لقاء مجموعة العشرين كان ساحة روسية – صينية بامتياز
يُسخّر الغربيون جميع أدواتهم واستخدامها بطاقتها القصوى لشيطنة روسيا وتشويهها في الرأي العام لدى شعوبهم وعالمياً، وكانت إحدى آخر المسرحيات بذلك، هي اجتماع مجموعة العشرين في مدينة بالي الإندونيسية، والذي انتهى بلا بيان ختامي، أو أي اتفاق يذكر.
تضم مجموعة العشرين مجموعة السبع الغربية، وروسيا والصين، و11 دولة أخرى من حول العالم ممن لم يتخذوا موقفاً معادياً رسمياً تجاه روسيا جراء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، فضلاً عن استمرار العلاقات الثنائية بينها وبين كل واحدةٍ منها عند المستوى الطبيعي، ومن الجدير بالذكر، أن هذا الاجتماع تضمن أول لقاء يجمع ما بين روسيا والدول الغربية منذ انطلاق العملية العسكرية في أوكرانيا، وعليه فقد كان هناك تشنج وتوتر مسبق بين جميع الأطراف بطبيعة الحال.
لكن إن قام أحدهم بتتبع تصريحات الغربيين الرسمية، والإعلام الغربي عموماً، يستنبط المرء استنتاجاً خاطئاً، وكاذباً، حول طبيعة الاجتماع الأخير وما جرى فيه، يتلخص باتخاذ 19 دولة موقفاً سلبياً تجاه روسيا، وأن الأخيرة قد بانت عزلتها في هذا الحدث، فضلاً عن كيفية تفسير انسحاب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من الاجتماع.
ضجيج وبلطجة
عمدت الدول الغربية على دفع الدول الـ11 الأخرى على مقاطعة روسيا ضمن الاجتماع برسائل مباشرة وغير مباشرة طوال الفترة السابقة وضمن الاجتماع نفسه، سواء عبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوتي بلينكن أو غيره ممن عقدوا اجتماعات ولقاءات مع الوفود الرسمية من تلك الدول، إلا أن السعي باتجاه تحقيق مقاطعة من الأغلبية لم تنجح، بل حتى أنها لم تتجاوز الدول الـ 7 نفسها، وعليه تحوّل السلوك الغربي إلى نوعٍ من الضجيج والبلطجة الدبلوماسية والإعلامية للتأثير على مجرى الحدث، فمنذ أن جاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سُمعت أصواتٌ، ذكرها بتصريحه نفسه تصف روسيا بـ «المعادين» و«المحتلين» وغيرها، كما وصف الوزير السلوك الغربي بأنه قد كان «سلوكاً مسعوراً» لا يحتوي على أي مجال أو فرصة للقاء أو الحوار.
روسيا «المعزولة» تجتمع مع أغلبية الدول ثنائياً
على الرغم من ذلك، كان اجتماع مجموعة العشرين ساحةً روسية بامتياز، حيث عقد وزير خارجية الدولة «المعزولة» اجتماعاتٍ ثنائية على هامش اجتماع المجموعة مع كل من وزراء خارجية الصين والهند وتركيا وإندونيسيا والبرازيل وغيرهم، للتحدث بموضوعات عديدة ومتنوعة تتعلق بأوكرانيا، وأزمة الغذاء، وأزمة الحبوب والأوضاع الاقتصادية عالمياً، وبعض الملفات الدولية فضلاً عن القضايا الثنائية، أي وبصرف النظر عن مضامين هذه الاجتماعات نفسها، فإن الكفّة عموماً لم تكن بصالح الغربيين، 7 مقابل 13، وعليه لم يخلص الاجتماع الذي سعت الولايات الأمريكية وحلفاؤها لجعل موضوعه الرئيسي أوكرانيا، ولا إلى أية اتفاقات تذكر ودون صدور بيان ختامي.
من جهة أخرى، فإن الاجتماع المذكور حاد بعيداً عن أهداف مجموعة العشرين الأساسية نفسها، والتي تتعلق بالقضايا الاقتصادية دوليا بالدرجة الأولى، فضلاً عن السلوك الغربي السيّئ والمُعطِّل، وعليه قرر الجانب الروسي الانسحاب منه يوم الجمعة، حيث قال لافروف خلال كلمته قبيل انسحابه: إن مناقشات الغربيين «انحرفت فوراً بمجرد بدء حديثهم نحو الانتقادات المسعورة للاتحاد الروسي فيما يتعلق بالأوضاع في أوكرانيا... خلال المناقشة تجنب الشركاء الغربيون اتباع توصيات مجموعة العشرين بالتعامل مع قضايا الاقتصاد العالمي».
بعض من أهم الاجتماعات الثنائية ورسائلها
الصين- الهند: عقد وزيري خارجية الصين والهند، وانغ يي وسوبرامنيام جياشانكار اجتماعاً ثنائياً على هامش مجموعة العشرين، ووفقاً لبيانٍ صادر عن الخارجية الصينية دار الاجتماع بشكل رئيسي حول الملف الأوكراني، وذكر البيان ما جاء في الاجتماع «أولاً: تعارض الصين استغلال الوضع من أجل التحريض على عقلية الحرب الباردة، وإثارة المواجهة بين الكتل، وصنع «حرب باردة جديدة» [...] ما يحتاجه العالم هو الحوار وليس المواجهة. ثانياً: تعارض الصين تقويض سيادة الصين ووحدة أراضيها عبر تطبيق معايير مزدوجة حيث تؤكد بعض الدول على مبدأ السيادة فيما يتعلق بقضية أوكرانيا، لكنها تستمر بتحدي سيادة الصين، ومبدأ الصين الواحدة حول تايوان [...] ثالثاً: تعارض الصين تقويض الحقوق المشروعة للدول الأخرى في التنمية. فقد استخدمت بعض الدول الأزمة الأوكرانية كذريعة لإساءة استخدام العقوبات أحادية الجانب على الصين وغيرها من الدول، وهو أمر غير مبرر وغير قانوني...».
روسيا- الصين: من جهة أخرى قال وزير الخارجية الصيني يي خلال اجتماعه مع نظيره الروسي لافروف يوم الجمعة: إن الصين وروسيا قد «قضيا على عمليات التدخل» و «حافظا على العلاقات الطبيعية» على الرغم من الأوضاع الدولية المتوترة، وفي المقابل، قال لافروف: إن «العلاقات الروسية الصينية لا تخضع للتدخلات الخارجية » ومشيراً إلى أن روسيا تدعم مبادرة الصين بالتنمية العالمية والأمن الدولي، وأشار الجانبان على أن «معارضة الهيمنة والبلطجة ومقاومة الأحادية تعد تطلعات مشتركة للغالبية العظمى من البلدان النامية» وقال وانغ يي: «سترى المزيد والمزيد من الدول هذا الأمر بشكل أكثر وضوحاً بمرور الوقت وتتخذ الخيار الصحيح».
الولايات المتحدة– الصين: كما عقد وزراء خارجية الصين والولايات المتحدة اجتماعاً ثنائياً أيضاً، كان موضوعه الرئيسي من الجانب الأمريكي الملف الأوكراني والموقف الصيني منه، حيث صرح أنتوني بلينكن بعد اللقاء «شاركت عضو مجلس الدولة قلقنا حيال اصطفاف جمهورية الصين الشعبية مع روسيا» وفي المقابل، لم يدلِ الجانب الصيني أية تصريحات تتعلق بالملف الأوكراني خلال اجتماعه مع بلينكن، وإنما تحدث وانغ يي عن كون العلاقات الأمريكية الصينية معرضة لمخاطر أكبر جراء المشكلات بكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الصين، وقال «يعتقد الكثير من الأشخاص أن الولايات المتحدة باتت تعاني وبشكل متزايد نوبة خطيرة من رهاب الصين «صينوفوبيا»».
وباختصار، فإن ما جرى حقيقةً ضمن اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين، بعيداً عن التلفيق الغربي وسرديته، قد كان تكثيفاً لطبيعة المجريات الدولية اليوم، حيث يقف الغربيون كتلةً واحدة معزولة تضجّ ليل نهار بالعبارات والمواقف المكررة والتقليدية دون أثر يذكر، بينما كلّ من روسيا والصين تعمقان علاقاتهما الثنائية مع كافة دول العالم الأخرى التي بدورها ترحب وتتعامل إيجاباً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1078