الولايات المتحدة في 2023:  من هزائم دولية إلى 40 ألف قتيل بأعيرة نارية في الداخل!

الولايات المتحدة في 2023: من هزائم دولية إلى 40 ألف قتيل بأعيرة نارية في الداخل!

تمر الأعوام بشكل أصعب أكثر فأكثر على الولايات المتحدة الأمريكية، خارجياً وداخلياً، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً/ أمنياً، لتنتهي 2023 واضعة إياها بموقع أكثر سوءاً وهشاشة بعد عدة أحداث ومجريات تخللت العام، من إفلاس البنوك ورفع سقف الديون إلى التراجع الدولي والخسائر الجيوسياسية مروراً بالعنف الداخلي في الولايات المتحدة، والذي خلف أكثر من 40 ألف قتيل!

خارجياً – دولياً

تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بشكل ملحوظ خلال عام 2023، سواء بالشكل المباشر أو غير المباشر عبر حلفائها التاريخيين، من آسيا إلى الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحتى أوروبا.

أوكرانيا – فشل الهجوم المضاد

ألحق فشل الهجوم العسكري الأوكراني المضاد- وإعلان هذا الفشل رسمياً على لسان الغربيين- الضرر على الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، على اعتبارها الراعي والداعم الأول والأكبر للنظام الأوكراني بقيادة فلاديمير زيلينسكي، سواء مباشرة أو عبر الناتو أو حلفائها الأوروبيين.

الكيان الصهيوني– انتهاء أسطورة «القاعدة العسكرية الأمريكية المتقدمة»

لا يمكن فصل الكيان الصهيوني بنشأته ووجوده ودوره، **وفي العصر الراهن وبأي وقت مستقبلاً**، عن الولايات المتحدة الامريكية، وأكثر من ذلك اعتباره «قاعدة عسكرية أمريكية متقدمة» في المنطقة، لتتلقى ضربة سياسية وأمنية هي الأكبر في تاريخها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على يد إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية «حماس»، وحتى اليوم، وبكل إجرامه ووحشيته والمباركة والدعم الأمريكي له بحربه على قطاع غزة، لم يستطع الكيان تحقيق أهدافه، وأكثر من ذلك تراجع وزنه وقبوله دولياً، وبرزت الاحتجاجات الشعبية المناهضة له حول العالم بما فيها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بالتوازي مع توقف مسيرة «اتفاقات أبراهام» التطبيعية في المنطقة، وتضرر الموجود أساساً بالنسبة للأنظمة، وعلى رأسها مصر والأردن والمغرب.

الصين– الولايات المتحدة تخسر مرتبتها اقتصادياً، والدولار يتهاوى

رغم أن الصين سبقت الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً منذ عدة أعوام، إلا أن طريقة حساب الناتج المحلي الإجمالي ومجمل الحسابات الاقتصادية المصاغة على الطريقة الغربية، حاولت المناورة على هذه الحقيقة وصولاً إلى حدها الأقصى في العام الماضي، لتبدأ الاعترافات الغربية والأمريكية، أن الصين سبقت الولايات المتحدة، وباتت الأولى اقتصادياً على مستوى العالم– أي وبصياغة أخرى: شهد عام 2023 سقوط الولايات المتحدة عن عرش الاقتصاد الدولي، كما شهد دومينو تخلّي العديد من الدول والتحالفات والمجموعات الدولية عن اعتماد الدولار كعملة رئيسية للتبادل فيما بينها لصالح العملات المحلية.

الشرق الأوسط- دبلوماسية متهاوية

أدى هذا التراجع والهزائم الأمريكية لتراجع الوزن الأمريكي ومعه قدرتها على التأثير بقرارات الدول أو الأحداث بعينها، وتحديداً الشرق الأوسط– المنطقة الأكثر توتراً بالعديد من الملفات منذ عقود- لتبتعد السعودية بدرجة أكبر عن واشنطن لصالح الشرق، وبالتكيّف مع الموازين الجديدة، وبات تنسيق السعودية مع أوبك+ عملية روتينية متحدية بذلك كل الضغوط الأمريكية بهذا الخصوص، ولا يمكن إغفال المسألة الأبرز وهي: المصالحة السعودية- الإيرانية رغم كل محاولات واشنطن لإعاقتها، والأهم أن هذه المصالحة تمّت برعاية صينية ومنسجمة مع المبادرة الروسية بهذا الخصوص.

إفريقيا وأمريكا اللاتينية:
تراجع للحلفاء = تراجع أمريكي

أدت الانقلابات العسكرية والتوجهات الجديدة في عدة دول بشرق إفريقيا إلى بروز قوى سياسية/عسكرية جديدة مناهضة للهيمنة الغربية والأمريكية، أدت إلى طرد القوات الأجنبية، والفرنسية تحديداً، من أراضيها، بينما يتجه التركيز الآن نحو طرد القوات الأمريكية كذلك. أما في أمريكا اللاتينية، وخصوصاً البرازيل صاحبة الوزن الأكبر، خسر حليفها جاير بولسونارو سباق الرئاسة في البرازيل لصالح لولا دا سيلفا، مما يعني عملياً تراجعاً للنفوذ والوزن الأمريكي في اللاتينية، حتى وإن أضفنا إلى المعادلة فوز الرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير ميلي.

قره باغ – القوقاز :نتيجة سيئة لواشنطن

انتهى ملف أزمة إقليم قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان عبر تسوية وحل فتحت الباب نحو ترويكا إقليمية جديدة تشملهما بالإضافة إلى جورجيا، وبرعاية من روسيا وتركيا وإيران، تهدف بالدرجة إلى استقرار منطقة القوقاز ككل وحل المشاكل الإقليمية به داخلياً بين الدول المعنية، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بينهم، دون تدخل الخارجي، وعبر اجتماعات سنوية، مما يعني تقليم أظافر واشنطن في المنطقة، والحدّ من أي محاولات مستقبلية لتوتيرها، وبالأخص جورجيا، فإن كان تطور الملف في أرمينيا لا يزال غير واضح تماماً، وخصوصاً أنها معرضة لهزات سياسية قادمة، إلا أن التعاضد الإقليمي لهذه الترويكا يبدو مستعداً لصدمات جديدة.

أوروبا: الحلفاء يتذمرون

أنهكت الحرب الأوكرانية الأوروبيين بالدرجة الأولى، إثر الضغط الاقتصادي والأمني والسياسي الشديد، وذلك بعد أعوام من خلافات أوروبية– أمريكية، وصلت حد طرح فكرة تحالف دفاعي أوروبي جديد لا وجود أمريكي به، لتؤخره هذه الحرب بشكل مؤقت، لكن يبدو أن الأوروبيين وصلوا إلى حدودهم القصوى، حيث أنهم يعطون إشارات واضحة برغبتهم بحل الملف الأوكراني، وبدء المفاوضات، خاصة مع تصاعد التوترات والتهديدات فيما يتعلق ببولندا وفنلندا، وذلك على العكس من الرغبة الأمريكية بإطالة أمد النزاع، وتأجيل إعلان الخسارة قدر الإمكان، حتى وإن كلف ذلك استقرار حلفائها.

داخلياً

يعود هذا التراجع الأمريكي إلى التناقضات والأزمات الداخلية الأمريكية بالدرجة الأولى، والتي شهد عام 2023 عدة عناوين لها..

الأزمة المالية: إفلاس بنوك ورفع سقف الدين

شهد العام الماضي موجة إفلاسات لـ 4 بنوك هي Silvergate وSilicon Valley وSignature وFirst Republic، أكبرها بنك وادي السيليكون، والذي يعد ثاني أكبر إفلاس بنكي بتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن، مما يعكس حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها واشنطن، وفي شهر أيار، بعد 26 يوم من إعلان آخر بنك إفلاسه، اتفق الجمهوريون في مجلس النواب مع البيت الأبيض على رفع سقف الديون لمنع الولايات المتحدة من التخلف عن السداد، وأعلن لاحقاً في شهر أيلول أن الدَّين بلغ 33 تريليون دولار!

الانقسام الداخلي والاستقطاب الشعبي والثقة المتهاوية

يتعمق الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية بمرور الوقت، وإن لا يزال يتخذ شكله الأكبر ثنائية ديمقراطيين وجمهوريين، إلا أنه يتجاوز ثنائية الحزبين التقليديين بطبيعة الحال، وشهدت الساحة السياسية في 2023 حرب «الاتهامات الجنائية» بينهما كشكل مضحكٍ ومزرٍ، بدءاً من دونالد ترامب وجو بايدن نفسهما، ومن ذلك ما يهدف إلى التأثير على الرأي العام الداخلي في الولايات المتحدة، ويدفع للمزيد من الاستقطاب الداخلي، إلا أن نتيجة هذه الأحداث بالعموم تسرع بشكل أكثر من حالة عدم الرضا من المنظومة الأمريكية ككل، وتدنّي ثقة الأمريكيين بقياداتهم السياسية المنتخبة، وفقاً لاستطلاعات ومؤشرات عديدة جرت في العام الماضي.

العنف الداخلي

لا يمكن المرور على مثل هذا الاستعراض السنوي دون الحديث عن الخصوصية الأمريكية بحوادث إطلاق النار الجماعية، نتيجة السلاح المنفلت والآثار الاجتماعية والنفسية الضاغطة على المجتمع الأمريكي، الذي يستمر العنف باتخاذ شكل متطرف بالتنفيس عنه، ليشهد العام الماضي أكثر من 600 حادثة إطلاق نار جماعي أدت لمقتل أكثر من 700 شخص خلالها، وفي العموم مقتل أكثر من 40 ألف شخص في الولايات المتحدة عبر حوادث، وجرائم، وحالات انتحار(شكّلت أكثر من نصفها)، جرت عبر إطلاق النار لوحده!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1156