هل تدفع واشنطن الفلبين للمواجهة مع الصين؟

هل تدفع واشنطن الفلبين للمواجهة مع الصين؟

جرت مناورة بحرية بين حرس السواحل الصينية وحرس السواحل الفلبينية في بحر الصين الجنوبي خلال الأسبوع الماضي، وهي وإن كانت مناورة سريعة، لم تصل حد المواجهة، ولم تسفر عن أضرار مادية أو بشرية فعلياً، إلا أنها وضعت عدة تساؤلات عن أسبابها وحول العلاقات الفلبينية الصينية ومستقبلها.

المواجهة البحرية بين الصين والفلبين

في 13 من الشهر الجاري اتهمت الفلبين حرس السواحل الصينية باستهداف سفينة تابعة لحرس السواحل الفلبينية بالليزر العسكري في بحر الصين الجنوبي، مما أدى إلى إصابة بعض أفراد طاقم السفينة بالعمى المؤقت، واصفةً الأمر بأنه «انتهاك» للحقوق السيادية لمانيلا، عاصمة الفلبين. وأوضح خفر السواحل الفلبينية: أن السفينة الصينية المذكورة ناورت بشكل خطير عن قرب بنحو 137 متراً فقط لمنع السفينة الفلبينية من الاقتراب منطقة سكند توماس شول المتنازع عليها.
بالجهة المقابلة، أوضحت الخارجية الصينية: أن السفينة الفلبينية «اخترقت مياه ريناي ريف دون إذن من الجانب الصيني» وقال المتحدث باسم الشرطة البحرية الصينية وانغ وين بين: «دافعت البحرية الصينية عن سيادة الصين، والنظام البحري، وفقاً للقانون المحلي الصيني، والقانون الدولي».
إن هذه المناورات والمواجهات البحرية بين السفن الصينية والفلبينية ليست بالأمر الجديد، حيث تجري حوادث مشابهة بشكل متكرر منذ سنين، إلا أن الجديد بها هو مستوى الخطورة من جهة، واستخدام سلاح الليزر العسكري من جهة ثانية، الأمر الذي يعني تصعيداً بطبيعة المواجهة، وتهديداً صينياً بذلك.

تطور العلاقات الفلبينية- الأمريكية

لم تكن الفلبين خلال حكومة الرئيس الحالي فرديناند ماركوس، أو حكومة الرئيس الأسبق رودريغو دوتيرتي، أو من سبقه بونجينو أكوينو، صديقةً للصين بالسياسة الخارجية، وكانت مناطق بحر الصين الجنوبي بإدارتها والسيطرة عليها على طول الخط إما سبباً أو ذريعة– وفقاً للظرف- لاستمرار التوتر في العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي المقابل، كانت حكومتي كل من دوتيرتي أو أكوينو، تحافظ على مسافة محددة من التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية والغربيين، على الأقل من الناحية الشكلية الدبلوماسية والسياسية، وذلك على الرغم من توقيع اتفاق تعاون دفاعي بينها وبين الولايات المتحدة بعهد حكومة اكوينو في 2014 مما سمح للقوات الأمريكية بالتواجد في 5 قواعد عسكرية فلبينية، وكانت تهدف هذه السياسة إلى إبقاء التوترات مع الصين عند حد معين لا يتطور لدرجة لا تستطيع الفلبين مواجهته أو تحمّله.
إلا أن حكومة ماركوس الجديدة بعد تسلمه رئاسة البلاد في 30 حزيران 2022، بدأت بتغيير السياسة الخارجية تدريجياً لصالح التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية بدرجة أكبر وبشكل أوضح، وهي اللحظة التي توازت آنذاك مع التصعيد في تايوان.

قواعد عسكرية أمريكية جديدة

توّج هذا التقارب الفلبيني- الأمريكي مؤخراً، بالإعلان المشترك لهما في 2 شباط عن اتفاق جديد يسمح للقوات المسلحة الأمريكية بالوصول لـ 4 قواعد عسكرية جديدة، مضافة على سابقاتها في الفلبين، والسماح للقوات الأمريكية بتخزين المعدات والإمدادات العسكرية في هذه القواعد، وذلك بعد زيارة قام بها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين إلى كوريا الجنوبية والفلبين.
ضمن هذا السياق وهذه التطورات، يُمكن تحليل وفهم رد الفعل الصيني والأولي على الحدث بهذه المواجهة البحرية الجديدة وغير المسبوقة، والتي تعطي رسالة تحذيرية وتهديدية للفلبين.

المصلحة الأمريكية

تحاول الولايات المتحدة عبر هذه التطورات زيادة منسوب التوتر المحيط بالصين، سواء من الناحية العسكرية أو السياسية، بالعلاقات الثنائية بينها وبين الدول المتاخمة لها، وتحديداً تلك المحيطة بتايوان حيث تقع اليابان وكوريا الجنوبية في شمالها، والفلبين في جنوبها.
تدرك الصين هذه المساعي الأمريكية بطبيعة الحال، وهي إن كانت تمضي بحالة من التصاعد بالمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، إلا أنها وفي الوقت نفسه تحاول إبقاء التوترات مع الدول والمناطق المحيطة بها عند الحدود الدنيا قدر المستطاع، بما فيها تايوان نفسها، فيما يبدو أنه كنوع من المناورة مع عامل الوقت بالتراجع والانكفاء الأمريكي عموماً، وذلك على العكس المساعي الأمريكية لتوريط الصين بصدام مسلح في المنطقة، وخصوصاً لما تشكله هذه التطورات من تهديدات حقيقية على الصين.
ضمن هذا السياق، من الممكن فهم أن إرسال السفينة الفلبينية أساساً كان محاولة استفزازية من جهة، ويهدف لجس نبض الصينيين من جهة أخرى، وكان الرد واضحاً: القواعد العسكرية الأمريكية الجديدة لن تشكل أدنى ردع أمام الصين بدفاعها عن سيادتها أو مصالحها.

حسابات جديدة

بالاستناد إلى التجارب السابقة بالخلافات الفلبينية– الصينية، لم تحاول الصين، ولم تكن مُبادرة بأية لحظة ببدء مواجهات من هذا النوع، وكانت هذه الحوادث تجري على طول الخط كردود أفعال على الخطوات والتجاوزات الفلبينية أولاً. وبذلك فإن مستقبل هذه المواجهات يخضع للمعادلة نفسها، أيّ تصعيد فلبيني جديد أو مضاف سيقابل برد فعل يوازيه. وإذا ما كان الفلبينيون يراهنون على القوات الأمريكية كعامل ردع، فإن المواجهة الأخيرة أعطت جواباً حاسماً بذلك.
وإذا كانت اليابان وكوريا الجنوبية تعطيان حسابات لردود أفعال من كوريا الديمقراطية، فضلاً عن الصين، بسبب الموقع الجغرافي لهم، والتأثيرات المباشرة على بعضهم البعض، فللفلبين موقع أفضل ضمن هذه المعادلة، كما أن توسيع عدد القواعد العسكرية في الفلبين يعني وصول أكبر للقوات الأمريكية إلى كلٍّ من بحر الصين الجنوبي وبحر الفلبين، ويربط بذلك كوريا الجنوبية واليابان مع أستراليا الموجودة ضمن تحالف أوكوس العسكري، مروراً بتايوان والفلبين.
بذلك فإن المشكلة الجديدة والأكثر خطورة تكمن بالمحاولات الأمريكية لتوريط الفلبين بمواجهات أكبر مستقبلاً مع الصينيين، عبر استفزازات مشابهة، قد تصل حدّ الانتقال من الليزر العسكري والمناورات الخطرة إلى استخدام الأسلحة التقليدية بشكل مباشر، وفي الوقت نفسه، فإن أيّ استهداف للأراضي الفلبينية بات يعني استهدافاً للقوات الأمريكية، الأمر الذي يوضع بالحسابات الاستراتيجية لدى البلدان الثلاثة.

التطورات مستقبلاً

لا يمكن التنبؤ تماماً بكيفية تطور الأمور، إلا أن المعروف أنها ستكون محصلة قوى كل من الولايات المتحدة والصين، وتطور مصالح كل منها على الصعيد الدولي مستقبلاً، فإذا ما كانت الولايات المتحدة تسعى لتصعيد التوتر على الحدود الصينية، بغية إعاقة تطورها وإضعافها، فإن الصين تمضي باتجاه معاكس تماماً، يهدف لخفض التصعيد قدر المستطاع، دون المساس بالسيادة الوطنية لها، وإذا ما كانت الصين تمضي بوصفها قوة دولية تستمر بصعودها، وتقيم صداقات وتحالفات مع دول أخرى صاعدة، فإن الولايات المتحدة تمضي على النقيض من ذلك، بتراجع وتدهور في علاقاتها مع حلفائها التقليديين، مما ينعكس على نفوذها الدولي، بما فيه الموجود على تخوم الصين. بالمعنى العملي، إذا ما حاولت الفلبين فعلاً– مدفوعة من الولايات المتحدة- إلى استدراج الصين لمواجهة بحرية عسكرية مستقبلاً، فإن مصلحة الصين تكمن بتأريض هذه المحاولات في الوقت الراهن على الأقل، بما يشابه التعاطي السياسي والعسكري السابق والحالي مع مسائل هونغ كونغ وتايوان وأوكوس.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1110