هل يعني الاتفاق الإطاري الجديد في السودان تقدماً نحو الحل؟

هل يعني الاتفاق الإطاري الجديد في السودان تقدماً نحو الحل؟

أعلنت قوى الحرية والتغيير والمكوّن العسكري في السودان عزمهما توقيع اتفاق إطاري يوم الاثنين، لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية انتقالية في البلاد، وسط انقسام سياسي حاد بين مؤيدين ورافضين له... فهل سيؤدي هذا الاتفاق بالتقدم خطوة نحو حل الأزمة السياسية في البلاد، أم أنه عقدة جديدة ستخلّف مشكلة أعمق؟

بدأت أزمة السودان الأخيرة منذ إطاحة المؤسسة العسكرية برئيس البلاد السابق عمر البشير في 2019 عقب مظاهرات حاشدة مناهضة له، وتسلمها السلطة في البلاد باسم مجلس السيادة الانتقالي لفترة سنتين، وفقاً لوعود رئيسه عبد الفتاح البرهان. لكن ومع انتهاء الفترة المزمعة للحكم العسكري وتسليمه للمدنين في العام الماضي، أبعد مجلس السيادة الأطراف المدنية بحجج وذرائع مختلفة، وأفشل أية اتفاقات أو محاولات لانتقال السلطة، ودامت سلطته عاماً ثالثاً، جرى وصفه بالانقلاب العسكري على المكونات المدنية.
وفضلاً عن التفرّد العسكري في السلطة، وما تركه من خلافات وصراعات سياسية، شهد السودان تدهوراً حاداً في أوضاعه المعاشية والأمنية خلال هذه الفترة، مما أنتج اشتباكات مسلحة قبلية في عدة مناطق من البلاد، بينها قبائل الهوسا والفونغ في ولاية النيل الأزرق، واشتباكات بين قبائل مختلفة في منطقة دارفور المتوترة أساساً، مما خلف مئات القتلى، وعشرات آلاف المهجرين، كما أعلن المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات في شرق البلاد، عن تشكيل حكومة وزارية مؤقتة ومستقلة عن الخرطوم، إلى حين التوصل لاتفاق بين سلطة الإقليم والخرطوم.

العسكر كطرف سياسي

منذ عمر البشير نفسه ومن تلاه، من تسلم مجلس السيادة برئاسة البرهان، تمارس المؤسسة العسكرية نشاطاً سياسياً داخل البلاد وخارجها، تعقد اتفاقات سياسية أو تنهيها مع هذا الطرف أو ذاك، ومنها ماكان مثالاً فاضحاً بالجانب الخارجي بخطوتها التطبيعية مع الكيان الصهيوني، أي إنها بالمعنى العملي، لم تكن يوماً صاحبة موقف محايد من مختلف الأطراف السياسية والمدنية، وتنفذ أجندة خاصة بها ومرتبطة بجهات مختلفة.
كما يرى السودانيون أن المكوّن العسكري لا يمتلك أدنى نية للتنحي عن السلطة لصالح المكون المدني، خاصة مع تأكيدات وتحذيرات البرهان الحازمة بالضد من أية «محاولة لتفكيك الجيش أو التدخل به» بحسب تعبيراته، والتي تعني الوقوف بالضد من طروحات إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وتحديد دورها ومكانتها وصلاحياتها، فضلاً عن تصريحه الذي اعتبره البعض خطيراً في 13 تشرين الثاني: «إننا نريد حكومة مدنية نعمل على حمايتها، وإن ضلت طريقها فنحن موجودون» والذي يكثف موقف المكون العسكري المتمثل بتسليمه لسلطة مدنية محددة تضمن أجندته، وبحال مخالفة ذلك سيحدث انقلاباً جديداً.

الاتفاق الإطاري

تعود أولى المؤشرات بقرب اتفاق سياسي إلى 12 تشرين الأول، مع تأكيد الاتحاد الإفريقي عن التوصل لتفاهمات بين المكونات المدنية، وإعلان قوى الحرية والتغيير عن توصلها لـ «لرؤية موحدة تشمل جميع القوى».
أعلن كلّ من قوى الحرية والتغيير والمجلس السيادي- ببيانين منفصلين- عزمهما توقيع الاتفاق الإطاري يوم الاثنين، بعد اجتماع لكافة الأطراف في 2 كانون الثاني بمقر إقامة البرهان، وبحضور كل من مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتيس، وممثل الاتحاد الإفريقي محمد بلعيش، بالإضافة إلى سفراء كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والسعودية، والإمارات، والنرويج.
يضم الاتفاق المزمع كذلك، قوى سياسية أخرى، هي حزب المؤتمر الشعبي، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، والحزب الجمهوري، وجماعة أنصار السنة.
ويتضمن الاتفاق الانتقال إلى سلطة مدنية انتقالية، على أساس دستور انتقالي وضع برعاية من «الآلية الثلاثية» المكونة من الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية «إيقاد» بعد تعديلات وضعها المكوّن العسكري.

المعترضون والتظاهرات

منذ الإعلان عن قُرب التوصل إلى اتفاق مع المكون العسكري، برزت عدة قوى رافضة لهذه الخطوة، منها: الكتلة الديمقراطية، والحزب الاتحادي الديمقراطي، وحركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان، وتنسيقيات لجان الخرطوم، وتحالف نداء أهل السودان.
ومع ذكرى الانقلاب العسكري الأولى في 25 تشرين الأول، خرج الآلاف من السودانيين بتظاهرات كبرى مناهضة للحكم العسكري، وللاتفاق المزمع معه، بشعار يهتفون «العسكر إلى الثكنات» و«لا تفاوض ولا شراكة مع الانقلابيين»، وفي 13 تشرين الثاني جددت المظاهرات بدعوة من لجان المقاومة السودانية، حملت شعار «لا شراكة لا تفاوض لا شرعية».
كما يشدد السودانيون على أن الدستور الانتقالي الذي يجري الاتفاق على أساسه قد وضع من جهة خارجية، ولا يعبر عنهم، ولم يكن لهم صوت به.
ومن الجدير بالذكر، أن الأطراف الموقعة على الاتفاق، والإعلام عموماً، سواء السوداني أو الخارجي، يحصرون المعترضين على الاتفاق بالإسلاميين و/أو جماعة البشير، وهو صحيح جزئياً، إلا أن التشويه يجري بوضع هذا الجزء على المجهر والتعميم منه، بينما حقيقة الأمر، أن التظاهرات المنددة بأغلبيتها، هي تظاهرات شعبية مدنية ومستقلة عن هذا التيار أو ذاك، ولا تمتلك لنفسها ممثلين عنها لدى أي من الأطراف.

اتفاق لن يغير الكثير

حتى وإن وفى المكوّن العسكري أخيراً بوعوده المتكررة، بخروجه من المشهد السياسي، إلا أن هذا الخروج وبهذا الشكل من وجهة نظر السودانيين لن يجري إلا على قياسه ووفقاً لمصالحه، خاصة أنه تم ربط تصريحات البرهان السابقة مع التطورات الجارية وبقائه متحكماً بخلفية المشهد، ومن جهة أخرى، فإن هذا الانتقال للمكون المدني على أساس دستور انتقالي غريب عن السودان، وبرعاية وموافقة أمريكية وأوروبية، يمضي خطوة أبعد من المطلوب، والمتمثل باتفاقات وطنية داخلية جذرية وشاملة تضم جميع الأطراف السياسية، وأولها: الشعب السوداني نفسه، وليس آخرها حول الدستور عبر استفتاء حوله، أو على الأقل بوجود ممثلين عنهم بصياغة مسودته.
وبناء على ما سبق، يرى السودانيون أن هذا الاتفاق إن تم عملياً سيغيّر من شكل الحكم واسمه فقط، من عسكري إلى مدني، مع بقاء مضمونه والقوى الرئيسية المتحكمة نفسها، دون أي تقدم حقيقي تجاه حل الأزمة السياسية، ومع مستوى ثقة متدنٍ بإمكانية إنجاز المطلوب من هذه السلطة، والمتمثل بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.. بينما يطالبون بإبعاد المكوّن العسكري- أي التيار السياسي المتحكّم والنافذ الذي يمثله، أي النظام نفسه الموجود منذ أكثر من ثلاثة عقود- عن تحكّمه بالفترة الانتقالية وإدارتها.. فمن غير الممكن المضي نحو حلول لا تمتلك خطواتها صيغة وطنية وشاملة، لا تقصي ولا تستثني أحداً، وتراعي في اتجاها الخارجي مصالح السودان والشعب السوداني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1099