بريمر يخرج من جحره في مئوية العراق والهدف تفجير الأزمة

بريمر يخرج من جحره في مئوية العراق والهدف تفجير الأزمة

أعلن كلٌّ من الجانبين العراقي والأمريكي عن انتهاء مهام التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة في العراق، وأن انسحاب القوات «القتالية» الأمريكية سيستكمل حتى نهاية الشهر الجاري، وكما هو متوقع، لم يأتِ هذا الحدث بتوقيته ليكون سلمياً، ولا يضمن خلفه سوى المزيد من التوترات الداخلية، خاصة مع خروج كلّ من كينيث ماكنزي وبول البريمر– الذي عاد في هذه اللحظة بالذات– بتصريحات إشكالية واستفزازية تؤثر على الوضع الداخلي العراقي وسط أزمات متفاقمة.

تناقضات ماكنزي مع التصريحات العراقية

في يوم الخميس 9 كانون الأول أعلن مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي في بيان صحفي عقب اجتماع أخير ما بين قيادة العمليات المشتركة العراقية والقوات الأمريكية عن انتهاء المهام القتالية للتحالف الدولي في العراق رسمياً، وقال «اليوم أنهينا جولة الحوار الأخيرة مع التحالف الدولي والتي بدأناها في العام الماضي... نعلن رسمياً انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف وانسحابها من العراق» مشيراً إلى أن «العلاقة مع التحالف الدولي ستستمر في مجال التدريب والاستشارة والتمكين»، من جهة أخرى قال نائب قائد العمليات المشتركة، الفريق أول الركن عبد الأمير الشمري، أن «التحالف أعاد انتشار قواته القتالية خارج العراق».
في اليوم التالي، أجرى قائد القيادة المركزية في الجيش الأمريكي، فرانك كينيث ماكنزي، مقابلتين مع كل من وكالة «أسوشييتد برس» وصحيفة «فاينانشيال تايمز»، تحدث في الأولى إن واشنطن ستبقي قواتها الحالية التي تبلغ عددها 2500 جندي في العراق وقال «على الرغم من تحول دور القوات الأمريكية في العراق إلى دور غير قتالي، فإنها ستبقى تقدم الدعم الجوي والمساعدات العسكرية الأخرى في قتال العراق ضد تنظيم داعش» وتابع لاحقاً «العراقيون ما زالوا يريدون منا أن نكون موجودين وأن نشارك.. طالما أنهم يريدون ذلك، ويمكننا أن نتفق بشكل متبادل» وأضاف تعليقاً لافتاً في سياق حديثه عن استمرارية تهديد تنظيم «داعش» الإرهابي على الوضع العراقي بأن «التنظيم سيواصل إعادة تكوين نفسه، ربما تحت اسم مختلف»، دون توضيح.
أما في لقائه الثاني فقد وجه حديثه بشكل أساسي نحو إيران وردعها في سياق المباحثات النووية، وقال إن أمريكا لديها «مجموعة قوية جداً من الخيارات العسكرية» إلا أنه أكد بنفس الوقت «أن الدبلوماسية توجه كل شيء، هذه هي أفضل طريقة للمضي قدماَ».

تهديدات فصائل المقاومة العراقية

خلال هذه الفترة منذ ما قبل اجتماع القوات العراقية والأمريكية الأخير وحتى الآن، أطلقت العديد من فصائل المقاومة العراقية تهديدات بضرب القوات الأمريكية بعد الساعة 12 ليلاً من يوم 31 من الشهر الجاري بحال لم تسحب واشنطن قواتها القتالية، وقد أشار ماكنزي إلى ذلك خلال حديثه مع «اسوشييتد برس» قائلاً «هذه المليشيات تريد مغادرة جميع القوات الأمريكية من العراق.. لكننا لن نغادر، مما قد يثير رداً مع اقترابنا من نهاية الشهر... انسحبنا من القواعد التي لم نكن بحاجة إليها، وجعلنا الوصول إلينا صعباً».

بول بريمر يخرج من جحره في مناسبة مئوية العراق

تسعى التصريحات الأمريكية المتناقضة مع تصريحات الحكومة العراقية وقرارها البرلماني وتعارضها مع إرادة العراقيين بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، إلى توتير الأوضاع داخلياً ودفع مختلف الأطراف لمزيدٍ من التشدد تجاه بعضها بعضاً بالتوازي مع الخلافات الجارية حول نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولأن مسألة خروج القوات الأمريكية تشكل حساسية كبيرة لدى مختلف الأطراف سواء المعارضة أو الموالية لها، تؤدي هذه التصريحات إلى حالة من عدم الاستقرار والمعرفة حيال ما سوف يجري في أواخر العام الجاري بالمعنى العملي، وليكتمل المشهد وتزيد واشنطن من الوضع سوءاً، خرج رمز الاحتلال الأمريكي للعراق بول بريمر، بالتوازي مع مناسبة مئوية قيام الدولة العراقية، بعدة تصريحات استفزازية وإشكالية وتحريضية تتعلق بتاريخ الاحتلال ومعارك الفلوجة واعتقال صدام حسين وصولاً إلى إعدامه عبر مقابلة ضمن برنامج «السطر الأوسط» على قناة MBC، نذكر مقتطفات منها:
في سؤال له حول لماذا سلمت الولايات المتحدة صدام حسين إلى أعدائه -من المعارضة العراقية- بهذه الطريقة، أجاب بريمر «لقد كان من الصعب إيجاد حلفاء له يستطيعون القيام بعملية احتجازه، لذلك سلمناه لحكومة عراقية مستقلة، وذات سيادة، وباعتقادي الحكومة العراقية أخضعت صدام لمحاكمة عادلة، لكن من جهة أخرى قاموا بإعدامه بطريقة شنيعة، ففي عملية الإعدام سمحوا بدخول الهواتف والكاميرات وهذا يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، والتقاط قدر ما تشاء من الصور والفيديوهات» وفي سؤال آخر حول الصور التي عرضتها الولايات المتحدة لاعتقال صدام حسين أجاب «ما عملناه كان انتهاكا لاتفاقية جنيف.. قرارنا كان بكل بساطة هو لإقناع الشعب العراقي بأن صدام بحوزتنا، حتى لو اقتضى ذلك انتهاك اتفاقية جنيف» ثم ذكر عن لقاء جمع صدام حسين مع 5 من أعضاء مجلس الحكم المؤقت الذي تبع الاحتلال ومنهم عدنان الباجة جي ذاكراً تفصيلات استفزازية خلالها، وصولاً إلى تصريحه حول مقتدى الصدر الفائز بنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة بعد سؤال وجه له حول مذكرة الاعتقال بحق الصدر، فقال «مقتدى الصدر كان أبرز خصوم الجيش الأمريكي في العراق وأكثرهم فاعلية بعد سقوط نظام صدام حسين» وتابع زاعماً أنه ليس هو «من أصدر مذكرة اعتقال بحق مقتدى الصدر في عام 2003، وأنه لم تكن لديه السلطة لإصدار هذه المذكرة... المذكرة صدرت عن سلطة عراقية مستقلة، وفق أدلة تثبت تورط الصدر في عملية اغتيال ابن العالم أبي القاسم الخوئي [المرجع الإسلامي الشيعي قبل علي السيستاني في العراق]».
لا حاجة للكثير من الاجتهاد لرؤية الهدف من هذا السرد وذكر هذه المزاعم في هذه اللحظات تحديداً من التوترات الكبيرة الجارية بين التيار الصدري وفصائل المقاومة العراقية ومختلف القوى السياسية العراقية الأخرى بالتوازي مع خروج القوات الأمريكية- غير الواضح تماماً إثر تصريحات ماكنزي- والتي تهدف بالمحصلة إلى محاولات تفجير الوضع الداخلي العراقي المتأزم نحو محاولة إحياء حرب أهلية جديدة به بوجود داعش بـ «اسم مختلف».
على أية حال، نُسميها محاولات، فعلى الطرف المقابل، وبطبيعة الحال، سواء لدى الأطراف المحلية من فصائل المقاومة أو إقليمياً إيران أو دولياً روسيا، نجد طروحات عقلانية وتعاملاً هادئاً مع هذه التطورات نتيجةً لخبرتهم طويلة الأمد بالتعامل الأمريكي من جهة، وتعارض مصالحهم مع المصلحة الأمريكية نحو التهدئة والحلول السلمية من جهة أخرى، دون استبعاد الحلول العسكرية إن لزم الأمر، علماً أن هذا النشاط العسكري يجري توجيهه نحو القوات الأمريكية فقط.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1048
آخر تعديل على الأحد, 26 كانون1/ديسمبر 2021 00:28