حقيقة الموقف الأمريكي من مصر... ابتزاز أم ماذا؟
تتعرض مصر لضغوط كبيرة محلية من المعارضة المصرية، ودولية من المملكة المتحدة والولايات المتحدة على خلفية المعتقلين السياسيين، وصولاً إلى ذروتها بدعوات للتظاهر في تاريخ 11/11 توازياً مع قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى شرم الشيخ، من أجل حضور قمة المناخ COP27... لكن ما حقيقة المجريات، وما الغايات الفعلية من خلفها؟
كما بات معروفاً، تسعى واشنطن لابتزاز كل الدول التي تعلن حيادها في الصراع الدولي الجاري، أملاً في دفعها بعيداً عن خصوم واشنطن، وانخراط كل الدول المحايدة في المجهود الحربي الأمريكي.
ينطبق هذا التوصيف على مصر أيضاً، إذ تمارس واشنطن شتى أنواع الضغوط على القاهرة، وتستثمر مؤخراً بملف حقوق الانسان والمعتقلين، وكان على رأسهم ملف علاء عبد الفتاح.
مسائل حقوقية لغايات سياسية
يعد علاء عبد الفتاح اسماً بارزاً بين النشطاء السياسيين المصريين، خاصة أنه بدأ نشاطه منذ 2006، ليتعرض لسلسلة من الاعتقالات والإفراجات منذ ذلك الحين، بما فيها أثناء أحداث 2011 بفترة رئاسة حسني مبارك، وبعدها خلال فترة حكم المجلس العسكري، ثم فترة حكم محمد مرسي، وأخيراً، في فترة عبد الفتاح السيسي. وتحول اسمه خلال الفترة السابقة إلى رمزٍ مرتبطٍ بملف المعتقلين السياسيين، ومع تبنّي المعارضة المصرية- وتحديداً القسم الإخواني منها- لقضية عبد الفتاح بالجانب الحقوقي والإنساني، تحول إيضاً إلى نقطة صراع وضغط سياسي بينها وبين النظام المصري.
في الرأي العام
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تصاعدت قضية عبد الفتاح، وأثيرت ضمن الرأي العام مجدداً، ومع إعلانه سابقاً عن عزمه البدء بإضراب مفتوح عن الطعام والشراب، تحول ملفه– أي عملياً ملف المعتقلين السياسيين- من صراع محلّي إلى دولي، خاصة بعد التدخل البريطاني المباشر، والذي بدأ بمنحه جنسية وجواز سفر بريطاني في شهر نيسان، لتطالب بريطانيا بعدها بالإفراج عنه بوصفه مواطن بريطاني. ما زاد من تعقيد المسألة وفضح المتاجرة الغربية بها.
في الوقت نفسه، انخرطت أجزاء من المعارضة المصرية في حملة الضغط الخارجية هذه على مصر، على الرغم من ضرورة حل جملة من المشاكل الداخلية، وعلى رأسها التدهور الاقتصادي المتسارع، والذي يدفع فاتورته ملايين المصريين، تناغم الاحتجاجات الأخيرة مع الضغط الغربي- حتى أن اعتماد تاريخ 11 تشرين الثاني تحديداً لهذه التظاهرات، والذي تبيّن لاحقاً أنه نفس موعد قدوم الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مصر- وضع العديد من الأسئلة المحقة من قبل المصريين، سواء عن طبيعة موقف وسلوك هذا الجزء من المعارضة باستفادتها السياسية والإعلامية من وجود قوة أجنبية، أو على الدور الأمريكي خلفها، فالادّعاء بصدفة هذا الأمر ما هو إلا سذاجة مطلقة.
تدويل الملف والضغوط الغربية
أعلنت وسائل إعلام بعد زيارة بايدن عن تشكيل مجموعة عمل مرتبطة مع الأمم المتحدة لبحث ملفات العديد من المعتقلين السياسيين المصريين. أي وبمعنى آخر، أن مسألة النشطاء المعتقلين تم تحويلها إلى ملف دولي برعاية أنغلوساكسونية، مع استمرار التهديدات بدعوات التظاهر، للضغط على النظام المصري في العديد من الجوانب السياسية والاستراتيجية على المستويين الداخلي، ومنه مثلاً: الأنباء المتضاربة عن استمرار اعتماد أو عدم اعتماد مصر على الدولار كمقياس وعملة تجارية، والتي تمثل دخاناً لشعلة نار حقيقية تحاول واشنطن إخمادها تماماً، والخارجي، ومنه مثلاً: الموقف من أوكرانيا والعلاقة مع روسيا، والتناغم مع دول الخليج العربي في العديد من ملفات المنطقة، ومنها الفلسطيني والسوري والليبي وغيرها.
من جهة أخرى، وبنفس الوقت وبأسلوب ناعم وإعلامي، قُدمت ترضيات لمصر، للسبب ذاته المتمثل بالحفاظ عليها ضمن الفلك الأمريكي استراتيجياً، ومنها: عقد قمة المناخ COP27 نفسها في شرم الشيخ، ولقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وإعلان بايدن عن مساعدة بقيمة 500 مليون دولار لمصر، واعتمادها مركزاً لمكافحة تغير المناخ في القارة الإفريقية، بما يعني باب تمويل آخر تم فتحه بدءاً بـ 10 ملايين دولار لإنشاء المركز، ومنه إعطاء مصر مركزاً مؤثراً أعلى بإفريقيا، وضمناً ملف سد النهضة مع إثيوبيا.
استمالة مؤقتة بالابتزاز
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشكل، عبر «الترهيب والترغيب» لاستمالة مصر لصالحها، وإرغامها على البقاء في فلكها، ولكن بشكل ابتزازي واضح، مستفيدةً أولاً: من حاجتها للمساعدات المالية الأمريكية خاصة مع ارتفاع مستويات التضخم فيها، فضلاً عن الإفساد والاختراق الأكبر الذي يحققه هذا الشكل من المساعدات المالية، وثانياً: من هشاشة الظروف المصرية داخلياً على المستويات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية، والتي تتضمن احتمال انفجار شعبي في أية لحظة تتحين المعارضة نفسها لها.
لا توجد مؤشرات واضحة بعد عن كيفية تفاعل مصر مستقبلاً مع هذا الضغط والتهديد، إلا أن التجارب الأخيرة والشبيهة على الأقل في السعودية نفسها، كالابتزاز الأمريكي، وتركيا كمحاولة الانقلاب العسكري فيها، والفترة التي تلتها، أدت إلى نتائج معاكسة للطموحات الأمريكية في نهاية المطاف.
ومن غير المستبعد أن تجري تطورات شبيهة في الموقف المصري مستقبلاً، كردّ فعلٍ على هذا الابتزاز، عبر تطوير العلاقات تدريجياً مع دول الشرق، وعبر المناورة مع واشنطن، خاصة، وأن هذا المسار يتلاقى مع الحاجة الموضوعية للنجاة من الأزمة الاقتصادية، إذ بات الدعم المالي الخليجي في مصر يشكّل عاملاً كبيراً إذا ما جرى مقارنته بما تقدمه الدول الغربية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1096