جزر الخليج المتنازع عليها... هل يمكن احتواء الخلاف؟

جزر الخليج المتنازع عليها... هل يمكن احتواء الخلاف؟

برز الموضوع الخلافي القديم المتجدد بين إيران ودول الخليج العربي حول الجزر المتنازع عليها قرب مضيق هرمز، وهو ما نتج عنه تصعيد سياسي وعسكري عكّر مؤقتاً التقارب الإيراني-الخليجي، وكان الحدث الأبرز هو الخلاف الروسي-الإيراني حول هذه المسألة ما دفع طهران إلى استدعاء السفير الروسي للاحتجاج على موقف بلاده.

أرسلت إيران على إثر هذا الخلاف رسائل واضحة، وأطلقت مناورات عسكرية بحرية لها في المنطقة لتأكيد حقها في السيطرة على هذه الجزر. ومن المتوقع أن يشهد هذا الملف تطورات متسارعة في الفترة القادمة، فما المشكلة خلف هذه الجزر، وما هي آفاق حلها؟

الخلفية التاريخية القريبة

تمتلك الجزر الثلاث (طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبو موسى) في الخليج العربي بالقرب من مضيق هرمز أهمية جيوسياسية وإستراتيجية هامة تطمح لها كافة الدول الإقليمية المحيطة بها سواء إيران أو كل واحدة من الدول العربية المطلة عليها والقريبة منها بدءاً من الإمارات أو عمان أو قطر والسعودية، حيث يمر من مضيق هرمز قرابة 40% من الإنتاج العالمي من النفط فضلاً عن بقية الأنشطة التجارية البحرية في المنطقة من وإلى الشرق الأوسط وبقية دول العالم، بالإضافة إلى الأهمية العسكرية للمنطقة.
وفي حين يدور الخلاف الرئيسي حول ملكيتها بين إيران والإمارات العربية المتحدة، تسعى الدول العربية الأخرى لضمان حقوق لها في المنطقة سواء بالعبور التجاري الحر لسفنها أو بالتنقيب في حقول الغاز المحيطة بها والتوصل إلى اتفاقات فيما بينها حول حصص كل واحدة من هذه الدول، وبطبيعة الحال يمضي النزاع استناداً إلى مصالح كل واحدة من هذه الدول لتأمين الحصة الأكبر لنفسها في المنطقة.
تعود جذور النزاع بالسيطرة السياسية على الجزر الثلاث إلى القرن الـ 18 والاستعمار البريطاني للخليج العربي، ففي 1819 وقعت معاهدة حماية بين حكام الخليج والمملكة المتحدة شملت الجزر الثلاث المذكورة آنفاً، وفي القرن الـ 19 حاولت إيران مراراً السيطرة على هذه الجزر، وصولاً إلى إعلان بريطانيا انسحابها منها في عام 1968 مما أدى إلى سيطرة إيران على جزيرة أبو موسى، ووفقاً لوثائق تاريخية وقّع حاكم الشارقة خالد القاسمي في عام 1971 مذكرة تفاهم مع إيران برعاية بريطانيا تنص على تقاسم جزيرة أبو موسى بينهما وتقاسم عوائد نفطها، لتنشر طهران قواها العسكرية في الجزء الشمالي التابع لها، وفرضت بعد ذلك سيطرتها على جزيرتي طنب الصغرى والكبرى.
وقد كشفت شبكة بي بي سي البريطانية في العام الماضي عبر أحد وثائقيتها عن وثائق «سرية» تتعلق بالجزر الثلاث، تشير إلى أن الدبلوماسي البريطاني وليام لوس اتفق سراً مع الشاه الإيراني لإعادة الجزر إلى إيران بعد انسحاب القوات البريطانية من منطقة الخليج في 1971، وأن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ونائبه الشيخ راشد آل مكتوم وافقا على تسليم الجزر لإيران قبل سيطرة إيران عليها.
وسواء أكانت المعلومات والوثائق التاريخية العلنية أو التي يكشف عنها حول الأمر صحيحة أم لا، إلا أن الواضح والثابت خلفها هو الدور البريطاني التخريبي فيها، مثلها كمثل بقية المناطق المتنازع عليها بين عدة دول حول العالم بعد فترة انسحاب الدول الاستعمارية منها، كبؤر توتر وصراع دائمة، يجري نفث النار بها عند الحاجة، وتمتلك الولايات المتحدة الآن دور الإيعاز بمثل هذه الملفات.

التطورات الأخيرة

بعد تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية الأخير، ووضوح اتجاه عام نحو تقارب إيراني مع بقية الدول العربية، برزت موضوعتا الجزر الثلاث وحقل غاز الدرّة الموجود في مياه الخليج، كنقطة خلافية جديدة خلال الشهرين الماضيين تبطّئ من هذا التقارب ويجري التصعيد بها والاستفزاز حولها، كان المحرك الرئيس والدائم المذكّر بها هي التحركات العسكرية الأمريكية المحيطة بها وحرب احتجاز السفن بين إيران والولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني، ليظهر مؤخراً بشكل واضح وجود ضغط أمريكي على الإمارات بتحريك هذا الملف ودعمها به، بهدف وحيد وهو توتير العلاقات العربية الإيرانية عموماً ومحاولة المساس بالعلاقات الإيرانية السعودية خاصة.
بالضد من هذا التوجه الأمريكي، تسعى موسكو للمساعدة على حل النزاع بالطرق الدبلوماسية والسياسية، وتأمين مسار التقارب الإيراني العربي عموماً، وإبقاء علاقات جيدة لها مع كافة الأطراف دون التحيّز لصالح أحد بالضد من الآخر، واستناداً إلى القوانين والأعراف الدولية.
ففي شهر حزيران الماضي تضمن البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الوزاري المشترك السادس للحوار الإستراتيجي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وروسيا الاتحادية المنعقد في موسكو «دعمهم لكافة الجهود السلمية، بما فيها مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة ومساعيها للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وذلك من خلال المفاوضات الثنائية أو محكمة العدل الدولية، وفقاً لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لحل هذه القضية وفقا للشرعية الدولية».
لتعتبر إيران هذه الفقرة تدخلاً روسياً بشؤونها الداخلية وسيادتها ووحدة أراضيها وفقاً لوزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، ولتستدعي طهران السفير الروسي لديها أليكسي ديدوف وأعربت له عن احتجاجها لما ورد في البيان حول الجزر الثلاث مطالبة موسكو بتعديل موقفها. وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيراني ناصر كنعاني أن الجزر «تابعة لإيران إلى الأبد». وقام الحرس الثوري الإيراني يوم الأربعاء الماضي بتدريبات عسكرية على الجزر المتنازع عليها برسالة واضحة المعاني للإمارات.

نكسة سياسية؟

يغالي البعض بمعاني الخلاف العربي الإيراني حول الجزر وتأثيره على مسار التقارب، أو بمسألة استدعاء طهران للسفير الروسي، كما لا يمكن التقليل منهما. حتى الآن، لا تتعدى مسألة التنازع على الجزر بشكلها سوى صد وردّ دبلوماسي بين إيران والإمارات المتحدة، ودخول موسكو على هذا الخط يهدف بالحد الأدنى إلى الحفاظ على الخلاف عند هذا المستوى بالضد من المصلحة الأمريكية بتسعيره، وبالحد الأعلى لحله بأي شكل كان ثنائياً أو دولياً، وهو الأمر الذي لا يناقض إيران أو يفرض عليها شيئاً بنهاية المطاف، ويمكن تفهّم موقف الأخيرة الحاسم محاولةً سياسية لتأمين مصلحتها والحفاظ على وزن أكبر لها عبر السيطرة على هذه المنطقة الإستراتيجية. فيما يتعلق بالاحتجاج على موقف موسكو بالشكل الذي جرى، فأكثر ما يمكن وصفه بأنه خلاف عابر طبيعي بين إيران وروسيا، فبالنسبة لموسكو يجب احتواء هذا النمط من الخلافات في إطار المباحثات السلمية، للوصول إلى توازن مقبول يعبّر عن الأوزان الفعلية للقوى الإقليمية وبعيداً عن طموحات أيّ منها. فالدخول في مفاوضات حول أي من المسائل العالقة في المنطقة، من شأنه أن يعيد التوازن بشكل تدريجي، ويعيد بناء الثقة بين دول المنطقة لكنه يعني في الوقت نفسه أن تكون أطراف هذه المفاوضات مستعدة للتنازل في سبيل الوصول إلى حلول سلمية، وهو ما يصب في مصلحة استقرار المنطقة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1134