خيرسون… وقياس المعركة بالكيلومترات
عتاب منصور عتاب منصور

خيرسون… وقياس المعركة بالكيلومترات

عادت الأخبار الميدانية إلى الواجهة، مع إعلان الجيش الروسي انسحابه من محيط خيرسون الغربي، وانتقاله إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبر، وهو ما شغل الإعلام وتحوّل إلى موضوع رئيسي للتحليل، وكغيره من التطورات العسكرية الكبيرة، أعاد طرح جملة من الأسئلة عن مستقبل هذا الصراع وآثار ذلك على روسيا.

جرى تبرير الإعلان المشار إليه لسحب القوات الروسية من قبل قائد العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا سيرغي سوروفيكين وزير الدفاع سيرغي شويغو، وأكد القادة العسكريون أن الاستهداف المستمر لسد نوفاكاخوفكا من قبل القوات الأوكرانية، يجعل آلاف الجنود الروس عرضة للوقوع تحت حصار، أو حتى الغرق في حال تفجير السد، ما دفع القيادة إلى سحب القوات، الذي وصفه سوروفيكين «بالقرار الصعب» معتبراً أن ضمان حياة الجنود تعد أولوية في حالة كهذه. وأعلن الجيش إتمام سحب 30 ألف عسكري وحوالي 5000 قطعة من الأسلحة والمعدات العسكرية في صباح يوم الجمعة 11 تشرين الثاني الجاري. على الجهة المقابلة لم تشعر القوات الأوكرانية وخبراء الناتو العسكريين الذين يقدمون «المشورة والنصح» للجيش الأوكراني بالراحة جراء هذا الانسحاب، وحذّر بعضهم من وقوع القوات الأوكرانية في فخ، في حال تقدمت وسيطرت على الجزء الخالي من خيرسون. في الوقت نفسه: أكد الكرملين أن انسحاب القوات لا يلغي كون المقاطعة «جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية» وأكد المتحدث باسم الرئاسة دميتري بيسكوف «أن لا شيء يمكن أن يغيّر هذا الواقع».
ملاحظات أولية
القرار الذي أصدره وزير الدفاع بناء على توصية قائد العملية جرى تنفيذه في حوالي 24 ساعة، ما شكّل صدمة بالنسبة للغرب، فسحب الجنود والآليات التي يبلغ تعدادها عشرات الآلاف خلال هذه المدة القصيرة يؤكد أن قراراً كهذا كان قد اتخذ منذ مدة، حتى أن الكلمات التي قالها سوروفيكين عقب توكيله بقيادة هذه العملية تشير بوضوح إلى أنه ينوي تنفيذ هذا الانسحاب، ففي تصريحاتٍ له أواسط شهر تشرين الأول الماضي عبّر عن قلقه من الأوضاع في خيرسون ووصفها بالصعبة، وأضاف: أنه لا يستبعد اتخاذ «قرارات صعبة».
استراتيجية روسيا للتعامل مع الصدام الجاري تستند بشكل أساسي إلى فكرة مفادها: أن حدود هذا الصراع أوسع بكثير من حدود أوكرانيا، وأن مسرح العمليات الذي جرى احتواؤه ضمن حدودها، يمكن أن يتوسع ويشمل دولاً أخرى في أوروبا الشرقية، ولذلك تتعامل موسكو بحذر مع مواردها العسكرية والبشرية، كي لا تجد نفسها في وضع مشابه للأوروبيين والأمريكيين، الذين بدأت بعض أسلحتهم بالنفاذ. لذلك فإذا وجد القادة العسكريون أن نقل خطوط القوات إلى وراء النهر يرفع من قدرة الجنود الروس على الدفاع، فلن يترددوا في القيام بذلك، وخصوصاً، إذا ما ضمن هذا التراجع تجنب خسائر فادحة في الأرواح والموارد. المعركة لا تزال في بدايتها بالنسبة لروسيا، ولن تنتهي قبل تغيير النظام العالمي الحالي، ولا يمكن قياس معركة كهذه بالكيلومترات، وفي الوقت الذي ينشغل فيه الإعلام بقياسات من هذا النوع، تحضر روسيا نفسها من حيث حشد الإمكانات وتحضير البنية النفسية في المجتمع للمواجهة، كأن تعيد مادة التدريب العسكري إلى المدارس بدءاً من العام القادم في إشارة إلى حقبة جديدة قادمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1096