أسبوع الطاقة الروسي ومحطات نووية في إفريقيا
ملاذ سعد ملاذ سعد

أسبوع الطاقة الروسي ومحطات نووية في إفريقيا

مع انعقاد أسبوع الطاقة الروسي في موسكو، عادت الأضواء مجدداً إلى الدور المتقدم الذي تلعبه روسيا في أسواق الطاقة، فالحدث الذي عقد بعنوان «الواقع الجديد للطاقة العالمية: بناء المستقبل» بحضور رؤساء وممثلين رسميين لحكومات دول عديدة، يعتبر فرصة جدية لإجراء نقاشات بناءة وتوقيع عقود في مجالات الطاقة، كان أبرزها: الاتفاقات والمشاورات الروسية الإفريقية لبناء محطات نووية في عددٍ من الدول.

عقد منتدى أسبوع الطاقة الروسي لعامه السادس في العاصمة الروسية موسكو بين 11 و 13 تشرين الأول، وكان الحدث الرئيسي ضمن أعمال المنتدى، الجلسة العامة التي حضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اللذان عرضا وناقشا خلالها واقع الطاقة الدولية حالياً، ومما جاء بتصريحات الرئيس الروسي، أن «روسيا ستواصل تقديم مساهمة كبيرة بتحقيق التوازن في سوق الطاقة العالمية» وكان من الملفت إشارته إلى أن روسيا تبني حالياً 22 وحدة طاقة نووية، حيث قال: «مدرسة الهندسة الروسية لبناء وصيانة منشآت الطاقة النووية ليست قوية فحسب، بل ليس لديها أي منافس على المستوى العالمي، إذ تبني روسيا 22 وحدة طاقة في آن واحد بمختلف البلدان» ومنها مصر والجزائر وتركيا، ومؤخراً بوركينا فاسو التي وقعت اتفاقاً مع روسيا بذلك قبل أسبوعين.
كما قال بوتين: «تجاوزت مساهمة أكبر 5 اقتصادات آسيوية مساهمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الاقتصاد العالمي والفجوة ستتسع» وقال: «بحسب تقديرات الخبراء، فإن مساهمة أكبر خمسة اقتصادات في آسيا وهي: الصين، والهند، وإندونيسيا، وماليزيا، وفيتنام، في الاقتصاد العالمي بالفعل تجاوزت مساهمة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي» وأشار إلى توقعه بارتفاع حصة الصين في الاقتصاد العالمي إلى 19.7% خلال السنوات الـ 5 المقبلة، بمقابل انخفاض حصة الولايات المتحدة الأمريكية إلى 14.5%.
توضح هذه الوقائع والتوقعات المدعمة ببيانات المجريات الاقتصادية وتطورها المقبل، أن خريطة الطاقة دولياً تتغيّر، وينتقل خلال ذلك مركز ثقلها من الغرب نحو الشرق، مع ما يعنيه ذلك من كسر هيمنة واحتكار الغربيين لموارد الطاقة دولياً، وكيفية نهبها وتسعيرها والتحكم بتوزيعها، وقال بوتين مجدداً خلال المنتدى: إن «الاقتصاد العالمي يتحرك نحو نموذج متعدد الأقطاب».

روسيا والسعودية/ تركيا

أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، أن التبادل التجاري بين روسيا والسعودية نما 20% خلال النصف الأول من عام 2023 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الأسبق، ووفقاً له، يمكن توسيع التعاون بين البلدين بقطاع الطاقة، وعبر تنفيذ مشاريع بمجال الطاقة النووية السلمية وتطويرها، وأشار إلى تسجيل اهتمام كبير بين الشركات الروسية والسعودية للتعاون بالمجال الصناعي، ويذكر أن وزير الطاقة السعودية عبد العزيز بن سلمان، قد أكد بمقابلة أجراها على هامش أعمال المنتدى، أن السعودية ستواصل خفض إنتاج النفط طواعية وفقاً لجهود أوبك + «بقدر ما يتطلبه الأمر منا لتحقيق الاستقرار في السوق. كلما قلت التقلبات في السوق قل تدخلنا فيها».
وأعلن نوفاك، أن تركيا تدرس حالياً خارطة طريق وضعتها شركة «غازبروم» الروسية من أجل إنشاء مركز للغاز في تركيا، وقال بوتين: إن المشروع يتضمن إنشاء منصة إلكترونية لتجارة الغاز مع أوروبا، مما يعني فتح باب جديد لتوريد الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية، رغم العقوبات ورغم الحصار المفروض.

الطاقة النووية في إفريقيا

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إن «بناء محطة الطاقة النووية الروسية في مصر يجري قبل الجدول المحدد [...] ومن خلال مشروع الضبعة نساعد مصر على تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة» حيث من المتوقع أن ينتهي بناء وحدة الطاقة الرابعة بمحطة الضبعة قبل موعدها المحدد، فيذكر أن مصر وروسيا وقعتا اتفاق تعاون أواخر عام 2015 لإنشاء محطة طاقة نووية بكلفة بلغت 25 مليار دولار، وفي 2017 وقع الرئيسان بوتين وعبد الفتاح السيسي الاتفاقات الأخيرة للشروع ببناء محطة الضبعة التي تضم 4 مفاعلات باستطاعة 4800 ميغاواط، ومن المتوقع بدء عمل المفاعل الأول في 2028.
كما أعلنت بوركينا فاسو في آخر أيام المنتدى 13 تشرين الأول، أنها وقعت اتفاقاً مع روسيا لبناء محطة نووية في البلاد، وجاء في بيان الحكومة «حكومة بوركينا فاسو وقعت مع روسيا مذكرة تفاهم لبناء محطة نووية [...] بناء محطة نووية في بوركينا فاسو يهدف إلى تغطية احتياجات السكان من الطاقة»، ووفقاً لمعطيات من بنك التنمية الإفريقي لعام 2020 يحصل 22.5% فقط من سكان بوركينا فاسو على الكهرباء، وقال وزير الطاقة والتعدين البوركيني سيمون بيير بوسيم: «نخطط، إذا استطعنا، لبناء محطات للطاقة النووية بحلول عام 2030، من أجل حل مشكلة العجز في الطاقة».
وأعلنت شركة الطاقة الروسية «روس آتوم» عن توقيع اتفاق بينها وبين حكومة مالي من أجل التعاون بمجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، بما فيها فرص إنشاء بنية تحتية نووية في البلاد، وأن مذكرة التفاهم الروسية المالية تحدد مجالات التعاون التي تشمل: تطوير البنية التحتية للطاقة النووية، وزيادة المعرفة العامة بالتكنولوجيات النووية، وإجراء بحوث أساسية وتطبيقية وغيرها، ويذكر أن هذا الاتفاق قد جاء بعد مناقشة هاتفية جرت بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الانتقالية المالي آسيمي غويتا حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية والأمنية بين البلدين.
ويجري تداول أحاديث غير رسمية وتوقعات أن جمهورية النيجر تسعى للمضي نحو توقيع اتفاق مشابه بمالي وبوركينا فاسو مع الجانب الروسي.
ووفقاً لمدير مجموعة تحليلات الطاقة الروسي سيرجي روزينكو، هناك 600 مليون شخص في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية يفتقرون قدرة الوصول إلى الطاقة الكهربائية، لتعرض شركات الطاقة الروسية على الدول الإفريقية مشاريع طاقة تكنولوجية نووية، وسيادية، أي بنقل المعارف والخبرات والتكنولوجيا للدول المستفيدة منها وبسيطرتها.
ووفقاً لرئيس مجمع تحليلات الطاقة أليكسي ليخاتشيف، فإن «العديد من البلدان الإفريقية تبدي اهتماماً وإمكانات كبيرة للطاقة النووية الروسية، فبالنسبة إليهم، تقدم روساتوم حلولا مختلفة، ليس فقط المحطات الكبيرة، ولكن أيضا المحطات الصغيرة في البلدان التي لا يوجد فيها نظام طاقة متطور، والمحطات العائمة حيث هناك خط ساحلي طويل».
من الجدير بالذكر، أن القارة الإفريقية التي عانت عقوداً من الاستعمار الغربي الأوروبي، وتحديداً منه الفرنسي، لم تحصد شيئاً من ذلك بل العكس، حيث كان يجري نهب مواردها لتغذية محطاته النووية، أما الآن وبعد التراجع الغربي والانسحاب الفرنسي من القارة السمراء، وبعد تجربة مريرة وطويلة بين الإفريقيين والغرب تتوسع إمكانات استقلال إفريقيا، وتعاونها مع دول الشرق، وعلى رأسها روسيا والصين بمصلحة استراتيجية مشتركة، تٌخرج إفريقيا من مخلب الهيمنة الغربية، وبما يؤمن مصالح الصين وروسيا أمنياً واقتصادياً، وبدورها تحقق الدول الإفريقية استقلالها وسيادتها بالفعل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1145