الجزائر وروسيا.. في معاني تعميق التعاون الاستراتيجي

الجزائر وروسيا.. في معاني تعميق التعاون الاستراتيجي

زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون- برفقة وفد دبلوماسي كبير- روسيا لمدة ثلاثة أيام بين 14 و16 من حزيران الجاري، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلالها من أجل توقيع اتفاقية تعميق التعاون الاستراتيجي بين البلدين، والتي انطوت على العديد من المفاصل الهامة التي تعكس العلاقات الجزائرية الروسية التاريخية والمتطورة، خاصة ضمن الظروف الدولية الجارية، وذلك على الرغم من كافة الضغوط والإعاقات الغربية والأمريكية على الجزائر.

تسعى الجزائر- بالاستفادة من إمكاناتها ووزنها من جهة، وعلاقاتها التاريخية مع روسيا، والتراجع الغربي والأمريكي من جهة أخرى- إلى النهوض بقواها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لتحظى بمكانة إقليمية أكبر وبإطلالة وتأثير دولي أوسع، حيث صرّح تبون خلال لقائه رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين «لدينا علاقات تاريخية، ولا يُمكن أن تتغيّر حتى لو تغيّر الوضع في العالم، ونسعى لأن نصبح قوّة في القارة الإفريقية.. وقد بدأنا بالفعل في استعادة قوتنا الاقتصادية» مشيراً إنه «من المهم بشكل خاص تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وأتمنّى أن تتعزّز علاقاتنا الاقتصادية في جميع المجالات: الزراعة والصناعة والثقافة»
كما أنّ اصطفاف الجزائر السياسي الدولي بالضد من السياسات الغربية ليس بالأمر الجديد، والتحركات الجديدة في اللحظة الدولية الراهنة بتعميق علاقاتها مع الشرق عبر روسيا أولاً، تأتي نتيجة سنينِ طويلة من المناورة والصد والرفض للسياسات والمشاريع الغربية سواء على المستوى الدولي، أو الإقليمي، أو المحلي بما تخلله من محاولات توتير وتفجير الجزائر نفسها خلال فترة «الربيع العربي» ولا تزال هذه المحاولات مستمرة حتى اليوم.
في اللحظة الراهنة، تحدّت الجزائر عبر زيارة رئيسها لموسكو كافة الضغوط الغربية والأمريكية والإملاءات عليها، ضغوط كانت ذريعتها بالنسبة لواشنطن الموقف من الحرب في أوكرانيا، لتجري محاولة فرض خيار: إما معنا أو ضدنا. لتعطي الزيارة، مرةً بعد، جواباً واضحاً وحاسماً باصطفاف البلاد دولياً من جهة، وتأكيداً على سيادتها وقراراتها من جهة أخرى. وفي هذا الإطار كان قد صرّح المبعوث الخاص للرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن «هذه الزيارة في مستوى عالٍ، وهي مهمّة جداً، نظراً لبرنامجها الكثيف والوفد الكبير المرافق للرئيس تبون، ونحن متأكدون أنها ستكون موفّقة وناجحة».

تعميق التعاون الاستراتيجي

أعلن الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تعميق اتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة بين البلدين، والتي تتضمن تعاوناً واتفاقات ومشاريع بكافة المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
من بين ما تم الإعلان عنه حديثاً بالجانب التجاري كان تأكيد تبون عمل بلاده على تسهيل فتح البنوك الروسية في الجزائر من أجل التبادل التجاري بين البلدين، باستخدام العملات الوطنية عوضاً عن الدولار واليورو للتحرر من هيمنتهما، وأشار إلى قانون جزائري جديد يشجع الاستثمار بالمجالات التكنولوجية في بلاده، معطياً الأولوية بهذه الاستثمارات وغيرها إلى روسيا. مما يعني خسارة سوق هام للدولار واليورو بوزن الجزائر لصالح روسيا التي يبلغ التبادل التجاري معها فقط 3 مليارات دولار سنوياً.
كما أعلن أن «روسيا والجزائر تعلنان التعاون والتبادل في مجال تطوير التكنولوجيات النووية، وتطبيقها للأغراض السلمية، والسلامة النووية» مما قد يخفف من مشاكل الطاقة داخل البلاد لاحقاً، وجاء في صحيفة النهار الجزائرية أن «الرئيس الجزائري لفت إلى إمكانية توقيع اتفاقيات مع روسيا لتطهير المناطق التي تمت فيها التجارب النووية للاستعمار الفرنسي بالجزائر».
وبالجانب السياسي والاقتصادي معاً، طالب الرئيس الجزائري التسريع من عملية انضمام بلاده إلى منظومة «بريكس» وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن الطلب الجزائري للانضمام يحتل الصدارة لمكانتها، أي إنّ الانضمام العملي للجزائر بات قاب قوسين أو أدنى من استكماله، وهو ما سيمثل نقلة فارقة جديدة بالدور والوزن الجزائري الاستراتيجي.
وعلى المستوى العسكري، تم الاتفاق على تزويد الجزائر بالمعدات العسكرية الروسية الحديثة، من بينها مقاتلات سوخوي- 35 ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة إس-500، وعلى أهمية توريد هذه الأسلحة المتطورة، إلا أن الأهم، كان الاستعداد الروسي لمشاركة الجزائر خبراتها بالصناعة العسكرية ودعمها لتنمية هذه الصناعة، ومشاركتها الخبرات بالمجالين الاستخباراتي والأمني. مما يعني السعي لانتقال الجزائر درجة أعلى من استيراد المعدات العسكرية نحو تصنيعها داخلياً، وربما تصديرها كذلك، مما يعطي البلاد وزناً عسكرياً وسياسياً أعلى على مستوى المنطقة.

أبعاد استراتيجية

هذه الزيارة الجزائرية باللحظة الراهنة مع ما تخللها ونتج عنها من اتفاقات وتعميق للعلاقات مع روسيا، تحمل بعداً استراتيجياً هاماً، فهي بالإطار العام ستعطي للبلاد وزناً أكبر بكثير مما كانت عليه خلال السنوات السابقة، وتشكل جزءاً من كافة التحركات الدولية، وفق سياسات التضامن والتكافؤ، وتهدف لكسر الهيمنة الأمريكية نهائياً.
سيتيح هذا التطور الحالي والاستراتيجي للجزائر، لعب دور أكبر وأعلى تأثيراً على المستوى الإقليمي أولاً، وتحديداً في الملفات التي بدأت بالفعل باتخاذ خطى عملية وجدية تجاهها ونحو حلّها، منها: الملف الفلسطيني عبر الاجتماعات مع القيادات الفلسطينية خلال الفترة السابقة، أو الملفين السوري والليبي، وبالطبع التأثير على نشاط القارة الإفريقية، والتكامل والتقاطع معها بالمصلحة المشتركة المتمثلة بإنهاء الهيمنة الغربية والأمريكية.
وعلى المستوى الدولي، يكون الدور الجزائري مكملاً لنشاط القوى الكبرى بالوقت الحالي والقريب على الأقل، وتحديداً منها تلك المنضوية في منظومة «بريكس» ومن حولها، ومن جهة أخرى بإمكان الجزائر– فضلاً عن غيرها- القيام بدور وسيط وجسر بين روسيا والدول الأوروبية، التي تسعى أو ستسعى لاحقاً للتخلي عن تحالفاتها وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، بما تنتجه وتفرضه من أزمات وتوترات تطال الجميع.
تعميق العلاقات مع روسيا، والانضمام إلى بريكس، يعني بشكلٍ مباشر تطوير العلاقات الثنائية مع الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وضمن سياسات موازين القوى الدولية الجديدة على كافة المستويات، مما سينعكس إيجاباً على الظروف الداخلية للجزائر لاحقاً، تحت عنوان التنمية العريض، على مستويات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والأمن والتجارة وغيرها، وصولاً بدورها لتأمين حالة استقرار سياسي واجتماعي.
بطبيعة الحال، توجد في الجزائر كأي بلدٍ آخر إشكالات وتناقضات داخلية عدّة، على المستويات المعيشية والديمقراطية والوطنية تحديداً، منها ما يتعلق بالجانب التاريخي، إلا أنّ الحدّ من التدخلات الخارجية وقطعها، وتأمين الاستقرار الاجتماعي، يفتح المجال أمام حلّ هذه التناقضات بشكل سلمي وطبيعي، في إطار التطور الجاري بالبلاد، وبأدنى قدر من التوترات الداخلية، وهو ما يعني عملياً مشروعاً مناقضاً تماماً للمشروع الأمريكي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1127
آخر تعديل على الإثنين, 19 حزيران/يونيو 2023 16:20