«قواعد العالم» أمن وطني بالنسبة للدول الصاعدة

«قواعد العالم» أمن وطني بالنسبة للدول الصاعدة

دخل العالم إلى العام الجديد في ظل اشتعال عدد من الحروب على جبهات مختلفة، مع أن البعض لا يرى فيها اليوم إلا مواجهة سياسية باستخدام أسلحة فتاكة، حالها حال المعارك التي رافقتنا في بداية أعوامٍ مضت، إلا أن ما نعيشه الآن يبدو مختلفاً بشكلٍ نوعي عما سبق، لذلك ربما تكون بداية العام الجديد فرصة جيّدة لوضع الأمور في سياقٍ مختلف.

أن يعترف الرأي العام الغالب بوجود تغييرات كبرى في العالم، فهذا لا يعني أن الجميع متفق على طبيعة هذه التغييرات، ففي أروقة مختلفة يشتعل نقاش حاد في محاولة تفسير اللحظة الراهنة، وتبدو المشكلة أكبر بالنسبة لواضعي السياسات والمهتمين بالشأن العام، فتحليل الأحداث الجارية بالنسبة لهم عملية ضرورية لإحداث تغيير مطلوب لا مجرد عملية بحثية، ولكي لا نعيد ما بات مكرراً يكفي القول: إن الغرب نفسه اعترف أن عصره ينتهي، وتحولت الدورة 56 لمؤتمر ميونخ للأمن عام 2020 إلى فرصة لإعلان ذلك «رسمياً» وخصوصاً أن التقرير الأساسي حمل عنوان «أفول الغرب» أو ما اصطلح عليه حينها «Westlessness». لكن ونظراً لكون طروحات «ميونخ» تتسم عموماً بكونها استشرافية الطابع لم تلقَ رواجاً كبيراً، وربما لم تتحول كغيرها من الدلائل إلى حجر أساس في فهم طبيعة التغيرات الدولية بالنسبة للكثير من القوى.
تماماً، كما جرى في المؤتمر ذاته عام 2007 يوم حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن استمرار السياسة الأمريكية بهذا الشكل يهدد الأمن في العالم وأوروبا تحديداً، وأن إسهام الدول الصاعدة في وضع قواعد العالم حق مشروع لن تتنازل عنه.

اسقاطات ملموسة

تحمل الأحداث اليومية دلائل جديدة على حجم التراجع الأمريكي والغربي، وفي لحظة كهذه يفترض إعادة قراءة مجمل الملفات الدولية على ضوء هذه الحقيقة، وخصوصاً مع الأحداث الكبيرة التي ثبّتت هذا التراجع، ودفعته نحو تسارع مضطرد، تماماً كما فعلت الحرب الروسية في أوكرانيا التي تحوّلت إلى نقطة علّام، لا لكونها ثبتت ميزان قوى عسكري محدد فحسب، بل لأنها سرّعت تبلور أقطاب جديدة في مواجهة عالم القطب الواحد المهيمن عليه أمريكياً، ودفعتهم لمواجهة كل أدوات الهيمنة الأمريكية بشكل فاعل.
إذا أردنا تحديد مسألتين أساسيتين لفهم تأثير تغيير الميزان الدولي، فربما تكون الحرب الروسية الأوكرانية وحرب الكيان الصهيوني في غزّة مادة ممتازة لذلك، وخصوصاً أن المعركتين كانتا مدعومتين بوضوح من الولايات المتحدة، التي لم توقف إمداداتها العسكرية والمالية لهذا الصراع، ولم تبخل منذ اللحظات الأولى بتقديم كل أنواع «المشورة» العسكرية والسياسية، ولذلك تظهر النتائج الأولية للحدثين بوصفها تعبير صارخ عن التوازنات الجديدة.

في أوكرانيا

الحقيقة المعروفة أن الجيش الروسي لم يواجه جيش أوكرانيا فحسب، بل واجه جزءاً مهماً من الترسانة العسكرية الغربية، التي كانت قبل سنوات قليلة أداة إرهاب أساسية مؤثرة في وضع سياسة دول العالم.
وما لا جدل حوله، هو أن هذه القدرات العسكرية الغربية لم تنخفض فجأة، ولم تكن خردة معدنية لحظة بدء المعركة! لكن السلاح الروسي بدا على الرغم من ذلك متفوقاً وقادراً على التعامل مع كل ما زجّه الغرب في وجهه.
لكن المسألة الأهم والحاسمة كانت في مكانٍ آخر، ففي حين كان الرهان الغربي منصباً على إسقاط روسيا من الداخل، عبر فرض حزم العقوبات القاسية، تبيّن أن قوى الشرق الصاعدة كانت تملك الأرضية السياسية والتكنيكية اللازمة لمواجهة كل هذا، وبدلاً من أن تتحول روسيا إلى مكان معزول، رأينا أنها استطاعت فتح خطوط جديدة كسرت الحصار المفترض.
لا شك أن المعركة مستمرة حتى اللحظة، ولا مؤشرات جدية على اقتراب انتهائها، لكن ذلك لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً، وما تستطيع واشنطن فعله الآن هو إطالة أمد الصراع إلى حدوده القصوى، لا أملاً في تغيير النتيجة، فأوهام كهذه لا تبدو موجودة في أذهان عسكريي الغرب المحترفين، ولا حتى سياسييه، فربما يكون تأجيل حسمها يهدف إلى تأخير إعلان النتيجة، وما يمكن أن يكون له تبعات سياسية كبرى.

في غزة

الحرب التي اشتعلت في الأراضي الفلسطينية المحتلة تميزت عن غيرها من الحروب السابقة، إذ أن المقاومة الفلسطينية بادرت بتوجيه ضربة قاسية لم يكن بالإمكان تجاوزها من قبل الكيان، فالحرب التي شنّها منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، لم تستطع حتى اللحظة تحقيق الأهداف المعلنة، وبات الكيان يبحث عن أي خرق يمكن من خلاله تعويض المعنويات التي تحطمت بعد «طوفان الأقصى».
بالرغم من قسوة الخسائر التي لحقت بالقطاع والشعب الفلسطيني، إلا أن ما جرى كان أوضح تعبير عن الميزان الجديد، فالكيان أيضاً، لم تتراجع قوته العسكرية، ولا يزال يتمتع بأكثر الأسلحة تطوراً، لكن المقاومة حققت خرقاً على المستوى التنظيمي، سمح لها بكسب الحرب حتى قبل أن تبدأ، فمع أن فرق التسليح واضح إلا أن الأشهر الثلاثة التي تلت العملية لم تحمل حتى الآن أي منجز عسكري للاحتلال وها هي الأزمة الداخلية تتفجر من جديد، وخصوصاً بعد رفض المحكمة لقانون المعقولية الذي أظهر حجم الانقسام الداخلي، وهدد الكيان بدخول «حرب أهلية» حقيقية قبل عملية طوفان الأقصى.

أعلنت مؤسسة «World Economics» عن أحدث الأرقام التي تعكس تطورات هامة في الاقتصاد العالمي للعام 2023، حيث نشرت القائمة الجديدة التي تضم أكبر عشرة اقتصادات حول العالم بناءً على الناتج المحلي الإجمالي المقوّم حسب القدرة الشرائية «PPP GDP». احتلت الصين المرتبة الأولى في هذه القائمة، تلاها الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، وجاءت الهند في المرتبة الثالثة، تلتها اليابان ومن ثم روسيا في المرتبة الخامسة. بعدها جاءت اندونيسيا في المرتبة السادسة، تلاها ألمانيا في المرتبة السابعة، وبعدها البرازيل، ثم تركيا في التاسعة، وأخيراً فرنسا في المرتبة العاشرة.

في البداية ينبغي التنبيه الى الطرق المختلفة لقياس حجم الاقتصاد في بلد محدد، ويبدو من خلال بعض التدقيق ان الأرقام حسب الطريقة الواحدة قد تختلف من مصدر إلى آخر لكن تتفق جمبعها من حيث الجوهر على تغير خارطة المساهمين في الاقتصاد العلمي.
هذه النتائج تعكس تغيرات هامة، إذ تُظهر أن أربعة دول من مجموعة بريكس تصدرت القائمة العالمية لأكبر عشر اقتصادات، مما يبرز تحولاً كبيرًا في الديناميكيات الاقتصادية العالمية. وما يجعل الأمر أكثر إثارة هو أن هذه القائمة كانت مختلفة تماماً في عام 1990، حيث كانت الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، تحتل الصدارة، إذ كانت تملك المراكز الخمس الأولى، إضافة إلى المرتبة السابعة التي كانت تحتلها بريطانيا في ذلك الوقت. وفي ذلك الزمن، كانت الصين في المركز السادس والهند في المركز التاسع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1156