أرمينيا نقطة توتر حرجة في جنوب القوقاز
بدا أن الخلافات بين أرمينيا وأذربيجان انتهت، وبدأ الحديث عن توقيع اتفاق سلام شامل بين البلدين منذ أكثر من 3 أشهر حتى الآن، لكن التوتر عاد مجدداً ووصل إلى الصدام العسكري على الحدود بين البلدين، وذلك وسط مساعٍ غربية لتوتير الأوضاع في جنوب القوقاز ككل انطلاقاً من أرمينيا.
تدهور العلاقات الأذريّة الفرنسية
بعد سيطرة الأذريّين على إقليم قره باغ وبدء تنفيذ الاتفاقات بين باكو ويريفان، برزت مواقف فرنسا المعادية وضوحاً لأذربيجان، سياسياً وإعلامياً، ورداً على ذلك أقدمت باكو على مجموعة من الخطوات، منها طرد دبلوماسيين فرنسيين اثنين من البلاد بحجة قيامهم بأنشطة تتعارض مع عملهم، وأعلن وزير الخارجية الأذريّ جيهون بيراموف توجيه دعوة رسمية إلى باريس من أجل المشاركة بتحقيق في أنشطة شبكة عملاء استخباريين في أذربيجان، وقال: «تم إرسال مذكرة إلى الجانب الفرنسي تتضمن الحقائق والأدلة والإثباتات المتوفرة لدينا [...] لقد قمنا بدعوة الجانب الفرنسي من أجل التعاون والمشاركة بالتحقيق في أنشطة هذه الشبكة الاستخباراتية، لكننا لم نتلقَّ أي رد على هذه المذكرة».
ورداً على طرد الدبلوماسيين الفرنسيين أعلنت الخارجية الفرنسية كذلك طرد دبلوماسيين أذريَّين اثنين من فرنسا في إطار «المعاملة بالمثل» وجاء في بيان الخارجية «تنفي بشكل قاطع المزاعم التي قدمتها أذربيجان لتبرير قرارها بشأن الدبلوماسيين الفرنسيين المتهمين بالقيام بأنشطة تتعارض مع وضعهما».
وصعّدت باريس أكثر بأن أقر مجلس الشيوخ بأغلبية 336 صوتاً مقابل واحد فقط، قراراً يدعو إلى فرض العقوبات على أذربيجان، ليطالب البرلمان الأذريّ بعدها بقطع العلاقات مع فرنسا وطرد الشركات الفرنسية من البلاد رداً على هذا الأمر.
طيلة فترة الصراع العسكري بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم قره باغ، كانت هناك تقارير تفيد بوجود دعم عسكري فرنسي مقدم للأرمنيين منها صواريخ قصيرة المدى، وهو أحد أسباب تدهور العلاقات بين باريس وباكو، لكن وفي إطار التصعيد الجديد ذهبت باريس إلى منحى أبعد، حيث أعلن وزير دفاعها سيباستيان ليكورنو أثناء وجوده في يريفان «فيما يتعلق بقضايا الدفاع الجوي... سأتحدث عن الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى وغيرها [...] إذا كانت أرمينيا بحاجة إليها، فسيتم نقل هذه الصواريخ أيضاً وستكون تحت تصرفكم».
تصعيد عسكري وإبعاد اتفاق السلام
وقد جاء هذا التصريح الفرنسي بعد 10 أيام من إعلان أرمينيا مقتل 4 من جنودها على الحدود مع أذربيجان التي أعلنت أن القصف جاء رداً على إطلاق رصاص من قبل جنديَّين أرمنيَّين تجاه الجيش وفقاً لبيان وزارة الدفاع الأذريّة، وهو الحادث العسكري الأول الذي يقع بين الطرفين منذ 4 أشهر بعد سيطرة القوات الأذريّة على إقليم قره باغ بموافقة يريفان واعترافها بأنها أراضٍ أذريّة.
وفي هذا الإطار مضت أرمينيا وفرنسا والغربيون باتهام أذربيجان برغبتها واستعدادها لشن حرب على أرمينيا، وأكثر من ذلك تغيّرت لهجة باشينيان تجاه اتفاق السلام حيث اعتبر أنه لا يمكن تصوره حالياً وسط زعم أن باكو تستعد للحرب ضد بلاده. لتنفي الخارجية الأذريّة هذا الأمر وأصدرت بياناً نفت فيه هذه المزاعم قالت فيه: «هذه الاتهامات الباطلة عديمة الأساس، والتي وجهها رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان مرة أخرى ضد أذربيجان، تثير عمداً التوتر في المنطقة وتهدف إلى تقويض عملية السلام مجدداً».
معاهدة الأمن الجماعي ومجلس أوروبا
يظهر أن هناك خلافات في مواقف أرمينيا وأذربيجان في الجانبين الإقليمي والدولي، إذ اعتبر رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان خلال حوار له مع قناة «فرانس 24» أن اتفاقية الأمن الجماعي التي تضم روسيا لم يجرِ تنفيذها حسب تعبيره وأضاف: «اليوم، قمنا عملياً بتجميد مشاركتنا في هذه الاتفاقية، وهذه المنظمة» وذلك بعد حملة سياسية شنتها يريفان ضد المعاهدة.
على الجانب الآخر أعلن الرئيس الأذريّ إلهام علييف أن بلاده قد تنسحب من مجلس أوروبا خلال عام واحد ما لم تجرِ استعادة حقوق وفدها فيه، وذلك بعدما رفض نواب المجلس المصادقة على صلاحيات الوفد الأذريّ بذريعة «عدم امتثال البلاد لالتزاماتها تجاه مجلس أوروبا».
الغربيون يستهدفون جنوب القوقاز
تقع القيادة الأرمينية الحالية تحت ضغط عاملين اثنين، الأول داخلي يتعلق بهجوم المعارضة الواسع على حكومة باشينيان بعد اعترافه بسيادة أذربيجان على إقليم قره باغ وخسارة بلاده الحرب معها والحديث حول اتفاق سلام شامل. والثاني خارجي يتعلق بالعلاقات الخارجية لأرمينيا والهيمنة الغربية عليها التي تسعى إلى جعل يريفان منصة لتوتير منطقة جنوب القوقاز بدءاً من خلافاتها مع أذربيجان وتركيا. حيث إن الأوروبيين والأمريكيين لا يزالون يسعون إلى وأد عملية السلام بين البلدين بأشكال مختلفة، منها الناعمة عبر محاولة سحب بساط الوساطة من موسكو نحو برلين والاجتماعات التي تعقد برعايتها بين الجانبين والتأثير عليها، والتصعيدية التي تحمل لواءها فرنسا في الفترة الراهنة. ومحاولات لتوتير العلاقات بين دول المنطقة ورعاتها الإقليميين وتحديداً إيران وتركيا عبر مسألة «ممر زنغزور».
ما هو «ممر زنغزور» والخلافات حوله؟
يؤكد رئيس الوزراء الأذريّ إلهام علييف أن فتح «ممر زنغزور» الذي يربط باكو بجمهورية ناختشيفان الحدودية مع تركيا، عبر الأراضي الأرمينية، يعد أمراً حاسماً وشرطاً لاتفاق السلام بين بلاده وأرمينيا، وتدعم تركيا موقع علييف في هذا الخصوص، حيث إنه يؤمن مساراً وحركة نقل تجارية من آسيا إلى أوروبا عبر تركيا تخدم المصالح التركية، ويعتبر الطرفان أن هذا الممر يخدم المصالح الاقتصادية لدول المنطقة كافة. إلا أن الأرمينيين يرفضون فتح هذا الممر عبر وضعه كشرط لاتفاق السلام من جهة، وخصوصاً أن الحديث يدور عن خضوع الممر للإدارة والرقابة الأذرية بالكامل، في حين يصرّون على نشر نقاط تفتيش خلاله ويحاولون ضمان دورهم في إدارته والاستفادة منه، ويتهمون أذربيجان بأن فتح الممر بهذا الشكل قد يعني وجود قوات أذريّة أيضاً مما يهدد الأمن الأرميني.
بدورها تتقاطع إيران مع أرمينيا بالموقف المعارض لفتح الممر بهذا الشكل لأسباب مختلفة تتعلق بمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية بالدرجة الأولى، حيث تعتبر أن هذا الممر سيؤثر سلباً على حركتها الاقتصادية والتجارية في المنطقة ومع أرمينيا تحديداً، ومن جهة أخرى ووفقاً لمقال نشره وزير الخارجية الإيراني السابق كمال حرازي بعنوان «مؤامرة لبناء ممر طوران التابع للناتو» يرى بعض الإيرانيّين أن ممر زنغزور يمهد لبناء ممر طوران الذي يعد مشروعاً يدعمه الكيان الصهيوني والناتو وفقاً لهم، ويتيح للأخير نشر قواته لاحقاً على الحدود الشمالية لإيران والجنوبية لروسيا.
يحمل ملف «ممر زنغزور» حتى الآن طبيعة اقتصادية وهذا ما يشغل معظم جوانب الحديث حول الممر بين أذربيجان وأرمينيا وتركيا وإيران، لكن ما يبدو واضحاً أن المصلحة العميقة لهذه البلدان تقتضي حل هذا الخلاف عبر مفاوضات بدلاً من تحويله إلى ملف ساخن جديد، وخصوصاً أن المستهدف في هذه المسألة ليس توتير العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان فحسب، بل نقل الخلاف إلى إيران وتركيا، وهو ما يعني محاولة جديدة لضرب هذه العلاقة، وهو هدف أمريكي موجود، ويضاف إلى ذلك أن أي توتير في منطقة القوقاز يضيف تهديدات جديدة لروسيا التي تعتبر المنطقة جزءاً من فضائها الحيوي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1164