منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على طريق الانهيار
ملاذ سعد ملاذ سعد

منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على طريق الانهيار

عقدت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا اجتماعها السنوي يومي الخميس والجمعة 30 تشرين الثاني و1 كانون الأول في مدينة سكوبيه في مقدونيا الشمالية، بمشاركة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ومقاطعة عدد من الأعضاء الأوروبيين بسبب دعوة روسيا هذا العام خلافاً للعام الماضي، وكان الموضوع الأبرز الذي دار حول الاجتماع هو مسألة فرص استمرار وجود المنظمة ذاتها.

أنشئت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي أكبر منظمة أمنية دولياً، في عام 1975 بخضم الحرب الباردة، وكان هدفها الرئيس آنذاك اعتبارها جسر ومنتدى حوار بين كتلتي الشرق والغرب، وتشمل مسائل الحد من التسلح وحقوق الإنسان، ومنع النزاعات وإدارة الأزمات، وحرية الصحافة وغيرها.
مع اشتداد الأزمة دولياً، واشتداد الصراع بين روسيا والغرب، والحرب في أوكرانيا، سعت واشنطن لتقويض كل القنوات المفتوحة بين روسيا وأوروبا، وسعت إلى تحطيم كل الجسور الاقتصادية والسياسية والأمنية، ويبدو التدهور المتسارع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا دليلاً ملموساً على نتائج السياسات التي اتبعتها واشنطن منذ سنوات، ما جعل وجود المنظمة موضوعاً على طاولة البحث، خاصة بعد فشلها المتتالي والمستمر في الحد من الأزمات، أو منع النزاعات، أو تعزيز حقوق الإنسان كما غيرها من الأمور، لتلك الدرجة التي عقدت بها اجتماعاً لها في العام الماضي دون دعوة روسيا إليه، وسط الصراع الجاري في أوكرانيا. ومن دون الكتلة الشرقية، ومقاطعتها، يبرز التساؤل حول جدوى استمرار وجود هذه المنظمة إن كانت مجرّد هيكل معطل.

اعترافات وتصريحات بفشل المنظمة

في الـ 24 من أيلول الماضي صرح الرئيس الحالي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وزير خارجية مقدونيا الشمالية بوجار عثماني، أن المنظمة تعاني من أزمة عميقة، وقال: إن «التحدي الأكبر هو القيادة السياسية لأن المنظمة لا يمكنها العمل بدون رئيس».
وفي الـ 27 من أيلول قال المندوب الروسي لدى المنظمة، ألكسندر لوكاشيفيتش: إن المنظمة «تكاد تموت» وصرح «دعونا نقول بصراحة: إن حالة الأمور في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا يثير قلقا جدياً، والمنظمة تكاد تموت [...] الممارسات السلبية التي بدأت بها بولندا أثناء رئاستها للمنظمة، حيث تجد اتجاهات كاملة للأنشطة، قد قوضت بشكل ملموس قدرات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على تنفيذ المهام التي ينص عليها تفويضها». واعتبر أن المنظمة باتت تُستخدم لنشر معلومات مزيفة حول روسيا، قائلاً: «تسعى الدول الغربية المشبعة بالروسوفوبيا لاستخدام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لنشر معلومات مزيفة بوضوح، استنادا إلى قصص يفترض أن تكون لشخص ما حول «جرائم حرب روسية». إنهم يكذبون بشكل صارخ حتى عندما يكشف الصحفيون الغربيون، طوعاً أو كرهاً، زيف هذه الأكاذيب».
بعد دعوة روسيا لحضور الاجتماع هذا العام، وامتناع كل من بولندا وأوكرانيا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا عن الحضور بسبب وجود روسيا، اعتبر وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالينبرغ، أن رفض الغرب التفاوض مع روسيا بأنه «خطر على الحياة» وقال: لا ينبغي لنا أن نخاف من الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الروس. أعتقد أن الميل إلى الخوض في غرف الصدى الخاصة بنا في السياسة الخارجية خطر على الحياة».
بكلمته أثناء الاجتماع، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن المنظمة على شفا الهاوية، وقال: «مع الأسف، فقد وصلت المنظمة اليوم إلى حالة يرثى لها، فيما تبدو الآفاق المستقبلية للمنظمة غير واضحة. وفي غضون ما يزيد قليلا عن عام، سيبلغ عمر وثيقة هلسنكي النهائية 50 عاماً. وبهذا الصدد يؤسفنا القول: إن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقترب من هذه الذكرى السنوية في حالة يرثى لها».

اجتماعات على هامش المنظمة

على هامش اجتماع المنظمة، التقى لافروف نظيره النمساوي والهنغاري والأرمني. وقال وزير خارجية النمسا بعد اللقاء: «نحن كغرب، لا يجوز أن نخشى من الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الروس».
وناقش في لقائه مع وزير خارجية هنغاريا بيتر سيارتو، الوضع في أوكرانيا، وعدداً من الملفات الدولية، ووفقاً لبيان الخارجية الروسية «تم خلال اللقاء، تبادل وجهات النظر حول القضايا الرئيسية المتعلقة بأنشطة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والمشاكل الدولية الحالية، بما في ذلك الوضع في أوكرانيا» وناقش الوزيران «مجموعة واسعة من القضايا العملية للتعاون الثنائي، مع التركيز على تنفيذ الاتفاقيات التي تم تأكيدها في 17 أكتوبر 2023 في بكين». بدوره شدد الوزير الهنغاري على أن بودابست ستواصل تعاونها مع موسكو في مجال الطاقة، على الرغم من الضغوط الخارجية التي تتعرض لها البلاد، وقال: «سياستنا الخارجية مبنية على المصالح الوطنية، ولا نقبل أي ضغوط خارجية. ولهذا السبب سنتعاون في الفترة المقبلة مع روسيا في مجال إمدادات الطاقة بنفس الطريقة التي فعلناها حتى الآن».
وذكرت وزارة الخارجية الأرمينية، أن الوزير أرارات ميروزيان التقى لافروف و«عرض أرارات ميروزيان مرة أخرى، وبحث مع الجانب الروسي موقف أرمينيا فيما يتعلق بسياسات روسيا، وخطواتها في سياق العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية».

المنظمة تتماوت

اعتبرت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن نقاش قضايا الأمن في المنظمة دون مشاركة روسيا يبقى بلا معنى، وقالت: «كل من ينظر لخريطة أوروبا يدرك أهمية روسيا، وهذا لا يسري على الجغرافيا فحسب، وإنما يشمل كل شيء: الطاقة والاقتصاد والأمن والمجال الإنساني. هناك منطق سائد مفاده، أن مناقشة مشاكل القارة الأوروبية المتعلقة بالأمن والتعاون عموماً يبقى بلا معنى من دون روسيا».
وصرح وزير الخارجية الروسية، أن نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن قد «هرب» من اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بسكوبيه، واعتبر أن التدهور الذي حدث داخل المنظمة يمس ثلاثة مجالات أمنية، وأن الغرب لم يتعلم أي درس من خطته لتدمير المنظمة، ويستمر بمحاولته القضاء عليها، وأشار لافروف، أن الاستعراضات العسكرية التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي باتت أكثر مما يقوم به «الناتو».

مع استمرار النزاع الأوكراني، وسياسة واشنطن التي دفعت المفاوضات والحلول السلمية إلى طريق مغلق، وتشدد الدول الغربية بمواقفها تجاه موسكو، والتي تظهر تعبيراتها من الأشكال السياسية المباشرة إلى البروتوكولية من مثل: منع عبور طائرة تحمل دبلوماسيين روس فوق بعض دولها، أو عدم حضور الاجتماعات بسبب وجودها، واستمرار التصعيد والخلاف على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية عموماً في الملفات الدولية، كل ذلك وضع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أمام استحقاق جدي كبير لم تنجح بتحقيقه، ولا يبدو أن المنظمة قادرة على ضمان أي حالة أمنية في أوروبا، ولا يقف ذلك عند الحدود العسكرية كالملف الأوكراني، إنما كافة التهديدات الأمنية عسكرياً واستخباراتياً وقومياً واقتصادياً وغيرها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1151