الحرب خيار واشنطن… الهدنة انتهت وجيش الاحتلال يعود لجرائمه
دخلت الحرب في غزة مرحلة جديدة بعد رفض الكيان لتمديد الهدنة الأخيرة، ورغم استئناف المقاومة الفلسطينية لعملياتها، إلا أن الرأي العام تعرّض لخيبة أمل كبيرة مع ارتكاب جيش الاحتلال مجازر جديدة بعد ساعات من استئناف العدوان، وخصوصاً أن الأسبوع السابق حمل أملاً بتحوّل الهدنة المؤقتة إلى وقف دائم لإطلاق النار.
في الهدنة وما بعدها
وصلت المقاومة الفلسطينية والكيان إلى اتفاق لهدنة مؤقتة بوساطة مصرية- قطرية على أن يتم تبادل أسرى من الجانبين، وبالرغم من أن الهدنة لم تستمر سوى 7 أيام قبل أن يستأنف جيش الاحتلال عدونه على القطاع، إلا أن ما جرى خلال هذه الأيام القليلة كان ذا تأثير كبير جداً، فعلى المستوى الأول: تراجع قادة الكيان مرغمين عن الحديث السابق الذين كانوا يرددون خلاله أنه يريدون استعادة أسراهم دون أي مقابل، وتحت النار، بالوقت الذي فرضت فيه «حماس» شروطها، إذ لم تقم بأي عملية تبادل أسرى قبل وقف اطلاق النار، وجرت العملية بشكلٍ متبادل أطلقت فيها حماس في الأيام الأربعة الأولى سراح 50 من الأسرى الذين ظهروا بحالة صحية ونفسية جيدة، بمقابل إطلاق الكيان لـ 150 من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجونه، وقيد اتفاق الهدنة كل الأعمال العسكرية في القطاع برياً وجوياً.
بدا واضحاً أن الكيان كان عازماً على استئناف القتال، ولا يزال سقف الأهداف مرتفعاً دون تراجع ملحوظ، بل ظهر أن قادة الكيان يأملون حتى اللحظة بتحقيق أهداف كبيرة من هذه الحرب، قد لا تقتصر على أوهام في تهجير سكان القطاع.
مناورة جديدة!
مع انتهاء الهدنة، أعلن جيش الاحتلال عن بدعة جديدة تندرج ضمن هدفه الأساسي في تهجير الفلسطينيين من غزة، إذ نشر على موقعه الإلكتروني ما أسماه «توجيهاً» بإخلاء مناطق محددة من القطاع، وقدّم الكيان خريطة لقطاع غزة مقسّمة إلى أكثر من 2000 «بلوك» مرقمة وقال جيش الاحتلال برسالته إلى سكان غزة: «يرجى الانتباه والتدقيق في هذه الخريطة، فكل من يرى رقم البلوك الذي يقطن به، أو متواجد بالقرب منه، عليه تعقب ومتابعة تعليمات جيش «الدفاع» عبر وسائل الإعلام المختلفة والانصياع لها». ويدّعي جيش الاحتلال أنها الطريقة الوحيدة لضمان أمن المدنيين، الذين يفترض أن يخلوا مناطق سكنهم، بعد أن يعلن الاحتلال عن عملية مرتقبة في بلوك محدد. وما أثار الانتباه في الخطوة الصهيونية هذه، هو أن قطاع غزة جرى تقسيمه بالكامل، في إشارة إلى أنه ساحة محتملة لعمليات عسكرية، ولتكتمل خطة تهجير الفلسطينيين، ضمت الخريطة المشار إليها أجزاء مظللة من شبه جزيرة سيناء، بوصفها «منطقة عازلة» في رسالة واضحة أن الهدف هو إخلاء القطاع من سكانه، ونقلهم إلى مصر. ويبدو أن تقسيم القطاع إلى «بلوكات» بهذا الشكل يمكن أن يخدم مسألتين في آنٍ واحد. الأولى: هي محاولة تغطية على عملية تهجير قسري شاملة، أملاً في تنفيذها على مراحل. والثانية هي أمكانية استخدام السيطرة على «بلوك» محدد بوصفه إنجاز عسكري واستخدامه إعلامياً، ما يمكن أن يعطي الكيان آجال زمنية أمام الرأي العام، إذا ما جرى تصوير السيطرة على هذه الأجزاء الكثيرة بوصفها تقدّم ضمن خطة طويلة.
أوهام ولكن!
لا يُعد غريباً التشكيك بقدرة الكيان على تنفيذ ما يطمح إليه بدعم أمريكي، فكان من الواضح أن جيش الاحتلال لم يحقق نتائج عسكرية ملموسة منذ ما يقارب الشهرين، ومع ذلك لا يزال سقف الحديث يبدو مرتفعاً، فطروحات، مثل: القضاء على حماس، وإنهاء حالة غزة كمنصة للمقاومة الفلسطينية والسيطرة عليها، يجري ترديدها باستمرار، وإذا ما جرى نقاش المسألة بالمعنى العسكري، فيبدو أن تحقيق أهداف كهذه في هذه اللحظة مسألة صعبة إن لم تكن مستحيلة، فرغم التوغل البري المحدود لجيش الاحتلال في القطاع، بدا بشكل واضح في الأيام القليلة الماضية أن حماس لا تزال تتمتع بأفضلية حتى في شمال غزة، إذ اختارته لتنفيذ صفقات تبادل الأسرى في إشارة سياسية وعسكرية مهمة، وإلى جانب ذلك يمكن لنشاط عسكري من هذا النوع أن يسبب استنزافاً هائلاً في المدرعات والدبابات الصهيونية، التي تتلقى ضربات مؤلمة على مدار الساعة، باستخدام أسلحة بسيطة يمكن تصنيعها محلياً، وبعضها لا يحتاج سوى إلى ورش صغيرة. كل هذا يضع أمامنا مجموعة من الخيارات التي لا يمكن الجزم بها حالياً.
احتمالات يمكن حصرها
الاحتمال الأول والذي يمكن الحديث، عنه يرتبط بأن اللحظة التي ينهي فيها جيش الاحتلال هذه المعركة ستكون لحظة خطيرة في تاريخه، إذ سيكون مجبراً أمام الرأي العام أن يقدّم تقديراً دقيقاً لحجم الخسائر التي يحاول إخفاءها، وتكون المشكلة أكبر بكثير إذا انتهت هذه المعركة دون أن يحرز جيش الاحتلال أياً من أهدافه المعلنة، ففي لحظة كهذه يبدو من مصلحة الكيان التغطية على فشله، عبر تأخير لحظة النهاية، وهو ما بدا متقاطعاً مع المصلحة الأمريكية، التي حرصت على ألّا يتم إيقاف إطلاق النار. وعلى هذا الأساس يمكن أن يحاول الكيان إطالة أمد هذه المعركة قدر المستطاع، وإدامة الاشتباك لأطول فترة ممكنة، في محاولة لتأخير الإعلان عن توازنات جديدة في المنطقة، وخصوصاً أن المعركة الأساسية تدور حتى اللحظة بين حماس والكيان مدعوماً من واشنطن.
هذا الاحتمال لا يلغي أن يكون هناك احتمال ثانٍ داخل الكيان والولايات المتحدة: بأن هناك من يعتقد أن ممارسة هذا المستوى من الضغط على القطاع يمكن أن يدفع سكانه لنزوح قسري، ويبدو من الطريقة التي يتحرك فيها جيش الاحتلال، أنه يرسخ ألّا مكان آمن في القطاع، وأن أي منشأة حتى لو كانت تابعة لجهة دولية يمكن أن تكون عرضة للقصف، ما يؤكد أن آمالاً كهذه موجودة فعلاً، ولكنه يطرح في الوقت نفسه سؤالاً جدياً: إن كان الكيان لم ينجح خلال 57 يوم من العمليات بتحقيق تقدم جدي في خطته السابقة، فكم من الوقت والعتاد يلزم لإنجاز خطة كهذه؟
الاحتمال الثالث: والذي يمكن الحديث عنه، يرتبط بشكلٍ أساسي بأن مستويات الضغط هذه لا تؤثر على غزة فحسب، بل تؤثر على كامل المنطقة، ويمكن أن يؤدي النشاط الصهيوني والأمريكي إلى زيادة مستويات التوتر الداخلي في بلدان المنطقة، ما يمكن أن يزيد من رقعة الفوضى الموجودة، دون دخول أطراف أخرى بمواجهة مباشرة مع الكيان أو الولايات المتحدة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1151