نتائج الانتخابات العراقية والتطورات المقبلة
بعد طول حملة الدعاية والترويج والتحريض الإعلامي والسياسي للانتخابات البرلمانية العراقية والمشاركة بها ترشيحاً وتصويتاً، أعلنت النتائج يوم السبت 16 تشرين الأول، وكان أهم ما فيها هي: نسبة المشاركة المتدنية جداً من قبل الشعب العراقي بالمقارنة مع العقدين الماضيين.
النتائج
أظهرت نتائج المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق حصول «التيار الصدري» برئاسة مقتدى الصدر على العدد الأكبر بـ 73 مقعداً، تلاه كتلة «تقدم» برئاسة محمد الحلبوسي بـ 38 مقعداً، وثالثاً: كتلة «دولة القانون» برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بـ 37 مقعداً، من أصل 329 مقعداً برلمانياً، فيما حصل تحالف «فتح» برئاسة هادي العامري على 14 مقعداً، وهو الذي أحرز المركز الثاني بالانتخابات السابقة في 2018 حيث فاز حينها بـ 48 مقعداً... وفي إقليم كردستان العراق فاز الحزب الديمقراطي الكردستاني.
رفض وخلافات
بطبيعة الحال، أفرزت العملية الانتخابية، فضلاً عن الأصوات، خلافات واستقطابات بين مختلف القوى السياسية العراقية، حيث أعلن هادي العامري عن تحالف «الفتح» رفض الانتخابات، بالمثل من ائتلاف «الوطنية» برئاسة إياد علاوي، كما أعلن «الإطار التنسيقي» الذي يضم أحزاباً وفصائل شيعية رفضه لنتائج الانتخابات، فيما دعت حركتا «حقوق» و«عصائب أهل الحق» جماهيرهما للاحتجاج.
من بين الخلافات الأولية التي برزت على السطح، ما حصل بين «الإطار التنسيقي» و«التيار الصدري» حيث صرّح الأول عبر بيان صحفي «ما ظهر في اليومين الماضيين من فوضى في إعلان النتائج، وتخبط في الإجراءات، وعدم دقة في عرض الوقائع، قد عزز عدم ثقتنا بإجراءات المفوضية، مما يدعونا إلى التأكيد مجدداً على رفضنا لما أعلن من نتائج» وتابع، بأن «المضي بهذه النتائج يهدد بتعريض السلم الأهلي للخطر»، وهو ما استدعى رداً من التيار الصدري، حيث قال مقتدى الصدر «لن يتزعزع السلم الأهلي في وطني ... أوصي بضبط النفس وتقديم المصالح العامة على الخاصة» وليعيد الأول رده قائلاً: إن ما حصل «سينعكس سلباً على المسار الديمقراطي والوفاق المجتمعي».
النتائج هي خطوة أولى فحسب
إن الانتخابات البرلمانية العراقية وانتهاءها، تعني تماماً بدء الصراع على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ورئاستها وتوزيع الحصص والمناصب الحكومية بالاستناد إلى عاملين أساسيين متوازيين: مصادر التدفقات المالية من هذ المناصب، والتحكم بها بالتوازي مع مراكز السلطة الأقوى والأكثر تأثيراً، وهي المناصب التي سيتباحثها البرلمان المقبل، وبدرجة أولى بين القوى الثلاثة الأكبر: التيار الصدري وكتلة التقدم وكتلة دولة القانون، فضلاً عن إقامة أية تحالفات أو تكتلات من القوى ذات المقاعد الأقل، والتي ستؤثر على عملية اتخاذ القرار ضمن البرلمان، مما يعني، بالإضافة للتجارب السابقة، إلى أن عملية اختيار رئاسة الحكومة وتشكيلها قد تمتد لوقت طويل آخر، فضلاً عن أنه قد تنتج خلافات سياسية أعمق بين القوى العراقية جميعها.
وباختصار، فإن هذا الخط العام يعني أمراً واحداً: لم يتغير شيء بالنسبة للعراقيين، وبقيت منظومة المحاصصة العراقية على ما هي عليه بآلياتها وسياستها، وكيفية عملها، بصرف النظر عن الرابحين والخاسرين أيّاً كانوا.
المشاركة المنخفضة هي المؤشر الأكثر أهمية
بلغت نسبة مشاركة العراقيين في التصويت بالانتخابات البرلمانية 43% فقط، وهذا الرقم وفقاً لمفوضية الانتخابات العراقية الرسمية، وهي نسبة أقل بكثير مما كان متوقعاً للحكومة العراقية ورئيسها مصطفى الكاظمي ولمختلف القوى السياسية العراقية، ولا بد من الإشارة على أن أعداداً كبيرة من المشاركين قد صوتوا إثر عمليات شراء الأصوات، أو الوعود بعينات مادية كملبس ومسكن وتمكين خدمات عامة وغيره بالاستفادة من الظروف المعيشية السيئة والمتدنية جداً، بالإضافة إلى عوامل أخرى ليس أقلها الدعاية الكبيرة والتحريض السياسي للمشاركة، مما يعني بأن النسبة الحقيقية والواعية للمشاركين بوضعها في تحليل سياسي صحيح هي أقل من ذلك بكثير، لتشير هذه النسبة المنخفضة إلى عدة أمور، أولها: حالة الإحباط وفقدان الأمل من المنظومة العراقية الحالية وانتخاباتها أيّاً تكن. وثانياً: حالة القطع المتزايدة بين القوى السياسية العراقية والجمهور العراقي بأسره. وثالثاً والأهم: هو الإشارة الرسمية بأن أغلبية العراقيين مناهضين للمنظومة العراقية ولمختلف قواها السياسية، ويشكلون بمجموعهم خزاناً شعبياً قابلاً للانفجار في أية لحظة، بالمثل من انتفاضة تشرين في عام 2019، بل وبدرجة وزخم أعلى وأكبر حينما تتوفر الظروف الملائمة، وأخيراً، إن هذه الأغلبية بدورها قابلة وقادرة على إنتاج وتبني تيارها السياسي الذي يعبر عنها وعن مصالحها بالتغيير الجذري والحقيقي الوطني، والاستقلال عن التدخلات والهيمنة الخارجية أيّاً تكن مستقبلاً، وهو الأمر الماضي في تطوره أساساً.
واشنطن حققت هدفها؟
وفقاً للاتفاق العراقي- الأمريكي يجب على واشنطن إخراج كافة قواتها «المقاتلة» من العراق في موعد أقصاه آخر العام الجاري، أي بمدة حوالي شهرين ونصف من الآن، وهي فترة قد لا تكون كافية للبرلمان العراقي لإنتاج حكومته الجديدة إذا ما نشبت أية خلافات حول هذا الأمر، فضلاً عن أن خروج القوات الأمريكية نفسه سيؤثر مباشرة على عملية تشكيل الحكومة المقبلة، مما يهدد رغبة واشنطن بتمتين منظومتها العراقية ومباركتها لها، وتثبيتها بمعادلات تناسبها قُبيل انخفاض وزنها، فضلاً عن رغبة ومساعي واشنطن الحثيثة بتخفيض الوزن الإيراني في العراق، لما يماثل الوزن الأمريكي بعد الانسحاب بالحد الأدنى، وهو الهدف غير المضمون، ولا يمكن ضمانته وتثبيته لمصلحة لواشنطن بطبيعة الحال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1040