التيار المهادن للغرب يقاد إلى الخارج بقرار مؤتمر «الشيوعي الصيني»

التيار المهادن للغرب يقاد إلى الخارج بقرار مؤتمر «الشيوعي الصيني»

أنهى الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره العشرين يوم السبت 22 تشرين الأول الجاري، وعلى الرغم أن وثائقه المطولة تحتاج لقراءة معمقة لفهم الاتجاه العام الذي أقره المؤتمر، إلا أن الملامح الأولية باتت معروفة، بل إن ردود الفعل الغربية بدأت بالظهور إلى العلن منذ الساعات الأولى لهذا الحدث السياسي الكبير، ما يدل أن دوائر السياسة الغربية أدركت أن الشيوعي الصيني حسم خط سيره للفترة القادمة.

السمت العام الذي أقره المؤتمر يعكس إلى حدٍ كبير الاستجابة الصينية الضرورية لمجمل الظرف الدولي، ويبدو أنه حسم جولة محورية على جبهتين، الأولى: ضد تيار راهن الغرب عليه داخل الحزب الشيوعي الصيني، والثانية: تتمثل في تثبيت اتجاه عام جديد سيحمل معه تجذراً أكبر في موقف الصين في مواجهة الغرب بقيادة واشنطن. فكيف يمكننا قراءة نتيجة هذه الجولة؟ وما هي ارتداداتها المتوقعة على المستوى العالمي؟

بعض من نتائج المؤتمر

انتخب أعضاء الحزب الشيوعي الصيني البالغ عددهم 97 مليون 2340 مندوباً للمؤتمر العام، الذي يعد السلطة العليا في الحزب، ويوضع على عاتق المندوبين مسؤولية إقرار وثائق أساسية من شأنها اعتماد مفاتيح السياسة الصينية في كافة المستويات الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى تحديد دور الصين وعلاقاتها على المستوى العالمي. وأقر المؤتمر تعديلات على دستور الحزب، وتقرير عمل اللجنة المركزية لفحص الانضباط، بالإضافة إلى التقرير العام الذي قدمه الرئيس شي. وانتخب المؤتمر أعضاء اللجنة المركزية، وأعضاء اللجنة المركزية للانضباط. التقرير العام شكّل أول ملامح القلق الغربي من ما يجري في الصين، فذكرت جريدة نيويورك تايمز الأمريكية، أن أكثر ما يثير القلق في هذه الوثيقة هو ما لم يقله شي فيها! إذ أشارت إلى أن القادة الصينيين حرصوا في العقود الماضية على تكرار فكرة مفادها أن أمامهم «فرصة استراتيجية» وينبغي استغلالها لتحقيق أكبر تنمية ممكنة، وتشير الجريدة الأمريكية إلى أن مصطلحات، مثل: «السلام والتنمية» كانت أساس الخطاب السياسي الصيني، لكن خطاب شي الذي لخص التقرير واستمر 104 دقائق لم يأت على ذكر هذين المصطلحين، كذلك الأمر في النص الكامل للتقرير المؤلف من 72 صفحة وتصريحات الناطقين الإعلاميين، بل أشار شي إلى ضرورة استعداد الحزب الشيوعي الصيني «لتحمل الرياح العاتية والمياه الهائجة، وحتى العواصف الخطيرة» وأكد على ضرورة تطوير الجيش وإمكانياته. كل هذا له معنى واحد، وهو أن الصين لا ترى أن الاستراتيجية السابقة صالحة للفترة القادمة، وبالتالي فإن المواجهة باتت احتمالاً جدياً ينبغي التحضير له جيداً على كافة المستويات.

رسائل واضحة كالشمس!

نظراً لدور الصين الاقتصادي الكبير عالمياً، ووزنها العسكري المتنامي كان من المتوقع أن يتحول حدثٌ «محلي» كهذا إلى محط اهتمام على مستوى العالمي. ولذلك لم يتردد المؤتمر في إرسال إشارات مفهومة للمراقبين، فمع أن كثيراً من جلسات المؤتمر عقدت خلف الأبواب المغلقة، إلا حدثاً بارزاً جرى على العلن وأمام عدسات الكاميرات. وجاء بوصفه خاتمة منطقية لكل الإشارات السابقة. ففي الجلسة الختامية دخل موظف إلى القاعة واتجه إلى أحد قياديي الحزب «هو جينتاو» واقتاده بعيداً عن المكان المخصص لأعضاء رئاسة المؤتمر. وعلى الرغم من المقاومة الكبيرة التي أبداها هو جينتاو إلا أن الموظف نجح في إخراجه أخيراً، وسحب منه الرئيس شي بعضاً من الأوراق التي حاول أخذها عن الطاولة. هذه الواقعة جرى تداولها على نطاق واسع، وخصوصاً أن الكاميرات صوّرت الحدث كاملاً. لكن لم تقدم وسائل الإعلام كعادتها تفسيراً واضحاً لمعنى ما جرى. وقدم المسؤولون الصينيون تصريحاً رسمياً، أن ما جرى يرد إلى وضع صحي خاص فرض على الرئيس السابق الانسحاب من المؤتمر، بغض النظر إن كان ما جرى ناتجاً عن وعكة صحية أو شيء آخر إلا أن الأمر يمكن أن يقرأ بشكل مختلف، خصوصاً إذا ما ربط بمجريات المؤتمر.
هو جينتاو كان رئيس الصين والأمين العام للحزب الشيوعي الصيني منذ عام 2003 إلى 2013، ويعد من الوجوه البارزة في الحزب، وتحديداً تلك التي ارتبطت بما يعرف باسم «صي- مريكا» المصطلح الذي يدل على نوع من التكامل الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أن المواقف السياسية لم تكن متطابقة بين البلدين، إلا أن «الاندماج» الاقتصادي شكّل عامل ضغط كبير على الجوانب السياسية في الصين، وخلق تياراً يراه الغرب «إصلاحياً منفتحاً» كان على علاقات طيبة مع الجناح الديموقراطي في واشنطن، ورسخ مفاهيم محددة «كالسلام والتنمية».
الحدث المهم هذا جاء في اختتام المؤتمر بعد أن حسمت نتائج الانتخابات وجود شخصيات أخرى بارزة كرئيس الوزراء لي كه تشيانغ ونائبه وعضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وانغ يانغ، الذين مثلوا جميعاً الوجه الليبرالي الميال للغرب والولايات المتحدة داخل الحزب الشيوعي الصيني، وبعد أن نجح المؤتمر في إبعاد هذه الشخصيات عن القيادة، باتت أماكنهم شاغرة، ومن المتوقع أن الوجوه الجديدة ستكون جزءاً من تيارٍ آخر بات راسخاً داخل الحزب وعميق التأثير في المجتمع. حتى أن موقع بي بي سي البريطاني أكد أن موقف الغرب من الرئيس السابق الذي جرى إبعاده، وأشار إلى سنواته بوصفها «زمن الانفتاح نحو الخارج والتسامح الأكبر مع الأفكار الجديدة».
الاستراتيجية السابقة المستندة إلى «السلام والتنمية» حققت نتائج داخل الصين، فالنمو السريع الذي حصل وما رافقه من تراكم متسارع في الثروة شكّل رافعة حقيقية للبلاد، لكن هذا التوجه الذي اعتمد على مهادنة الغرب والاستفادة من «الفرصة الاستراتيجية»، كان بلا مستقبل حقيقي. فالصين وجدت نفسها مستهدفة من قبل الغرب، ولم يعد من الممكن موضوعياً تحقيق أي تقدم دون اتخاذ موقف حاسم من العلاقات مع الغرب. يربط بعض المحللين بين الحرب في أوكرانيا وهذا التوجه الصيني، لكنهم لا يقدمون فهماً معمقاً لما جرى هناك بالضبط! فالصين رأت الصدام الجاري في أوروبا والتطاول الأمريكي المتعمد على وحدة وسيادة الصين في تايوان بوصفها استراتيجية غربية وأمريكية لمواجهة صعود الأقطاب العالمية الجديدة ومسعى جدي لتكبيلها. ولا يمكن للصين أن تتعامل مع تهديدٍ كهذا باستراتيجية مهادنة ومحابية للمركز الإمبريالي، بل ينبغي القطع النهائي مع توجه كهذا واجتثاث هذه الأصوات وإزاحتها عن المشهد، وهي المهمة الوطنية الكبرى التي يبدو أن مؤتمر الشيوعي الصيني نجح في إتمام خطوة كبرى في اتجاهها. وفي العودة إلى إزاحة هو جينتاو عن المنصة أمام الكاميرات بوصفه الرسالة الأكثر وضوحاً لطبيعة ما يجري داخل الحزب. لا للعالم الخارجي وحده بل للمجتمع الصيني أيضاً. وعلى هذا الأساس يمكننا رسم صورة أولية للفترة القادمة في الصين، التي لابد أنها ستتجه لقطع أذرع الولايات المتحدة التي عملت على نقل القيم التي ينتجها الصينيون إلى جيوب متخمة وراء البحار، وهذا ما يدرك التيار المهيمن في الصين أنه لن يمر دون عواصف عاتية ينبغي إعداد العدة لمواجهتها والنضال ضدها لا كبلد منفرد، بل عبر توحيد جهود مستعمرات سابقة كالهند وروسيا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1093