روسيا والصين أكثر من مجرد تحالف

روسيا والصين أكثر من مجرد تحالف

عناوين عريضة غزت الصحف العالمية مع انتهاء قمة الرئيسين الروسي والصيني، والتي عُقدت عبر الفيديو يوم الأربعاء في 16 كانون الأول الجاري، القمة التي ضمت أبرز القوى المؤثرة على الساحة الدولية أشارت إلى تحولات نوعية تلوح في الأفق بعد أن عقدت الدولتان 37 قمة رئاسية منذ عام 2013 حسب ما أشار الرئيس الصيني.

العلاقات الروسية الصينية والتي شهدت تطوراً هائلاً منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اللحظة، شكّلت نقطة تحوّلٍ حقيقية على الساحة العالمية، فالإرادة السياسية غير المنقطعة لدى البلدين لتطوير هذه العلاقات أنتجت في نهاية المطاف واقعاً جديداً كان أشبه بروايات «الخيال العلمي» في ذلك الوقت الذي بدت فيه هيمنة الولايات المتحدة بالنسبة لقصيري النظر حقيقة عابرة للتاريخ، وغير قابلة للتغيير.

عقود في سطور قليلة

رغم الضرر الكبير الذي ألحقه المعسكر الغربي بقيادة واشنطن في العلاقات الروسية- الصينية إلا أنها عادت للتطور بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأزيل الغبار الكثيف المتراكم فوق روابط البلدين، بسرعة نسبية، حتى وصلت إلى ماهي عليه اليوم، وبلغت العلاقات الثنائية بين البلدين- حسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- أفضل حالاتها في التاريخ. فمع توقيع معاهدة حسن الجوار في 2001 جرى الإعلان عن مرحلة جديدة بأهداف واضحة، كان على رأسها بناء عالمٍ متعدد الأقطاب، وفي العشرين سنة التي تلت توقيع هذه المعاهدة جرت صياغة العديد من الأهداف المرحلية، والتي نجح البلدان في تحقيقها بثبات منقطع النظير، فاليوم نجحت روسيا والصين وحلفاؤهما بتثبيت أساسات العالم متعدد الأقطاب، وتستعدان اليوم لمرحلة جديدة تنهي هيمنة الولايات المتحدة على مفاصل حيوية في العالم، مثل: أنظمة التحويل المالي من جهة، وتنهي إمكانية فرض الدولار كعملة أساسية في التبادلات العالمية من جهة أخرى. وهو ما تؤكد مجريات القمة، وكثير من تصريحات المسؤولين من البلدين على اقتراب موعد حدوثه.

ضربة نهائية للهيمنة الأمريكية؟!

جرى تداولٌ واسع لتصريحات مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، الذي قدم تفاصيل واسعة- حول القمة- لوسائل الإعلام، وأشار أوشاكوف إلى أن موسكو وبكين عازمتان على إنشاء «بنية تحتية مالية مستقلة» لتقوم بتخديم العمليات التجارية بين البلدين، وأشار أوشاكوف إلى أن الهدف هو وجود بنية «لا يمكن أن تتأثر بدولة ثالثة»، على الرغم من إمكانية انضمام دول أخرى إلى هذه البنية.
التصريحات التي أدلى بها السيد أوشاكوف ليست تصريحات جديدة كلياً، فالحديث عن إيجاد بنية من هذا النمط يجري تداوله بشكل متكرر منذ زمن، لكن حديث مساعد الرئيس الروسي هذه المرة حمل إشارة إلى أن هذه المسألة ستحسم قريباً، وهو ما أكدته العديد من المقالات للدبلوماسيين الروس والصينيين وبعض المقربين من مراكز صنع القرار. وكما بات معروفاً للجميع أن الحديث يدور حول إنهاء حصر المبادلات المالية ضمن نظام سويفت العالمي المدار أمريكياً، والذي يعد الأداة الأساسية التي تستخدمها واشنطن للتحكم في الاقتصاد العالمي، والضمانة الوحيدة لفعاليات العقوبات الأمريكية التي باتت استراتيجية أمريكية دائمة للضغط على دول العالم.

لماذا الآن؟

الحديث عن هذه الآلية المالية البديلة ضمن إطار ها المالي- الاقتصادي فحسب، ما هو إلا محاولة تضليل بائسة، فإذا كانت الدول النامية قد نجحت في توطين عدد كبير من الصناعات، واستطاع بعضها كسر التفوق التكنولوجي الغربي، إلا أن بقاء عصب عملية التبادل تحت السيطرة الأمريكية والغربية كفيل بحرمان هذه الدول من حصد نتائج إنجازاتها على الصعيد الاقتصادي والسياسي،
من البديهي القول: إن الوقت الطويل الذي استغرقته عملية إطلاق منظومة التبادل المالي البديلة لا يرد كله إلى الجانب التقني المعقد من هذه العملية فحسب، بل إلى ضرورة إنضاج الظرف السياسي الذي سيسمح لهذه التجربة في النجاح، فخروج نظام سويفت من الاستخدام على النطاق العالمي حتى وإن تم بشكلِ تدريجي، يعني إطلاق رصاصة الرحمة على الإمبراطورية الأمريكية المحتضرة، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن دوافع روسيا والصين للقيام بهذه الخطوة في هذه اللحظة بالتحديد.

الظرف الدولي المشحون

تتعرض روسيا والصين لمستوى عالٍ من الضغوط، ويبدو أن قيادة البلدين تدرك أن الاتجاه العام لهذه الضغوط لن يميل للانخفاض قريباًـ بل على العكس من ذلك، فالظروف الميدانية العسكرية تشير إلى احتمال توسع حجم الضغوط، ويظهر هذا بشكل واضح على جبهتين، الأولى: في آسيا وبحر الصين الجنوبي وتايوان تحديداً، والثانية: هي الحدود الغربية لروسيا وأوكرانيا تحديداً. وعلى الرغم من الاستعدادات العسكرية الكبيرة التي تقومان بها بكين وموسكو في مواجهة أي سيناريو محتمل، إلا أن بقاء «الجبهة الاقتصادية» مكشوفة سيشكل نقطة ضعف كبرى يجب تلافيها، فروسيا والصين تملكان قدرات عسكرية ضخمة وكافية لحسم الصراع ميدانياً، لكن التداعيات الاقتصادية اللاحقة لأي عملٍ عسكري من هذا النمط ستتطلب استقلال ومناعة اقتصادية أكبر من تلك الموجودة حالياً،  فلذلك يبدو أن التلويح باقتراب خطوة كهذه من قبل مساعد الرئيس الروسي هو بمثابة استعداد سيادي وضروري من قبل روسيا والصين في وجه كل السيناريوهات المقبلة، حتى وإن لم تتحول إلى أعمال عسكرية وانحصرت بالضغط والعقوبات الاقتصادية.
 نبّهت جريدة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير منشور حول القمة الروسية- الصينية، إلى إشارة رمزية مهمة، ففي القمة التي جمعت الرئيس الروسي مع نظيره الأمريكي لم يظهر سوى العلم الروسي خلف بوتين في الوقت الذي ظهر العلم الصيني إلى جانب الروسي في قمته مع الرئيس شي جين بينغ،  فالعلاقات الروسية- الصينية تجاوزت حد التحالف، حسب ما نقله يوري أوشاكوف عن الرئيس الصيني، فمجالات التنسيق باتت شديدة التشابك والتداخل، وتشمل الجانب السياسي والاقتصادي والعسكري وغيرها من الجوانب، واستطاع البلدان حتى اللحظة إيجاد الدعم الضروري المتبادل في مجمل القضايا. وأكد الرئيسان في القمة الأخيرة على صفو العلاقات الثنائية بين البلدين، رغم محاولة تعكيرها، مما يحمل في طياته إشارة مهمة، فأمل الولايات المتحدة الوحيد هو في إحداث شرخ في هذه العلاقة عبر استمالة أحد الطرفين، مما سيسمح لواشنطن بتركيز قواها على جبهة واحدة، لكن فشل واشنطن في هذا يعني أنها ستكون مضطرة لتوزيع قواها على جبهتين، هما: روسيا والصين بعلاقات بينهما تجاوزت الشكل التقليدي للتحالف.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1049
آخر تعديل على السبت, 25 كانون1/ديسمبر 2021 23:56