بكين تحذّر واشنطن من «اللعب بالنار» وإلا!
تستمر واشنطن وبشكلٍ حثيث في توتير الأجواء في مضيق تايوان، وذلك على الرغم من الرسائل الصينية الواضحة في هذا الخصوص، مما بات يهدد باقتراب موعد رد الفعل الصيني الحاسم، وخصوصاً أن واشنطن قد تجاوزت بالفعل الخط الأحمر الذي سبق أن رسمته بكين، بعد أن وصل وفد برلماني أمريكي في زيارة رسمية إلى الجزيرة الصينية في تحدٍّ صارخ جديد للقانون الدولي.
في 14 نيسان الجاري، حطت طائرة عسكرية أمريكية في تايوان، والتي تقل 6 من أعضاء الكونغرس الأمريكي برئاسة السناتور الجمهوري ليندسي جراهام، الذين قدموا في زيارة رسمية متجاهلين بذلك تحذيرات بكين، وهو ما دفع هذه الأخيرة للرد على هذه الخطوة على الصعيدين السياسي والعسكري.
استفزازات واشنطن
أبلغ رئيس الوفد الأمريكي السناتور ليندسي جراهام رئيسة تايوان تساي إنغ ون أن «الحرب في أوكرانيا- جنبًا إلى جنب مع السلوك الذي تعتبره الصين استفزازياً- وحدت الرأي العام الأمريكي كما لم يحدث من قبل». وأضاف جراهام «إن التخلي عن تايوان سيكون بمثابة التخلي عن الديمقراطية والحرية»، قبل أن يشير إلى «رد الفعل العنيف المتزايد في العالم ضد الأشرار». وحذّر من أن الولايات المتحدة «ستبدأ في جعل الصين تدفع ثمناً أكبر لما تفعله في العالم. دعم بوتين يجب أن يكون له ثمن» حسب تعبيره. وفي أثناء اللقاء الذي جمع الوفد مع رئيسة تايوان اعترف عضو مجلس الشيوخ، بوب مينينديز، بأن الزيارة تسببت في استياء صيني قوي، مما يسلط الضوء على الأهمية التكنولوجية للجزيرة. وأضاف مينينديز «بما أن تايوان تنتج 90٪ من أشباه الموصلات المتطورة في العالم، فهذا يجعلها ذات أهمية وتأثير عالمي، وبالتالي، يجب أن يكون مفهوماً أن أمنها له تأثير عالمي». وفي السياق ذاته، لمَّح أحد أعضاء الوفد الأميركي إلى أن كل «الخيارات على طاولة واشنطن» في حال تدخل صيني عسكري في الجزيرة. أما مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، فقد أدلى بتصريحات لوسائل الإعلام في يوم الخميس 14 نيسان بأن «سلطات بلاده ستتخذ جميع الإجراءات الممكنة لمنع إعادة توحيد تايوان مع الصين بالقوة». وأضاف سوليفان أثناء مشاركته في مؤتمر نظمه النادي الاقتصادي بواشنطن قائلاً: «بالطبع، أعربنا عن قلقنا بشأن اتخاذ الصين إجراءات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن، ونعتقد أنهم يراقبون عن كثب ما يحدث في أوكرانيا من أجل تعلم الدروس بشكل عام» في محاولة أمريكية جديدة للخلط بين ما يجري في أوكرانيا وبين مسألة تايوان.
الرد الصيني الشامل
بعد أن اتضح مجدداً، أن واشنطن مستمرة في خطواتها الاستفزازية هذه، والتي تسعى من خلالها لمحاصرة الصين في إطار استراتيجيتها بالزحف نحو أية دولة ترى فيها منافساً، بدأت بكين بسلسلة من الردود على هذه الخطوات الأمريكية، فطالبت وزارة الخارجية الصينية واشنطن بالتوقف عن دعم مساعي تايوان للاستقلال، وصرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، في إفادة صحفية يوم الجمعة 15 نيسان الجاري، بأنه: «يجب على الولايات المتحدة وقف الاتصالات الرسمية المتبادلة مع تايوان»، وجدد المطلب الصيني في أن تحترم واشنطن التزاماتها بعدم دعم رغبة الجزيرة في الاستقلال. وحثّ ليجيان أعضاء الوفد بتجنب السير في هذا المسار الخطير، بعد أن ذكّر بأن الزيارة الرسمية التي قام بها أعضاء الكونغرس تتعارض مع مبدأ «الصين واحدة» والذي تعترف واشنطن فيه بشكلٍ رسمي، وأضاف: إن خطوات واشنطن في تايوان تتعارض مع ما جاء في البيانات الصينية الأمريكية المشتركة الثلاثة، والتي جرى الإعلان عنها بعد تطبيع العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون. والتي تنص صراحة على التزام واشنطن بوحدة واستقلال الصين، وتتعهد بقطع العلاقات الرسمية مع تايوان. واختتم المتحدث باسم الخارجية الصينية حديثه بالتأكيد على أن بلاده «ستواصل اتخاذ إجراءات قوية لحماية السيادة الوطنية وسلامة أراضيها بحزم».
خطوات عسكرية
بعد مرور ساعات قليلة على وصول الوفد الرسمي الأمريكي، أعلنت قيادة المسرح الشرقي بجيش التحرير الشعبي الصيني في يوم الجمعة 15 نيسان، عن بدء مناورات عسكرية ضخمة براً وجواً وبحراً في منطقة بحر الصين الشرقي، والمنطقة المحيطة بتايوان، وشاركت في هذه المناورات مقاتلات حربية وفرقاطات وقاذفات قنابل بالإضافة إلى قطع عسكرية أخرى. وقالت قيادة جيش التحرير الشعبي في بيانٍ رسمي إن «هذه العملية هي رد على الإرسال الأخير والمتكرر لإشارات خاطئة من قبل الولايات المتحدة بشأن قضية تايوان». وأضافت في البيان: إن «الأفعال الشريرة والخدع التي تقوم بها الولايات المتحدة عقيمة تماماً وخطيرة للغاية». وأضافت قيادة جيش التحرير: إن «أولئك الذين يلعبون في النار سيحرقون أنفسهم». وفي السياق ذاته قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، وو تشيان: إن «الصين ملتزمة بحزم بإعادة التوحيد السلمي مع تايوان، لكنها لن تتسامح أبداً مع استقلالها»، لافتاً إلى أنه لا توجد سوى صين واحدة في العالم، وتايوان جزء لا يتجزأ منها، وأن المواطنين على جانبي مضيق تايوان لهم مصير مشترك وهم «إخوة بالدم».
«الديموقراطية وأشباه الموصلات»
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية عام 1979، اعتبرت الولايات المتحدة الحكومة الشيوعية في بكين، وليس تايوان، الممثل الوحيد للصين. ومع ذلك، تواصل واشنطن بيع أسلحة لتايوان للدفاع عنها. بما يتناقض مع التزامات واشنطن الملزمة من جهة ويتناقض مع القانون الدولي من جهة أخرى، وأحد الأمثلة الكثيرة على ذلك هو: موافقة الولايات المتحدة في أوائل نيسان الجاري على بيع التكنولوجيا العسكرية والأسلحة لتايوان مقابل 95 مليون دولار، وتعهدها بتزويد تايوان بمتخصصين لصيانة بطاريات باتريوت أرض-جو.
وقد عبّرت التصريحات الرسمية أثناء زيارة أعضاء الكونغرس عن المسعى الأمريكي من وراء هذه الخطوات الاستفزازية، فالإعلان صراحة عن عزم واشنطن إعاقة توحيد الصين يعني تدخلاً صريحاً في الشؤون الداخلية لهذا البلد، ويعني أن واشنطن باتت عقبة أساسية في إنجاز الأهداف الوطنية الصينية. وفي الوقت الذي لا تعلن واشنطن صراحة عزمها دعم استقلال تايوان عسكرياً، سيكون على تايوان أن تتحمل تبعات خطوة كهذه وتوريطهم في صدام مع بكين، ستكون الجزيرة الصغيرة أكبر المتضررين منه، فتايوان بالنسبة لواشنطن ورقة يجري استثمارها في مواجهة الصين منذ زمن، واليوم يعلن وفد الكونغرس صراحة إلى جانب الحديث الأمريكي الفارغ عن «دعم الديمقراطية والحرية» إلى أن مساهمة تايوان في معظم الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات يجعلها محط اهتمام واشنطن، التي تدرك أن إتمام إنجاز مهمة توحيد الجزيرة مع وطنها الأم من شأنه أن يفقد واشنطن سيطرتها على جزء استراتيجي جديد وربما الأخير من الإنتاج العالمي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1066