ولي العهد السعودي والسياسات المستجدة للمملكة

ولي العهد السعودي والسياسات المستجدة للمملكة

أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن عدة مواقف لافتة له- خلال مقابلة مع مجلة «ذي أتلانتيك» الأمريكية- تحمل إشارات عامة عن سياسة المملكة العربية السعودية المستجدة مع تغيرات الموازين الدولية، فبينما سلط الإعلام الغربي والعربي عموماً على جزئية موقف بن سلمان من «إسرائيل» بشكل أكبر، غابت عنها– سهواً أو عمداً– أغلب المواقف والتصريحات الأخرى المتعلقة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ودول الشرق.

تعتبر المملكة العربية السعودية صاحبة الوزن الأكبر بين دول الخليج العربي عامةً، وكانت تحظى تاريخياً منذ صعودها بعلاقات ودّية وحتى تبعية مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، إلّا أن ما جرى ويجري في العالم من تغيرات سياسية متسارعة منذ عقدين من الزمن عنوانها الأكبر تراجع الولايات المتحدة وأزمتها بدأت العديد من الدول– بينها السعودية– بإعادة النظر بسياساتها الخارجية ودراسة مكانها ضمن الخريطة الجيوسياسية العالمية الجديدة الناشئة، بعضٌ من هذه الدول يبرز فيها هذا الأمر بشكل انقسام داخلي بين مختلف القوى، وتركيا مثالاً، والبعض الآخر يوجد فيه نوع بسيط من التوافق حول هذا الاتجاه ويجري الإعلان عنه تباعاً وببطء، متجنباً الدخول بصراع مع واشنطن قدر الإمكان كحال السعودية فيما يبدو.

«إسرائيل» حليف؟

قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال المقابلة المذكورة أعلاه: «إننا لا ننظر إلى إسرائيل كعدو، بل ننظر إليهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً» مشيراً بأنه «يجب أن تُحلّ بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك».
وبعد نشر اللقاء نشرت وسائل إعلام سعودية هذا القول، وقام حساب «إسرائيل بالعربية» الرسمي التابع للخارجية في كيان العدو بالتفاعل مع هذا الأمر عبر نسخ النص كما هو ونشره مرفقاً بصورة بن سلمان، وردد العديد من المحللين أن ما يحمله قول بن سلمان هو خطوة باتجاه المضي نحو التطبيع مع كيان العدو ضمن اتفاقيات أبراهام الجارية.
في الحقيقة، لا يضيف تصريح بن سلمان أي جديد على موقف المملكة، حتى وإن لم تكن هناك تصريحات رسمية شبيهة معلنة سابقاً، بل وأكثر من ذلك سعت الولايات المتحدة الأمريكية بأن تقدم السعودية على خطوة التطبيع هذه منذ زمن عهد ترامب، وقد كان متوقعاً في حينه أن يجري الأمر قبل كل من الإمارات والمغرب والسودان أساساً، فضلاً عن العلاقات السعودية مع كيان العدو كانت وما تزال جارية من غير إطار رسمي.
إعلان بن سلمان إمكانية انضمام السعودية لاتفاقيات التطبيع المشؤومة تعتبر محاولة واضحة للابتزاز، فإما أن السعودية تأمل في الحصول على أعلى سعر ممكن لقاء هذه الخدمة الهامة للكيان، وإما أنها تلجأ إلى الكيان الصهيوني للضغط على إيران في المفاوضات، فيظهر واضحاً أن الانسحاب السريع للولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة أدى إلى انخفاض ملحوظ في أوزان الدول الخليجية التي وجدت ظهرها مكشوفاً فجأة، لتقوم الآن في مناورة محفوفة بالمخاطر في محاولة لاستخدام الكيان على طاولة المفاوضات، كما لو لم تكن «إسرائيل» تشكّل تهديداً حقيقياً في المنطقة حتى على مستقبل دول الخليج نفسها.

الرئاسة الأمريكية لا تهم بن سلمان... وهناك أشخاص في الشرق سيكونون سعداء

بسؤال المضيف لبن سلمان، حول ما إذا كان يود أن يقول لبايدن شيئاً ما لا يعرفه، بإشارة إلى العلاقات المتزايدة السياسية والتجارية للسعودية مع الشرق وتحديداً الصين وروسيا، أجاب بن سلمان: «ببساطة هذا لا يهمني ... هذا الأمر يعود إليه، ومتروك له للتفكير في مصالح أميركا» فيما يتعلق بالعلاقات التجارية مع السعودية، وخلال حديثه عن «التوجه إلى الشرق» أشار بن سلمان إلى أن أمريكا هي من تفوت مصلحتها في المملكة السعودية وتابع «السعودية ليست دولة صغيرة، فهي من ضمن دول مجموعة العشرين، وأسرع البلدان نموّاً في العالم، ما يدفعنا إلى التساؤل: أين تكمن الإمكانيات العالمية؟ إنّها في المملكة العربية السعودية، وإذا أردت تفويتها، هناك أشخاص آخرون في الشرق سيكونون سعداء للغاية، وفي الوقت نفسه تحاول صدّهم، أنا لا أستطيع فهم هذا».
لم تلق هذه الأقوال رواجاً إعلامياً كالموقف من كيان العدو، ذلك ببساطة لأنها لا تعبر عن مصلحة القائمين الغربيين وتوابعهم على معظم وسائل الإعلام العالمية والعربية، إلا أنها تعد أهم بكثير من الموقف ذاك، خاصة وأنه تحتوي إشارة واضحة على انفتاح المملكة السعودية نحو الشرق والتوجه هناك، لكن ومجدداً رغم أهمية هذا التصريح إلا أنه يأتي بإطار مسار موضوعي ليس للسعودية فحسب، بل ومعظم دول العالم الأخرى، وتجدر الإشارة هنا إلى أن السعودية لم تعلن موقفاً يدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهي التي «كانت» حليفة الولايات المتحدة الأمريكية.
حتى أن بن سلمان وخلال المقابلة أشار إلى أنه بخوض أمريكا حربها ضد العراق قد أعطت للمتطرفين الإسلاميين فرصة سانحة، وأشار في سياق هذا الحديث إلى أن «جماعة الإخوان المسلمين تلعب دوراً كبيراً وضخماً في خلق كل هذا التطرّف، وبعضهم يعدّ كجسر يؤدّي بك إلى التطرّف».
بطبيعة الحال، فإن هذه الانتقادات للولايات المتحدة الأمريكية والتوجه نحو الشرق وإن بشكل بطيء، وبالمعنى الاستراتيجي، إنما يتناقض أساساً مع الموقف الجديد المعلن من كيان الاحتلال الصهيوني، حيث أن موازين القوى والدول الصاعدة الجديدة على رأسها روسيا والصين تدفع نحو حل كل الأزمات الموجودة وفقاً للقرارات الدولية القديمة منها أو الجديدة، وفيما يخص الكيان الصهيوني لم يعلن الجانب الروسي يوماً موقفاً غير أن الجولان سورية والدفع لتطبيق حلّ الدولتين على سبيل المثال لا الحصر، فضلاً عن أن التراجع الأمريكي الجاري والمتسارع يعني تراجعاً «اسرائيلياً» وانهياراً لكيان العدو، وهي تحذيرات بات يطلقها الخبراء الأمنيون «الإسرائيليون» أنفسهم أساساً.

إيران جارتنا وستبقى كذلك للأبد

فيما يتعلق بالعلاقات السعودية- الإيرانية والمباحثات الجارية بهذا الإطار، قال بن سلمان: «إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا للأبد، ليس بإمكاننا التخلّص منهم، وليس بإمكانهم التخلّص منا، لذا من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش، وقد قمنا خلال أربعة أشهر بمناقشات، وسمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين، والتي كانت محل ترحيب لدينا في السعودية، وسوف نستمر في تفاصيل هذه المناقشات، وآمل بأن نصل إلى موقف يكون جيداً لكلا البلدين، ويشكل مستقبلاً مشرقاً للسعودية وإيران».
يعكس هذا القول أيضاً موقفاً وإشارةً إيجابيين تجاه طهران والمباحثات الجارية، وقد علق أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني على الأمر قائلاً: « مشاركة إيران في المحادثات الثنائية مع المملكة العربية السعودية في العراق، بصورة فاعلة وبأجندة واضحة، تنبع من الاستراتيجية المبدئية للجمهورية الإسلامية في مجال التعاون والصداقة مع دول الجوار على أساس تأمين المصالح المشتركة والإقليمية» لكنه أشار في الوقت نفسه «يجب ألا ننسى أن الكيان الصهيوني هو العدو الأكبر للعالم الإسلامي والعالم العربي»، وقال مساعد رئيس لجنة السياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني إبراهيم عزيزي: «ولي العهد السعودي يعلم جيداً أية حكومة فتحت المجال أمام البلدان الأجنبية للتواجد في غرب آسيا، لذلك ينبغي له الإعلان بصراحة عن ضرورة انسحاب الأجانب من المنطقة لو كان صادقا في أقواله».
يُظهر كل من الموقفين السعودي والإيراني تناقضاً بينهما، تحديداً ما يتعلق بالموقف من كيان العدو، وخروج القوات الأجنبية– الأمريكية تحديداً– من المنطقة، فضلاً عن الأزمة اليمنية التي تلعب دوراً بالعلاقات بين البلدين، إلا أن ما يحل هذا التناقض بمرور الوقت، إنما هو التراجع الأمريكي نفسه، وتوجه السعودية شرقاً وتكيفها مع السياسات الدولية الجديدة التي لن يكون للتحالفات العسكرية- على الطريقة القديمة، أو سياسات التنافس السلبية القائمة على أفكار الهيمنة والتبعية- مكاناً لها، فضلاً عن حسابات الربح والخسارة لدى المملكة بين استمرار التعاون مع الولايات المتحدة و«اسرائيل» المأزومتين والمتراجعتين، وإيران وروسيا والصين وغيرهم من القوى الصاعدة وبشكل موضوعي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1060
آخر تعديل على الإثنين, 07 آذار/مارس 2022 18:02