ملاحظات حول اللقاءات الأخيرة بين «حماس» و«الجهاد»
شهد قطاع غزة منذ أيام اجتماعاً لقيادات سياسية وعسكرية بارزة في منظمة الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، كما استقبل أمين عام «حركة الجهاد» زياد نخالة- في مكتبه في العاصمة اللبنانية- وفداً من قيادات بارزة في صفوف «حماس» لتقدم هذه التحركات بعض الأجوبة حول العلاقة بين الفصيلين بعد العدوان الصهيوني الأخير على غزة.
جرى تداول جملة من التحليلات وبشكلٍ واسع لرصد ضرر محتمل للعلاقة بين «الجهاد» و«حماس» ناتج عن حساسية ما جرى في حرب غزة الأخيرة. فالكيان الصهيوني حاول التركيز عسكرياً وسياسياً وإعلامياً على أن المستهدف من العدوان الأخير كان حركة الجهاد في محاولة منه لتحييد «حماس» وتأجيل انخراطها في الأعمال العسكرية بشكلٍ مباشر ومعلن قدر الإمكان، وهو ما جرى فعلاً، فحركة حماس لم تشارك بشكلٍ معلن في صد العدوان، وهو ما طرح تساؤلات مشروعة حول ما الذي جرى فعلاً في أيام التصعيد.
القطاع وحماس والجهاد
من السهولة أن يجد الباحث الكثير من المقالات والتقارير الصحفية والتسريبات السياسية التي تركز تحديداً على «أزمة في العلاقة بين الفصيلين»، التي يشير بعضها دون دلائل مؤكدة عن وجود خلافات ميدانية وسياسية ترافقت مع الاشتباك. وأشارت بعض التقارير الأخرى عن قرار اتخذته «الجهاد الإسلامي» للانسحاب من غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، وغيرها من المسائل التي جرى تداولها بشكل موسع. لكن وعلى الرغم من ضرورة معرفة كافة التفاصيل حول الموضوع، ينبغي أخذ بعض المسائل في عين الاعتبار عند البحث فيه.
قرار الكيان الصهيوني الادعاء باستهداف الجهاد الإسلامي دون غيره من الفصائل، لم يكن قراراً اعتباطياً، بل قراراً سياسياً ماكراً لا يعد غريباً عن سلوكه التاريخي. فالجهاد الإسلامي فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية، تجمعه مع إيران علاقة واضحة ومعلنة على خلاف بقية الفصائل التي تحاول إبقاء علاقتها بطِهران بعيدةً عن الأضواء قدر الإمكان. وهو ما يعرفه الكيان جيداً ولهذا تحديداً كان الهدف الصهيوني هو محاولة تصوير «الجهاد الإسلامي» بوصفه «ذراعاً إيرانياً» لتصبح العملية العسكرية والسياسية ضده جزءاً من المواجهة الصهيونية- الإيرانية في المنطقة، لا انتهاكاً صهيونياً روتينياً لحقوق الشعب الفلسطيني!
الدوافع وراء هذا الاهتمام
شكّلت الغَيْرَة الوطنية لدى الشارع الفلسطيني، ولدى كل أنصار القضية سبباً كافياً للاهتمام برصد ما جرى تداوله حول الخلاف بين «الجهاد» و«حماس»، ولكنها في الوقت نفسه نقطة قوة في الدعاية الصهيونية، التي عدّت أنها نجحت فعلاً في شق الصف المقاوم، وبأن العلاقة بين الجهاد وحماس تصدعت فعلًا، ومن هنا كانت أهمية اللقاءات التي عُقدت مؤخراً والبيان الصادر عن لقاء غزة. الفصائل تدرك أن شق صفوفها يُعد هدفاً صهيونياً، ولذلك لا بد من تجاوز أية خلافات أو حسابات سياسية فصائلية، فالبيان الموقع في غزة أشار إلى غرفة العمليات المشتركة بوصفها «منجز وطني» وأكد ضرورة «العمل الجماعي على تعزيز دورها ومكانتها حتى التحرير والعودة». وجدد الدعوة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية للكف عن ملاحقة المقاومين والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وضرورة وقف التعاون الأمني مع الاحتلال، وصولاً إلى التحرر من مسار أوسلو. هذا بالإضافة للإشارة إلى ضرورة السير في اتجاه الوحدة الفلسطينية، وتشكيل مجلس وطني جديد يمثل الشعب الفلسطيني بشكل شامل في الداخل والخارج.
لم يقدم البيان الذي أطلقت وسائل الإعلام عليه اسم «بيان المصالحة» طرحاً سياسياً جديداً، فلم يكن المطلوب صياغة رؤية أو استراتيجية جديدة، بل المطلوب هو تقديم تأكيد على الوحدة البرنامجية لفصائل المقاومة الفلسطينية، التي تعتبر غرفة التنسيق المشترك واحدة من الثمرات الطبيعية لوحدة القضية. التي لا ينبغي الاكتفاء بها ولا الرجوع عنها، وتحديداً أن الظرف يسمح اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى بإنجاز المهام الوطنية الفلسطينية. لقاء الفصائل هذا جاء خطوة ضرورية لحرمان الكيان من تحقيق أهداف عدوانه الأخير، ويعد عقد هذا الاجتماع- وتجاوز أية اختلافات سياسية بحال وجودها- مسألة تخص المصلحة الفلسطينية، ولا ينبغي النظر إليها بوصفها «استراتيجية إيرانية» بغضّ النظر عن الإسهام الإيراني الواضح في دعم وحدة الفصائل الفلسطينية، الذي يعد واحداً من العناصر الإيجابية في المناخ الإقليمي المواتي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1085