كيان الاحتلال برميل بارود على وشك الانفجار
يزداد المشهد داخل الكيان اضطراباً وتتعاظم انقساماته، ويتّجه- مع كل يومٍ جديد- نحو مستويات أعلى من التعقيد، ولا يرى الصهاينة مخرجاً، أياً كان موقعهم، وهو ما يدركه الشارع الفلسطيني بفطرته، فتوجّه قواه الشعبية الضربة تلو الأخرى للكيان المتداعي، الذي بات يخوض صراعاً على كل الجبهات.
لا تزال مدن الكيان تشهد تظاهرات، للأسبوع السادس، تعتبر الأعنف في السنوات العشرة الأخيرة، فقوى المعارضة تحشد الشارع بوجه خطط الحكومة الهادفة لإدخال تعديلات كبرى في قطاع القضاء وصلاحيات المحكمة العليا. خطوات ترى فيها العديد من القوى مسعىً لتغيير النظام السياسي في كيان الاحتلال.
أزمة حول التعديلات القضائية
من المفترض أن يصوت الكنيست على إدخال التعديلات المذكورة، لكن هذه المساعي تواجه معارضة كبيرة داخل المجلس، إذ نظّم أعضاء المعارضة، المشاركين في لجنة الدستور والتشريع احتجاجات أثناء الجلسة الأخيرة، وردد المحتجون داخل القاعة أغنية (ليس لدينا أرض أخرى) في إشارة إلى الخطر الكبير الذين يرونه في خطة نتنياهو، الذي عبّر بدوره عن غضبه من سلوك أعضاء الكنيست، ودعاهم للتوقف عن هذه الأنشطة، التي اعتبر أن من شأنها «جر الدولة إلى الهاوية»، فقوى المعارضة أثارت أعمال شغب، وقفز بعضهم على الطاولات، ما دفع قوى الأمن لإخراجهم من الجلسة في مشهدٍ لم يكن مألوفاً داخل الكنيست. في السياق نفسه قال يائير لابيد رئيس الوزراء السابق: إن إدخال هذه التعديلات سيلحق أضراراً كبيرةً في اقتصاد البلاد، وسينتهي التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة، الداعم الأساسي للكيان، هذا فضلاً عن تضرر المؤسسة الأمنية والعسكرية.
الائتلاف الحكومي يتصدع
لا تعتبر التعديلات القضائية المشكلة الوحيدة التي تواجه الحكومة، فالائتلاف الحكومي الجديد الذي يقوده نتنياهو يواجه هو الآخر الكثير من المشاكل، فوجّه الوزير في وزارة جيش الاحتلال بتسلئيل سموتريتش انتقادات لنتنياهو، مطالباً الأخير الوفاء بوعوده، وإعطاءه الصلاحيات التي أرادها في الضفة الغربية، فقد تجدد الخلاف بين سموتريتش ورئيس الحكومة، بعد أن قام وزير الجيش يوآف غالانت بإخلاء بؤرة استيطانية شمال رام الله يوم الأربعاء 15 شباط الجاري. وبحسب تصريحات سموتريتش، إن: «إنكار وزير الجيش غالانت للاتفاق الائتلافي، وتباطؤ نتنياهو في هذا الأمر غير مقبول، ولن نسمح لهما بالاستمرار. وهذا بند يعرف الجميع أنه محوري لاتفاقنا»، ثم أضاف قائلاً: «وجود الائتلاف مرهون باحترام اتفاقيات الائتلاف.. أطالب رئيس الوزراء بتمرير صلاحياتي فوراً. إذا كان غالانت لديه مشكلة مع هذا، فإنه مرحب به لوضع المفاتيح. أنا مقتنع بأن هناك كثيرين في الليكود يسعدهم شغل مكانه في وزارة الجيش».
وفي السياق نفسه عبّرت قوى المعارضة عن رفضها لإجراءات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي تلقى اتصالاً من رئيس الشاباك، وجّه أثناءه تحذيراً لبن غفير من أن خطواته في القدس من شأنها أن «تشعل تصعيداً واسعاً في هذا الوقت الحساس» فقوى المعارضة ترى أن تصريحات وإجراءات وزير الأمن القومي التصعيدية من شأنها «رفع منسوب المخاوف والغضب في أوساط الشباب، وحتى الأولاد في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية» الذين باتوا أكثر انخراطاً في تنفيذ عمليات ضد قوى الاحتلال والمستوطنين، حتى أن وسائل الإعلام الصهيونية ترى في المشهد الملتهب «انتفاضةً للأطفال» وذلك بعد سلسلة من عمليات نفذها فتية فلسطينيون. والتي دفعت الحكومة الصهيونية للإعلان عن خطة لتعزيز الأمن في القدس، تتضمن تحصين الحافلات وتعزيز عناصر حرس الحدود بما فيه تجنيد سريتين أو ثلاث (حوالي 150-200 جندي) من سرايا حرس الحدود الاحتياطية قريباً، للمساعدة في إيقاف العمليات في القدس، وربما بالقرب من قطاع غزة.
سفكٌ للدماء في سبيل ديمقراطية مزعومة
شكّلت التصريحات الأخيرة لرئيس بلدية تل أبيب رون خولدائي دليلاً جديداً على إمكانية أن يتحول الانقسام السياسي الكبير إلى مواجهة أهلية شاملة، فاعتبر خولدائي أن «الدول الدكتاتورية تصبح ديمقراطية مرة أخرى بسفك الدماء» وهو ما اعتبره بن غفير «تحريضاً على القتل» ودعا السلطة القضائية لاتخاذ إجراءات بحق رئيس البلدية بعد دعوته هذه، والتي شكّلت إرباكاً حتى في أوساط المعارضة، فقال بيني غانتس منتقداً: «معركتنا هي من أجل الديمقراطية الإسرائيلية، وليس القتال فيما بيننا، أتفهم مشاعر الألم والخوف ولا ألغيهما، لكن يجب أن نوقف الخطاب العنيف على الفور. دعوة خولدائي خطيرة، وفي غير محلها وأكثر من ذلك- تضر بالنضال العادل».
المثال أعلاه بات اعتيادياً في يوميات سياسيي الكيان، وهو ما دفع الرئيس إسحاق هرتسوغ لإطلاق تحذيرات جديدة من مخاطر أن يتحول المشهد إلى حرب أهلية، معتبراً أن «الأمور أصبحت على برميل من البارود» وأن هذا البرميل بات على وشك الانفجار، فإذا ما نظرنا بعمق وحاولنا تفسير ما يجري، سندرك أن المشكلة لا تنحصر إطلاقاً في الخلافات حول تعديلات القضاء بين الحكومة والمعارضة، أو بين مكونات الحكومة نفسها، فبرميل البارود الذي يحذّر هيرتسوغ من انفجاره ما هو إلا تعبير عن مرحلة مفصلية في تاريخ الكيان، تتكاثر فيها مصائب تعود في جذورها إلى تبدلات إقليمية ودولية، مالت الكفة فيها لغير صالح الكيان وداعميه التاريخيين. وهو ما شكّل مناخاً مناسباً لقوى الشارع الفلسطيني، التي تنتقل إلى مقاومة شعبية شاملة، تتجاوز أُطر الفصائل الفلسطينية.
الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو حالياً محكوم بطريق شاق، سيقود الكيان حتماً إلى مزيد من الإضرابات. فالحكومة الحالية جاءت بعد استعصاء طويل، لم تستطع فيه القوى السياسية إيجاد توافق فيما بينها يسمح بتشكيل حكومة، ما دفع الكيان لسلسلة متعاقبة من الجولات الانتخابية، واليوم سيكون سقوط هذا الائتلاف احتمالاً جدياً، ما سيدفع المشهد الداخلي إلى مستوى صدامٍ أعنف.
المشاكل التي يشهدها الكيان لا تُرد إلى صراع تقليدي بين المعارضة والحكومة، أو قوى «اليمين» و«اليسار» كما يحلو للبعض تصويرها. بل إن ما يجري نتيجة طبيعية لعجز مزمن تعانيه كل القوى السياسية داخله، فغياب التوافق هذا لم يظهر حول خطة نتنياهو للحد من سلطة القضاء، بل هو سمة واضحة تتعاظم منذ سنوات، ولم يعد بالإمكان احتواءها، مسعى بعض النخب لتقويض النظام السياسي القائم منذ تأسيس الكيان ما هو إلا تعبير عن انعدام المخارج الأخرى، لذلك تبدو الحرب الأهلية للبعض «شراً لابد منه» فدفع الأمور بهذا الشكل محاولة مستميتة لمواجهة حركة التاريخ الجارفة، التي لا تستهدف النظام السياسي الصهيوني بالطبع، بل تستهدف وجود الكيان بالذات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1110