توسيع «بريكس» والاستغناء عن الدولار
أنهت مجموعة بريكس اجتماعها الوزاري التحضيري في جنوب إفريقيا، الذي يعد خطوة تمهيدية للقمة القادمة على مستوى الرؤساء في شهر آب القادم، وبالرغم من الأسئلة الكثيرة التي يجري تداولها، إلا أن البيان الختامي اكتفى بتثبيت بعض الخطوط العريضة دون الخوض في التفاصيل، وظلّت مسألتان أساسيتان دون إجابات كافية، لكن بات من المؤكد وجودهما على جدول أعمال القمة الرئاسية.
المسألتان اللتان يجري الحديث حولهما، هما: آفاق وآليات توسيع الدول المنضوية في المجموعة وخصوصاً بعد تراكم الطلبات المقدمة من دول عدّة، والمسألة الأخرى تتمحور حول الآليات التي يجب على دول مجموعة بريكس اعتمادها للتعامل مع «عصر انتهاء الدولرة» وضرورة البحث عن بدائل تقلل مخاطر محتملة على اقتصادات «بريكس» والدول التي تدور في فلكها.
هل يمكن توسيع بريكس؟
كانت الصفة التي رافقت دول المجموعة الخمس، هي كونها الأسرع نمواً في العالم، لكن بعض الروابط الأخرى ظلت غير معلنة، ولا يمكن الجزم حول طبيعتها تماماً، لكن ما يثير الانتباه أن دول بريكس تشكّل بتوزعها العالمي مسألة محورية. فجنوب إفريقيا في القارة السمراء، والصين والهند في آسيا، وروسيا كصلة وصل بين آسيا وأوروبا، وأخيراً البرازيل في أمريكا اللاتينية، وعلى هذا الأساس، ومع الأخذ بعين الاعتبار الأوزان الاقتصادية لهذه الدول، سواء على مستوى العالم أو على مستوى الإقليم، يتبين بوضوح: أن كلاً منها قادر على لعب دور مؤثر في كل أنحاء العالم، وتحديداً في دول الجنوب، ما يجعل عضوية الدول في بريكس يحمل بحد ذاته دلالة استراتيجية، وآفاقاً لتأدية دور قيادي في مناطق الجنوب المتباعدة. وهو ما يفسر أن انضمام دول جديدة للمجموعة، ينبغي بشكلٍ من الأشكال أن ينسجم مع الأهداف الاستراتيجية لها، ومن هذه النقطة تحديداً، يبدو الاهتمام بانضمام السعودية مسألة ذات أهمية استراتيجية كبرى، إذ تملك الدول الخمس الحالية، مخزونات واحتياطات وازنة من الذهب، هذا إلى جانب قائمة طويلة من الثروات الباطنية الأساسية، كمعادن الأرض النادرة، ومصادر الطاقة الأحفورية، يضاف إلى ذلك تكنولوجيا تصنيع متطورة، وبنية صناعية متقدمة، إلى جانب وزن عسكري يتجاوز الكتلة الغربية وتحديداً بعد امتلاك روسيا والصين لأسلحة فرط صوتية لا يمكن ردعها من قبل الخصوم المحتملين. يمكن للسعودية في حال قبول انضمامها رسمياً أن تضيف وزناً كبيراً في عدد من المسائل، الأولى: هي أن الإنتاج النفطي للسعودية يشكّل ثلث إنتاج منظمة أوبك، ما يعني أن «بريكس» ستكون أهم منتجي الطاقة على المستوى العالمي، ويمكن لمنتجي الطاقة الكبار، مثل: روسيا والسعودية، إيجاد سوق كبرى لتصريف خامات الطاقة، وذلك في أسواق دول بريكس نفسها، وخصوصاً أن بلداناً كبرى، مثل: الصين والهند تحتاج كميات متزايدة من هذه الخامات.
التخلي عن الدولار
إذا ما عدنا إلى المسألة الأساسية الثانية، تبرز مهام التخلي عن الدولار بوصفها خطوة لا بد منها بالنسبة لدول بريكس، لكن بعض الاقتصاديين يحذرون أن عملية التخلي الضرورية هذه ينبغي أن تترافق مع إجراءات احتياطية، لتجنيب دول المجموعة أية صدمات محتملة، وخصوصاً إذا ما أخذنا الإجراءات الأمريكية الجوابية، التي يمكن أن تشكل عوامل إرباك بالنسبة للدول التي لا تزال تعتمد على الدولار بنسبة ملحوظة في تعاملاتها التجارية، هذا بالإضافة إلى اعتمادها على التمويل الذي تقدمه المؤسسات الغربية، ما يعطي بنك التنمية الجديد، أو ما يعرف باسم «بنك بريكس» دوراً محورياً في هذه المسألة. وهنا أيضاً تبدو فكرة انضمام السعودية للمجموعة، فكرة مغرية، إذ يمكن أن تلعب الرياض دوراً أساسياً في عملية الاستغناء عن الدولار على المستوى العالمي. وتحديداً بالنظر إلى دورها في مسألة ربط تسعير النفط بالدولار الأمريكي. والذي يعتبر واحداً من أهم السلع التي يعتمد عليها الدولار في وضعه العالمي المميز، ويمكن أن يكون إطار بريكس قادراً على تأمين ضمانات للسعودية للقيام بخطوة بهذا الحجم، هذا بالإضافة إلى أن بنك التنمية الجديد سيكون بوضع أكثر استقراراً إذا أصبحت السعودية أحد المساهمين فيه.
التخلي عن الدولرة هدف استراتيجي لدول بريكس، وهذا لن يتغير، لكن الوصول إلى هذا الهدف قد يكون مهمة صعبة تحتاج الكثير من الدقة، فإما أن تتجه دول المجموعة إلى عملة موحدة، وهو ما سيبحث في القمة الرئاسية القادمة، وإما إيجاد عملات موحدة لقطاعات إقليمية محددة مثل: «شنغهاي» و«اتحاد دول أمريكا اللاتينية» مثلاً. ليتم بذلك الاستغناء عن الدولار بشكل تدريجي، وفي قطاعات جغرافية محددة، ما تستطيع مجتمعة في نهاية المطاف الوصول للهدف ذاته.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1125