة بالجغرافية، ولذلك كان الأجدى البحث عن سبيل لنزع فتيل التوتر بدلاً من تأجيجه.

كلمات حول الدور الصيني

أحد أهم عناصر الصورة في البحر الأحمر هو الأسطول 46 في البحرية الصينية، الذي أعلنت بكين في 24 شباط الماضي إرساله إلى مضيق باب المندب، فالسفن الحربية الصينية تعمل هناك على تأمين السفن التجارية من أي أعمال عدوانية لتضمن بكين سلامة الطريق التجاري، ولا تنخرط الصين بأي مواجهات مع دول المنطقة بل العكس تماماً، فهي تعمل على تنسيق خطواتها معها. ومن جهة أخرى يبدو أن الصين ترى ميزة أخرى مهمة في تطورات البحر الأحمر وهي أنها قادرة على تشتيت القدرات العسكرية الأمريكية ونقل تركيزها بعيداً عن محيط الصين، فازدياد التواجد العسكري الصيني في هذه المضائق الحيوية يشكل تحدياً لواشنطن وربما يمنعها من تركيز قواتها في المكان الذي تريده، ما يمكن أن يحول البحر الأحمر إلى فخ كبير للقوات الأمريكية بعد أن كانت هذه الأخيرة تسعى للضغط على الصين من خلاله!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1164