ألمانيا تدفع ثمن تحالفها مع واشنطن
عتاب منصور عتاب منصور

ألمانيا تدفع ثمن تحالفها مع واشنطن

تؤكد أكثر المؤشرات الاقتصادية: أن الاقتصاد الألماني يعيش أزمةً حقيقيةً، فالصورة تبدو قاتمةً حقاً، وخصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار، أن ألمانيا تعتبر أبرز اقتصادات أوروبا، ومع الضربات المتتالية التي تتلقاها حكومة شولتس، بات بقاؤها مسألةً مؤقتةً، وخصوصاً أن الإجراءات التي يجري اعتمادها باتت عوامل ضغط حقيقة على استقرار الحكومة، وربما الوضع السياسي العام في البلاد.

أكد المصرف المركزي الألماني: أن الضعف سيظل ملازماً للاقتصاد في العام الجديد، وحاول التخفيف من الوضع الصعب بالقول: إن هذا الوضع سيكون مؤقتاً.

مؤشرات خطيرة!

في تقريره الشهري الخاص بالشهر الجاري، المنشور في 26 كانون الثاني أقر «المركزي الألماني» بأن الأداء الاقتصادي في ألمانيا يمكن أن يسجل ركوداً على أفضل تقدير في الربع الأول من 2024. وأكد أن التعافي المنتظر سيتأخر. وأضاف في التقرير ذاته: أن «الحالة الاقتصادية تبدو في الوقت الحالي أضعف بشكل طفيف مما كان متوقعاً لها في تنبؤات كانون الأول الماضي»
وكانت التوقعات السابقة قد أشارت إلى أن النمو المتوقع في ألمانيا عام 2024 سيصل إلى 1,3% إلا أن الأرقام هذه باتت بعيدة عن الواقع، وأُعلنت التوقعات الجديدة التي تقول: إن النمو لن يتجاوز 0,4%.

احتجاجات المزارعين!

في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة اتجهت حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس لتعويض النقص في واردات الحكومة من عدد من المصادر، فاتجهت لرفع الضرائب وتخفيض الإنفاق الحكومي، وقررت أيضاً تخفيض الدعم على وقود الديزل للمزارعين، وتقول الحكومة: إن رفع الدعم هذا من شأنه أن يدخل إلى خزانة الدولة 440 مليون يورو.

لم تكن هذه القرارات منذ صدورها إلا سبباً لتنامي حركة احتجاجية واسعة بين المزارعين الألمان، الذين بدؤوا ينظمون احتجاجات استخدموا فيها الجرارات الزراعية، شارك في إحداها حوالي 500 جرار. وعطّلت هذه التحركات حركة المرور في عدد من المناطق، ويبدو أن الحكومة باتت مضطرة لفتح نقاشٍ جديٍّ حول كل التحديات التي تواجه قطاع الزراعة، لكن دون أن يظهر بعد إن كانت عازمة على التراجع عن قرارات كهذه، إذ أعلن نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد روبرت هابيك: أن «المزارعين لديهم بالطبع مخاوف واحتياجات تتجاوز النقاش حول الديزل بالقطاع الزراعي» وأعلن استعداده لإجراء مباحثات يرى فيها البعض مجرد مماطلة.

إضرابات عمال سكك الحديد

في السياق ذاته، وبعد تعثر المفاوضات بين شركة سكك الحديد للشحن ونقابة سائقي القطارات، أعلن عمال هذا القطاع الحيوي عن إضراب يفترض أن يستمر حتى يوم الإثنين 29 كانون الثاني، ويبدو أن هذا الإضراب سيكون موجعاً بالنسبة للحكومة وإيراداتها، إذ أكد أحد الباحثين الاقتصاديين أن «الإضراب الوطني ليوم واحد في السكك الحديد يمكن أن يكلف الإنتاج الاقتصادي الألماني ما يصل إلى مائة مليون يورو». ويمكن لهذه التحركات أن تؤثر على الاقتصاد الأوروبي كاملاً، إذ تعد ألمانيا مركزاً لحركة الشحن بواسطة ستة ممرات شحن أوروبية للسكك الحديد.

الإضاءات البسيطة التي جرى عرضها ما هي إلا جزءٌ من الواقع الصعب الذي تعيشه ألمانيا، التي خسرت أحد أهم الشروط التنافسية في الاقتصاد بعد أن أدى انجرار الحكومة الحالية إلى تقييد وصول الغاز الروسي الرخيص، وهو ما حمّل الإنتاج مصاريف كبيرةً متضخمة، إذ أكد هابيك أن «الاقتصاد الألماني فقد الميزة التنافسية»، وأضاف: أن إمدادات الطاقة الألمانية «كانت تعتمد إلى حد بعيد على الغاز الروسي»، مؤكداً: أن «موارد الطاقة الروسية جلبت فوائد كبيرة للاقتصاد الألماني».

مع أن المؤشرات الاقتصادية تؤكد أن الوضع الراهن يمكن أن يتطور أكثر بالاتجاهات السلبية، إلا أن القرار السياسي الألماني يبدو عاجزاً عن تحدي التوجيهات الأمريكية، وبدلاً من البحث عن الحلول الحقيقية التي تطابق المصالح الوطنية الألمانية، يبدو أن هناك استعداداتٍ من نوع آخر، إذ أعلن الجنرال العام للقوات الآمرة الألمانية عن «خطة شاملة لمواجهة التهديدات الخارجية والدفاع عن الأراضي الألمانية» التي تبدو من حيث توقيتها، إما خطوة استباقية لمواجهة إضرابات متوقعة في الداخل، أو محاولة لتعظيم المخاطر الخارجية لتخدير المجتمع الذي بدأ يتأثر بشكل واضح بالتداعيات الاقتصادية للسياسة الألمانية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1159
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 13:50