ما معاني الزيارة الهندية للولايات المتحدة؟

ما معاني الزيارة الهندية للولايات المتحدة؟

زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الولايات المتحدة الأمريكية يوم الأربعاء الماضي بصفة «زيارة دولة» كان قد مُهد لها في وقتٍ سابق، والتقى خلالها الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض، وتم توقيع عدة اتفاقات تجارية وسياسية بين البلدين، فضلاً عن إعلان عدد من المواقف الثنائية، لتثير هذه الزيارة جملة من التساؤلات حول مصالح كل من البلدين، وما إذا كان هذا التطور يعكس تقارباً هندياً- غربياً، بالضد من العلاقات الهندية الصينية أو الروسية؟

الاتفاقات ومخرجات الزيارة

قال منسق العلاقات الاستراتيجية بالبيت الأبيض، جون كيربي: إن هذه المفاوضات بين البلدين ستحدد طبيعة التعاون للسنوات القادمة، مشيراً إلى أنّ الرئيسين بحثا مجالات التعاون في الدفاع والأمن السيبراني والفضاء والتجارة وتغير المناخ، مؤكداً، أهمية الدور الهندي في مجال حفظ الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

أُعلن بعد الاجتماع، أن الولايات المتحدة والهند اتفقتا على إنهاء 6 نزاعات بينهما في منظمة التجارة العالمية، من بينها: موافقة الهند على إلغاء رسوم جمركية انتقامية كانت قد فرضتها على الولايات المتحدة.
كما أن البلدين أبرما اتفاقاً يقتضي بتزويد الهند بحوالي 30 مسيّرة أمريكية من طراز MQ-9B بقيمة 3 مليارات دولار، وأشارت وسائل الإعلام الأمريكية، أنه سيجري استخدامها كدوريات فوق المناطق المتنازع عليها مع الصين، علماً أن نيودلهي لم تعلن أو تُشر لمثل هذا الأمر.

وبدورها، أعلنت وكالة ناسا الأمريكية: أنها ستتعاون مع منظمة الفضاء الهندية ISRO بعدة مشاريع مشتركة، وذُكر في البيان الصحفي الصادر عن البيت الأبيض: «ستقوم وكالة ناسا بإجراء تدريبات متقدمة لرواد الفضاء التابعين لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية (ISRO) والذين سيذهبون في رحلات إلى المحطة الفضائية الدولية عام 2024» وأن المنظمتين تسعيان لتطوير برنامج تعاون استراتيجي بمجال رحلات الفضاء البشرية مستقبلاً، وعلى تبادل بيانات الأقمار الصناعية المتعلقة بالمناخ ودراسة الموارد الطبيعية وإدارة الكوارث.

ويذكر، أن مودي عقد اجتماعاً له مع رجال أعمال أمريكيين في مدينة نيويورك قبل يومين من زيارته الرسمية لواشنطن، كان من بينهم الرئيس التنفيذي لشركتي تيسلا وسبيس اكس، إيلون ماسك، الذي أعلن عزمه القيام باستثمارات كبيرة لتيسلا في الهند.

في الجانب الاقتصادي والسياسي، أعلن جون كيربي في اليوم التالي للزيارة، أن الولايات المتحدة لا تعارض شراء الهند للنفط الروسي، إلا أنه يأمل القيام بهذه المشتريات وفقاً لسقف الأسعار الذي حدده الغربيون قائلاً: «للهند الحق في اتخاذ قراراتها السيادية بشأن مشتريات النفط. ونأمل أن يستمروا في شراء النفط الروسي وفق سقف السعر أو بأقل منه كما فعلوا».

وخلال الاجتماع، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن «دعم الولايات المتحدة لمنح الهند صفة الدولة الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بعد إصلاحه»، وجاء في البيان المشترك للاجتماع، أن «الولايات المتحدة والهند أكدتا عزمهما على التصدي لأية محاولات من جانب واحد، تهدف إلى تقويض المنظومة المتعددة الأطراف» و«ضرورة تعزيز وإصلاح المنظومة المتعددة الأطراف، حتى تتماشى مع الواقع المعاصر بشكل أفضل. وفي هذا السياق، لا يزال الجانبان متمسكين ببرنامج الإصلاح الشامل للأمم المتحدة، بما في ذلك عن طريق توسيع دائرة الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن الدولي».

الطموح الأمريكي

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات طويلة لاستمالة الهند لصالحها بالضد من الصين وروسيا، ورفعت من حدة ضغوطاتها على نيودلهي تارة، وتنازلاتها لها تارةً أخرى، بشكل ملحوظ ومتسارع منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا وما تلاها.

تأمل واشنطن أن تمضي نيودلهي بسياسة متناغمة معها، فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية الدولية والتجارية والسياسية والأمنية، فمن الناحية الاقتصادية، تمثل الهند بديلاً تجارياً وسوقاً هو الأكبر في الشرق من بعد الصين، التي تتطور علاقاتها مع واشنطن بشكل سلبي بمرور الوقت، ومن الناحية السياسية، تحاول واشنطن عبر تقديمها التنازلات للهند كسب مواقف تخدم مصالحها في إطار صراعها الجاري مع الصين وروسيا، سواء بالجانب الاقتصادي للأولى أو العسكري في أوكرانيا مع الثانية، إلا أن مودي صرّح خلال اجتماعه مع بايدن «منذ بداية أحداث الأزمة الأوكرانية، شددت الهند على حل الأزمة بالحوار والدبلوماسية.. نحن على استعداد كامل للمساهمة في أية طريقة ممكنة لإعادة السلام». بما يعني ثبات الموقف الهندي المحايد، مما يجري في أوكرانيا، مع جهودها لإحلال السلام.

أما في الجانب الأمني، تمثل الهند بالنسبة لواشنطن نقطة استراتيجية هامة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية، وربما حلماً ما بالقيام بتعاونات أمنية في المنطقة.

الموقف والمصلحة الهندية

لا شكّ أن الهند لا ترغب بقطع أو حتى توتير علاقاتها مع الولايات المتحدة، خاصة، أو أي من الدول الغربية عموماً، بيد أن هذا الموقف لا يعني سعيها لكسب الدول الغربية بأية طريقة كانت، إلا ما يحفظ لها سيادتها واستقلاليتها الاستراتيجية، أي أنها لم ولن تقدم على أية تنازلات من أجل «إرضاء» واشنطن.

من جهة أخرى، لا تسعى الهند كذلك لتقديم أية تنازلات لجيرانها الشرقيين وتحديداً الصينيين، مع التأكيد على اختلاف السياسة الخارجية كلياً بين بكين وواشنطن من مصالح الهيمنة أو التنمية والتكامل.

ما يخدم ويفيد الهند في اللحظة الراهنة من التغيرات الدولية الكبرى الجارية، وسيرها نحو «التعددية القطبية» وفقاً للنظرة الروسية والصينية، هو نيل استقلاليتها بأعلى الدرجات الممكنة، وتثبيت نفسها كقطبٍ أساسي على المسرح الدولي، وتعتبر أنّ هذه هي لحظتها التاريخية بهذا الأمر.

بذلك تكون الزيارة الهندية للولايات المتحدة تعبر عن موقف سياسي دولي عام تؤكد به استقلاليتها، بينما تعد كافة الاتفاقات التجارية، أو التصريحات السياسية، التي أطلقت خلالها ثانوية، بدرجة أنها لم تكن لتتطلب مستوى «زيارة دولة» أساساً، سواء بالاتفاقات مع الشركات، أو بشراء المسيرات، أو ما يتعلق بالتصريحات العامة حول عضوية مجلس الأمن الدولي، أو الملف الأوكراني وغيره.

رد فعل صيني أو روسي؟

في الوقت الذي تظهر الخطوة الهندية بوصفها تناقض المصالح الروسية والصينية، تبدو من زاوية أوسع مسألة اعتيادية، فللهند الحق بالبحث عن العلاقات التي تضمن مصالحها واستقلالها، المهم في المسألة: أن الهند حسمت أمرها منذ زمن، ولم يعد هذا موضوعاُ للبحث على الطاولة أساساً، فهي لن تتحول لتكون رأس حربة أمريكية في آسيا، لا شك أن العلاقات الهندية الصينية تسهم في تغذية هذه المخاوف، لكنها لا تمنع قيادة البلدين من العمل بشكل مشترك في مجموعة بريكس مثلاً، ما يُحَجّم الخلافات، ولا يلغيها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1129
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 20:46