اضطرابات الحدود الإيرانية- الأذرية اختبار جديد للقوى الصاعدة

اضطرابات الحدود الإيرانية- الأذرية اختبار جديد للقوى الصاعدة

تشهد العلاقات الإيرانية- الأذرية مرحلة حرجة بعد تصاعد سريع في حدة التصريحات والانتقادات المتبادلة بين البلدين الجارين، التي وصلت اليوم إلى تصعيد أمني وعسكري، تجسد بإطلاق إيران لمناورات عسكرية واسعة على الحدود الأذرية، والذي ترى فيه باكو تصرفاً مستغرباً من الجانب الإيراني. ما هي الملامح العامة لهذه الخلافات، وكيف يمكن قراءتها ضمن التطورات التي تعيشها المنطقة؟

التوتر الذي تشهده العلاقات بين طهران وباكو تحرك بشكل مباشر بسبب «أزمة الشاحنات الإيرانية» التي تحدث عنها المسؤولون الأذريون، والتي دفعت المشاكل المتراكمة بين البلدين إلى السطح بشكلٍ سريع جداً.

أزمة الشاحنات

شرّح الرئيس الأذري إلهام علييف تطور المشكلة في تصريحات أدلى بها في أواخر شهر أيلول الماضي لوكالة الأناضول التركية، إذ قال علييف: إن بلاده رصدت عبر الأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة دخول شاحنات إيرانية باتجاه قراه باغ، التي تحولت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى ساحة صراع دائم بين أرمينيا وأذربيجان، وأشار علييف في هذه التصريحات حول الشاحنات الإيرانية، إلى أن الأخيرة حاولت تمويه هذه الشحنات بوضع عليها لافتات باللغة الأرمينية، وأكد «أنها تدخل إلى المنطقة بشكل غير قانوني». ثم ذكّر بأنها ليست المرة الأولى التي تعبّر باكو فيها عن غضبها من السلوك الإيراني، وقال للوكالة التركية: إن بلاده اكتفت «بالتحذير الشفهي في المرة الأولى، ومذكرة رسمية في المرة الثانية، فيما شهدت المرة الثالثة نشر نقاط التفتيش وقوات حرس الحدود والجمارك والشرطة، مما أدى إلى توقف وصول الشاحنات من إيران».
قضية الشاحنات التي تحاول أذربيجان أن تقول إنها سبب المشكلة تقابل من الجانب الإيراني بنوع من البرود، فطهران تقول إنها كانت مستعدة لدفع «الرسوم الترانزيت» لو طلب منها عبر القنوات الدبلوماسية، وجاء هذا حسب تصريحات وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين أمير عبد اللهيان، الذي استنكر قيام أذربيجان باعتقال سائقي الشاحنات، وأشار بشكل واضح إلى طبيعة مخاوف إيران لما يجري في أراضي جارتها.

إيران
«هناك ما يهدد أمننا الوطني»

إيران تعلن- بوضوح- تخوفها من تعاظم الدور الصهيوني في أراضي أذربيجان، وخصوصاً أن الأخيرة تتمتع بعلاقات جيدة مع الكيان الذي زود باكو بأسلحة كانت ضمن العتاد العسكري الذي استخدمته في حربها الأخيرة مع أرمينيا، ولذلك تعتبر إيران أن مناوراتها العسكرية الحالية على حدود أذربيجان، والتي بدت تطوراً مبالغاً فيه لأزمة الشاحنات، ما هي إلا رد فعل طبيعي على معلومات تقول طهران أنها تملكها حول أنشطة صهيونية على الحدود، تهدف لإيجاد مركز جديد لتنفيذ هجمات استخباراتية ضد إيران، كتلك التي قام بها مركز الاستخبارات الصهيوني الموجود في كردستان العراق، فالكيان الصهيوني عمل بشكل واضح على تثبيت موطئ قدم في مناطق تحيط بإيران بهدف جمع المعلومات وتنفيذ هجمات نوعية اتجاه قطاعات حيوية داخل إيران، التي ترى أن الوجود الصهيوني في الخليج وتعاظم حضوره في كردستان العراق يشكّل مع المؤشرات القادمة من أراضي أذربيجان إشارات شديدة الخطورة تجاه الأمن الوطني الإيراني، مما يفرض عليها التصدي لها بشكلٍ صارم.

الظرف الجديد يخلق تهديدات جديدة

خريطة السيطرة في إقليم قره باغ اختلفت بعد الحرب الأخيرة، وخسرت إيران حدودها مع أرمينيا بعد أن باتت الأراضي الفاصلة بين البلدين تحت سيطرة القوات الأذرية- بوجود لقوات حفظ السلام الروسية- وعلى الرغم من أن إيران تنظر بنوع من الإيجابية تجاه مطالب أذربيجان في قره باغ، إلا أنها لا ترغب في تحوّل جزء من حدودها إلى نقطة تماس مباشر مع الاستخبارات الصهيونية، التي لعبت أقذر الأدوار في النزاع الدائر بين أذربيجان وأرمينيا وحاولت تدعيم نقاط ارتكاز لها في تلك المنطقة الحساسة.
يرى البعض كما لو أن إيران تضع الأنشطة الصهيونية كذريعة للتدخل في شؤون الدول المحيطة فيها وزيادة نفوذها ضمن محيطها الحيوي، مشكلة الطرح هذا أنه ينطلق من أن الخطر الصهيوني والأمريكي في المنطقة غير موجود إلا في «عقل إيران المرتاب» وهو ما يدل على قصر نظر كبير، فإيران ترى تهديدات أخرى في أذربيجان وتعتبر القومية الأذرية الكبيرة داخل إيران، والتي ترفع قائمة مطالب كبيرة كأحد الأمثلة على المخاطر التي تراها إيران في أذربيجان، لكن طهران تستطيع بناء علاقات متينة مع أذربيجان، وهو ما تريده وتسعى فعلاً له، لأن توتراً على حدودها الشمالية يعد تهديداً أخطر إذا ما جرت مقارنته «بخطر» الامتدادات القومية الأذرية داخل إيران وهو مسألة ماثلة أمام كل دول المنطقة التي لا تعكس حدودها السياسية خريطة التوزع القومي والأثني في منطقتنا المتنوعة. ما نقصده هنا: أن التناقضات الموجودة في منطقتنا- والتي ترجع في أغلبيتها إلى التقسيم الاستعماري- كانت دائماً موضوعاً لتوتر العلاقات بين بلدانها، ولا شك أن هذه التوترات أخذت في كثير من الأحيان أشكال الصدامات العسكرية والأمنية، إلا أن الدور الصهيوني والذي يلعب دور اً متمماً لقوى الاستعمار القديمة التي رأت ضرورة بقاء حالة التوتر والصراع بين القوميات والطوائف الأساسية في المنطقة، يرى ضرورة لتدعيم وجوده في منطقة جنوب القوقاز، التي تشكل إحدى نقاط التماس، وتقاطع المصالح بين ثلاثي أستانا «تركيا- إيران- روسيا» أي أنها ساحة حاولت فيها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني خلق توترات من شأنها تقويض العلاقات الثلاثية التي تشكّل تهديداً إستراتيجياً لمصالح الغرب والكيان الصهيوني في المنطقة.

التطورات المقلقة وحشد القوات الإيرانية على حدود أذربيجان الجنوبية يشكل ميداناً جديداً لاختبار «آليات امتصاص الصدمات» التي تنشأ في المنطقة، والتي نجحت سابقاً بإيجاد أرضية للتفاهم بعد اندلاع المعارك في قره باغ. الكيان الصهيوني ووكالات الأنباء الغربية عملت دائماً على تضخيم علاقات الكيان مع باكو، وتوريط هذه الأخيرة في شراكة لا خير فيها، وكان أحد أهم الأهداف من ذلك هو توتير علاقات إيران مع أذربيجان، بل ربما دفع طهران لعمل عسكري في المنطقة، مما سيخلق أزمة كبيرة في العلاقات الإيرانية- الروسية- التركية. هذا الخطر ليس غائباً عن الدول الثلاث، ويجري التعامل معه، وهذا ما سوف تبرهن عليه الأحداث القادمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1038
آخر تعديل على الإثنين, 04 تشرين1/أكتوير 2021 04:19