ما حقيقة التهديد الإيراني للسعودية؟

ما حقيقة التهديد الإيراني للسعودية؟

نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الثلاثاء الماضي تقريراً يدّعي وجود تهديدات إيرانية باستهداف وضرب وشيك لمواقع في السعودية، وتعرّض القوات الأمريكية للخطر، وذلك بناء على معلومات استخباراتية شاركتها السعودية مع الولايات المتحدة، لتنطلق إثر ذلك موجة توتر سياسية في الخليج العربي، وتحركات عسكرية متفرقة، وتحليلات من مختلف الأشكال تصبّ في تعزيز الخلافات الإيرانية السعودية.

المصالح الإيرانية والسعودية

قبل الخوض في نقاش محتوى التقرير وتداعياته، تبرز مشكلة تصديقه أولاً، أي التصديق على وجود تهديدات إيرانية للسعودية، فمن المعروف خلال المرحلة السابقة أن كلا البلدين يقيمان اجتماعات ثنائية عبر وساطة عراقية، في محاولة منهما لتذليل العقبات وحل المشكلات بينهما، وعلى طول الطريق كانت المؤشرات إيجابية، علماً أن هكذا اجتماعات وما يعلن من نتائجها، كانت مسبوقةً باتصالات غير معلنة، ونقاشات عبر أقنية استخباراتية بطبيعة الحال.
كما أن محاولات التقارب السعودي الإيراني كانت تتفق وتنسجم مع التحولات الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية في المنطقة، وتحديداً مع روسيا والصين، فمن جهة تتطور العلاقة الإيرانية الروسية لدرجة الاتفاقات الاستراتيجية بينهما، ومن جهة أخرى تتطور العلاقات الصينية السعودية بالشق الاقتصادي بتجارة النفط والاستثمارات، كما تتطور العلاقات السعودية الروسية سياسياً، كذلك الأمر في الموقف السعودي من الملف الاوكراني، وفي أوبك+ وتأثيراته على الولايات المتحدة، فضلاً عن مجمل السلوك السعودي المخالف لمصالح واشنطن في الفترة السابقة.
لا تعني هذه الجوانب أن إيران والسعودية تجاوزتا مشاكلهما وخلافاتهما الاستراتيجية، لكن تطور الأمور كان يتجه نحو حلحلة هذه المشاكل بمنهجية سياسية جديدة، قائمة على التكامل وتبادل المصالح بشكل متكافئ بين البلدين، بالتوازي مع التحولات الدولية.
وعليه، فإن المزاعم بوجود رغبة وتهديد إيراني باستهداف السعودية يتناقض تماماً مع واقع الأمور وتطورها، كما أنه يتناقض مع حالة إيران المتوترة أساساً خلال هذه المرحلة، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي في صراعها مع «إسرائيل» والولايات المتحدة وحلفائهما في العراق سياسياً وعسكرياً، والتحليلات المبتذلة التي تدّعي حاجة إيران إلى معركة خارجية مع السعودية لفرض سيطرة أكبر على الظروف الداخلية تدعو للسخرية حقاً، فهي أساساً ومنذ ما قبل توتر أوضاعها داخلياً بحالة أشبه بالحرب مع «إسرائيل» والولايات المتحدة وعملائهما، ولا مصلحة لها بفتح أية جبهات أخرى لا على المستوى الآني التكتيكي، ولا الاستراتيجي، وبالتأكيد ليس مع السعودية التي تقوم بنفسها باستدارة استراتيجية تتلاقى بها مع إيران.
وإن لم تكن هذه الأمور كافية لتوضيح زيف هذه التهديدات وتناقضها مع الواقع، فقد أكدت إيران ذلك صراحةً وعلانية على لسان المتحدث باسم خارجيتها ناصر كنعاني يوم الأربعاء، قائلاً: «مثل هذه المواد الإخبارية المنحازة من قبل بعض الدوائر الغربية والصهيونية يتم نشرها بهدف خلق جو سلبي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتدمير الاتجاهات الإيجابية الحالية مع دول المنطقة... الجمهورية الإسلامية الإيرانية تواصل سياسة حسن الجوار مع جيرانها على أساس الاحترام المتبادل، وفي إطار المبادئ والقواعد الدولية، وتسعى لترسيخ وتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة عن طريق إقامة تفاعل بنّاء مع جيرانها، وستواصل ذلك بجدية».
وعلى الجهة المقابلة، كذلك الأمر لا تمتلك السعودية أية مصلحة بتوتير علاقاتها مع إيران، ولأسباب شبيهة تتعلق بأوضاعها الداخلية، والإقليمية، وتحديداً منها اليمن، والدولية في إطار مناورتها ضد المصالح الأمريكية وسعيها للتلاؤم مع التوازنات الدولية الجديدة بقيادة روسيا والصين، وبالتأكيد على ذلك لم تصدر من الجانب السعودي أية تصريحات رسمية تتعلق بالتقرير المذكور أعلاه، أو بالعلاقات مع طهران، لا سلباً ولا إيجاباً.

تحرك روسي

لتأريض احتمالات التوتير، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً يفيد بتبادل وجهات النظر بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الإيراني أمير عبد اللهيان، حول توتر الوضع في الخليج العربي، وجاء فيه «تم التنويه بضرر الحملة الإعلامية التي أطلقتها وسائل الإعلام الغربية، والتي قد تتحول في ظل ظروف دولية صعبة إلى تصعيد خطير للتوتر في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية من العالم» مؤكدين توحيد مواقفهم لصالح تجاوز التناقضات في المنطقة بالوسائل السياسية والدبلوماسية.
ومن جهة أخرى، أعلنت الخارجية الروسية عن استقبال نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو للسفير السعودي في موسكو عبد الرحمن الأسعد، وجاء في بيانها «تم تبادل وجهات النظر حول قضايا الساعة على جدول الأعمال الدولي والإقليمي، مع التركيز على الوضع في منطقة الخليج. والحاجة إلى استخدام الوسائل السياسية والدبلوماسية للتغلب على التناقضات، وإيجاد سبل لتعزيز أمن الدول من المنطقة. كما تم النظر في بعض القضايا العملية لبناء تعاون روسي سعودي متعدد الجوانب».

من له المصلحة بهذا الادّعاء؟

تتناقض التقاربات السعودية الإيرانية، والسعودية الصينية، والسعودية الروسية، والإيرانية الروسية، مع المصالح الأمريكية و«الإسرائيلية» بشكل مباشر، وبالعكس، فإن أيّ شقاق واختلافات بين أي من هذه البلدان يصب في المصلحة الأمريكية، وعليه فإن المزاعم الواردة بتقرير الصحيفة وتداعياتها، لا تخدم أحداً سواها، والتي سرعان ما تلقفتها الإدارة الأمريكية، وبدأت قواتها العسكرية بالتحرّك- بالاستناد إلى «مادة وول ستريت الصحفية»- حيث قالت صحيفة «الواشنطن بوست»: إن القوات الأمريكية المتواجدة في الخليج العربي قامت بإرسال طائرات مقاتلة باتجاه إيران، دون تحديد موعد ذلك، ودون تأكيد من الجانب الإيراني، وسواء كان ذلك حقيقة أم لا، فإن الهدف منه واضح، ويتمثل بمحاولة استفزاز واستجرار إيران إلى رد فعل عسكري في الخليج، ليزعم الإعلام الغربي بعده صحة التهديدات السابقة، ويشعل المنطقة.
وباختصار، فإن أي تقارب إيراني خليجي سابق أو مستقبلي، استدعى وسيستدعي تحركات أمريكية تحاول إفشاله، وبالعكس منه، سيستدعي ذلك تحركات روسية تحاول تأريض المشاكل، ريثما تتطور العلاقات الإيرانية الخليجية لدرجة تصبح بها قادرة على التواصل مباشرة، وتذليل العقبات لوحدهما.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1095
آخر تعديل على الإثنين, 07 تشرين2/نوفمبر 2022 11:40