خيارات الكيان محدودة ومستقبله بقبضة الفلسطينيين

خيارات الكيان محدودة ومستقبله بقبضة الفلسطينيين

تتواصل الأنباء المتعلقة بالمواجهات بين الفلسطينيين والصهاينة بالصدور تباعاً وبشكلٍ يومي، من عمليات طعن ودهس إلى اغتيالات واقتحامات وتهديدات وصلت حد إيعاز بن غفير للشرطة «الاسرائيلية» بالاستعداد لعملية السور الواقي 2، وفي ثنايا ذلك جاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى فلسطين المحتلة ليلتقي بمسؤولين صهاينة وفلسطينيين تحت يافطة التهدئة.

مواجهات وعمليات متفرقة

في الثالث والرابع من الشهر الجاري قامت قوات الاحتلال الصهيونية باقتحام مخيم عقبة جبر في أريحا مرتين بحجة استهداف خلية تابعة لحركة حماس، وذلك بعد حصار عسكري دام أسبوعا،ً متمثلاً بإقامة الحواجز على جميع مخارج المدينة، بغية إيجاد منفذ عملية إطلاق النار قرب مستوطنة الموغ جنوب المدينة. لم تجر عمليتا الاقتحام دون مواجهة فلسطينية بطبيعة الحال، حيث اندلعت اشتباكات مسلحة استشهد خلالها 5 فلسطينيين وجرح آخرين واعتقل 3.
في يوم الاقتحام الأول نفسه، أفادت وكالات الأنباء باستشهاد شاب فلسطيني قرب حاجز حوارة جنوب مدينة نابلس، برصاص جنود الاحتلال الصهيوني. وفي السادس من الشهر نفذ الصهاينة محاولة اغتيال فاشلة لمجموعة من المقاومين في مخيم جنين، إلا أن السيارة التي تم تفخيخها بعبوة ناسفة كانت فارغة لحظة تفجيرها ولا يوجد ضحايا جراء الانفجار.
وفي اليوم التالي، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن مقتل فتى برصاص الاحتلال الإسرائيلي في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، خلال عملية اقتحام لمدينتي نابلس وجنين، والتي لم تجر دون مقاومة أيضاً حيث وقعت اشتباكات مسلحة بين المقاومين والصهاينة.
في التاسع من الشهر الجاري، استشهد شاب فلسطيني آخر برصاص الاحتلال في مدينة الخليل بذريعة محاولته تنفيذ عملية طعن أثناء مروره على حاجز عسكري قرب مخيم الفوار، وفي اليوم التالي منه، نُفذت عملية دهس في مدينة القدس قتل خلالها مستوطنان «اسرائيليان» وأصيب 7 آخرون.
إثر عملية الدهس وما سبقها، قام أحد المستوطنين في بلدة قراوة بني حسان غرب سلفيت بقتل شاب فلسطيني بطلق ناري في الرأس في 11 من الشهر الجاري، ومع التصعيد الجاري أطلق المقاومون الفلسطينيون صاروخاً من قطاع غزة صوب مستوطنات الغلاف.
تشكل الأخبار السابقة حالة يومية يعيشها الفلسطينيون من صد ورد مع قوات الاحتلال، إلا أن الأخيرة المتأزمة سياسياً وأمنياً واقتصادياً لا تمتلك أية خيارات سوى التصعيد، والذي لا يحدث بدوره سوى المزيد من ردود الأفعال والأزمات الداخلية.

بن غفير وعملية السور الواقي 2

خلال تجمعٍ للمستوطنين وقوات الحرب الصهيونية في القدس بعد عملية الدهس السابقة، وصل وزير الأمن الصهيوني المتطرف أيتمار بن غفير إلى مكان الحادث، وسط أصوات مناهضة ومهينة له، ومن بين ما قيل كان «أكبر الهجمات تحدث في عهدك».
في اليوم التالي، أصدر بن غفير تعليماته إلى الشرطة «الإسرائيلية» بالاستعداد لتنفيذ عملية السور الواقي 2 في القدس الشرقية، بدلالة إلى عملية السور الواقي التي نفذتها قوات الاحتلال الصهيوني في شهر آذار من عام 2002 في جميع أنحاء الضفة الغربية، وراح ضحيتها عشرات الفلسطينيين.
وقوبل إعلان بن غفير بالسخط من قبل المعارضة، منها ما قاله يائير لابيد: «وزير التيك توك والتطوير أصدر تعليمات لعملية سور واق 2، دون الكابينيت ودون تقدير موقف، ولا تنسيق بين الأجهزة الأمنية» وقال أحد المسؤولين الصهيونيين: إن «القرارات بشأن عملية السور الواقي 1 أو 2 أو 3 أو 4 لا تتخذ على الرصيف في مكان الهجوم.. لم يكن هناك نقاش شمل التشاور مع جميع المسؤولين الأمنيين حول هذه المسألة».
تشكل هذه الخلافات بين بن غفير والمعارضة وأطراف حكومة العدو الأخرى، غيضاً من فيض الخلافات والردود الداخلية على المشكلات والخروقات الأمنية الجارية، كما أنها تحدث بالتوازي مع التظاهرات الحاشدة المناهضة لحكومة بنيامين نتنياهو، والمطالبة بتنحيته في القدس وتل أبيب، والتي ترسم بمجموعها صورة الانقسام الجاري لدى العدو الصهيوني، وتخبطه بكيفية التعامل مع الأحداث والمجريات بتنوعها داخلياً أو خارجياً، سياسياً أو أمنياً.
لم يتضح بعد ما إذا كان هناك مشروع جدي متفق عليه لتنفيذ عملية السور الواقي 2، لكن الحد الأدنى الواضح، والذي يجري التعامل معه بجدية، هو تهديد بن غفير بذلك. إن القيام بمثل هكذا عملية يعد تصعيداً عسكرياً كبيراً سيجلب بدوره ردود فعل قاسية من جانب المقاومة الفلسطينية، وبلحظة يظهر فيها الأمن «الإسرائيلي» أكثر هشاشةً من أي وقتٍ مضى، وهو ما يدركه قادة الحرب الصهاينة في الحكومة والمعارضة على حدٍ سواء.
ليكون الكيان الصهيوني برمته أمام أزمة مضاعفة، فكلا الخيارين، من الرد عبر التصعيد العسكري بعملية السور الواقي 2 أو عدم التصعيد، يفتح الباب أمام عمليات مقاومة أكثر قوةً وتنوعاً مستقبلاً.

بلينكن ومحاولات إنقاذ ما تبقى من أوسلو

خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى فلسطين المحتلة، ولقائه مسؤولين فلسطينيين و«إسرائيليين» في الأول من الشهر الجاري، برز عنوانان عريضان وملفتان، الأول: أن بلينكن ضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لـ «قبول خطة أمنية تعيد سيطرة السلطة على جنين ونابلس»، والثاني: يفيد بوجود خطة أمريكية لـ «تدريب قوة فلسطينية خاصة لمواجهة المسلحين».
جاءت زيارة بلينكن هذه تحت يافطة التهدئة في فلسطين المحتلة، الأمر الذي يعكس الرؤية الأمريكية للتطورات الداخلية في البلاد، إلا أن هذه التهدئة المزعومة، ومما تبين من التصريحات خلال الزيارة، تهدف إلى محاولات نقل الصراع الميداني بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» إلى الفلسطينيين فيما بينهم، أي تهدئة لصالح طرف واحد.
الخبران السابقان يعنيان محاولة لدفع سلطة أوسلو بعد كل الصدع الذي أصابها خلال العامين الماضيين إلى اتفاق أمني جديد، وتمكينها عبر تدريب قوات خاصة جديدة لإعاقة عمل ونشاط فرق المقاومة الفلسطينية، الأمران اللذان يزيدان من درجة السخط الفلسطيني على حكومة أوسلو، ويدفع نحو مواجهات أكبر بينها وبين الفلسطينيين شعباً ومقاومة.
وعلى غرار أزمة الكيان الصهيوني، تدرك حكومة عباس حجم أزمتها والخيارات المتاحة أمامها، فدون الدعم الأمريكي والـ «إسرائيلي» لها قد تسقط تماماً بين ليلة وضحاها بأية لحظة، لكن وبالوقت نفسه، فإن أي دعم آخر مقدم لها وأية تنازلات تُقدم على منحها، يعني شراء بعض الوقت قبل الوصول للنتيجة نفسها وبشكل أكثر حدة.
تفيد جميع المؤشرات والتطورات على انسداد الأفق تماماً أمام العدو الصهيوني وحلفائه والمتواطئين معه، دون وجود أية حلول أو خيارات سوى التصعيد والمواجهات العسكرية، الأمر الذي عايشه وتدرب عليه الفلسطينيون لعقود خلت، وباتوا مستعدين له في جيناتهم بأية لحظة، وفي المقابل، بات الفلسطينيون يمتلكون مفاتيح وخيارات المستقبل بأيديهم، من التحكم بالتصعيد والمواجهات، أو التهدئة في هذه المنطقة أو تلك، ومع هذا الطرف أو ذاك، وصولاً لنتيجةٍ واحدة مفادها نهاية الكيان الصهيوني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1109