السودان… فرصة جديدة للتغيير تلوح في الأفق

السودان… فرصة جديدة للتغيير تلوح في الأفق

أعلن في صباح يوم الثلاثاء 21 من شهر أيلول الجاري عن إحباط محاولة لانقلاب عسكري في السودان، الذي يشهد أوضاعاً مضطربة على كلّ الأصعدة، وفي الوقت الذي تشكك بعض القوى السياسية بالرواية الرسمية حول الانقلاب، يتمسك مجلس السيادة السوداني بروايته، ويؤكد ضلوع فلول النظام السابق في محاولة الانقلاب الجديدة.

التشكيك الحاصل حول المحاولة الانقلابية التي قادها قائد سلاح المدرعات اللواء الركن عبد الباقي الحسن عثمان بمساندة 22 ضابطاً، نابع بشكلٍ أساسي من عدم الثقة بالمجلس السيادي، الذي يسيطر المكون العسكري فيه بشكلٍ واضح، لكن الحدث وبغض النظر عن خفاياه يعطي مؤشراً إضافياً للاتجاه الذي يمضي السودان به.

أعلن في صباح يوم الثلاثاء 21 من شهر أيلول الجاري عن إحباط محاولة لانقلاب عسكري في السودان، الذي يشهد أوضاعاً مضطربة على كلّ الأصعدة، وفي الوقت الذي تشكك بعض القوى السياسية بالرواية الرسمية حول الانقلاب، يتمسك مجلس السيادة السوداني بروايته، ويؤكد ضلوع فلول النظام السابق في محاولة الانقلاب الجديدة.

تداعيات المحاولة الانقلابية

لم تستغرق السلطات الأمنية والعسكرية في السودان وقتاً طويلاً حتى أعلنت عن سيطرتها المستمرة على مفاصل القوات المسلحة في البلاد، وعن نجاحها بوأد محاولات الانقلاب، لكن التطورات الجارية في السودان لم تبدأ مع هذه المحاولة، ولن تنتهي معها، فسلسلة التصريحات التي تلتها أظهرت مشكلة مزمنة بعلاقة القوة السياسية مع بعضها «ومن ضمنها القوى العسكرية التي تعد أكثر القوى السياسية نفوذاً في السلطة». فرئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، اعتبر أن بلاده تعلمت من تجربة الانقلابات العسكرية التي قطعت الطريق دائماً أمام الديمقراطية حسب قوله، الملفت في حديث رئيس الوزراء الذي حمّل فلول النظام السابق المسؤولية عن محاولة الانقلاب هو اعتباره أن الفوضى التي تجري في شرق السودان مع محاولة الانقلاب الأخيرة ما هي إلا جزء من مخطط منظم من شأنه أن يهدد المرحلة الانتقالية.

من هم فلول النظام المتورطين؟!

لا شك في أن «حراس النظام القديم» يسعون لإعاقة المرحلة الانتقالية في السودان، لكن حديث حمدوك بدا كما لو أنه غافل عن مواقع «الفلول» في البلاد، مما يفرض علينا توضيح بعض النقاط التي يحاول البعض خلطها بهدف إخفائها بعد أن كانت شديدة الوضوح، ورغم أنه لم يمض وقتٌ طويل على الانتفاضة السودانية في أواخر 2018، فالرئيس عمر البشير ، والذي حاول السيطرة على الاحتجاجات الواسعة في بلاده وقمعها كرد فعل طبيعي للأنظمة الفاسدة، استعان في ذلك الوقت باللجنة أمنية تلك التي أظهرت الأحداث أنها كانت أحد أهم أركان النظام السابق وعصبه الأساسي، فما كان من اللجنة الأمنية إلا أن أزاحت البشير عن السلطة في محاولة لإيهام الجماهير بأن تغييراً حقيقياً يجري، كما لو أنها في عرضٍ لألعاب الخفة، تخفي فيه النظام السابق تحت ستارة حمراء ليظهر «نظام جديد» بعد رفعها.
إجراء اللجنة الأمنية والذي بات سلوكاً كلاسيكياً للأنظمة في احتواء الحركات الاحتجاجية لم يكن كافياً في السودان، فالشارع كان يتفاعل مع مجموعة من القوى السياسية القديمة والجديدة الناشئة، والتي كانت تتمتع بدرجة حسنة من التنظيم، وبعلاقة حقيقية «رغم محدوديتها» مع الشارع السوداني، مما فرض على اللجنة الأمنية- التي باتت تدعي أنها المدافع عن مطالب الناس- بالتواصل مع هذه المكونات، وحاولت فرزها عبر استمالة تلك العناصر الانتهازية منها، وإبعاد العناصر الأكثر جذرية التي فضلت بدورها خوض المعركة بعيداً عن المحاصصات السياسية. المجلس السيادي السوداني والذي جرى الاتفاق على انشائه من قبل طرفين، هما المجلس العسكري «أي اللجنة الأمنية التي شكّلت لاحتواء الانتفاضة» وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير السوداني، الذي يحتوي في صفوفه العديد من العناصر الانتهازية، والتي قبلت في إنعاش النظام السابق وقدمّت سلسلة من التنازلات للمجلس العسكري الذي بدا كما لو أنه المتحكم الأساسي بمفاصل الأمور.

بوادر الانشقاق

الجناح المدني من مجلس السيادة السوداني والذي «أدرك» متأخراً أنه أداة بيد المجلس العسكري، بات يعطي إشارات تململ من سلوك المجلس، ولذلك خرج رئيس مجلس السيادة وعضو اللجنة الأمنية السابقة المذكورة عبد الفتاح البرهان ليؤكد أنه ما من جهة تستطيع إبعاد القوات النظامية من المشهد خلال المرحلة الانتقالية، وأضاف: «لا تقبل القوات المسلحة أي تسلط عليها من أية جهة سياسية، وأن الحملة الممنهجة ضدها لن تثنيها عن أهدافها» ووجه أصابع الاتهام إلى «السياسيين» في إشارة إلى القوى المدنية في مجلس السيادة وخارجه، بأنهم مسؤولون عن تردي الأوضاع، وقال: إن الفضل في إحباط محاولة الانقلاب جرى بفضل القوات المسلحة، معتبراً تحكمهم بمفاصل البلاد يعتبر شرطاً ضرورياً للانتقال الديمقراطي!
يحاول البعض فهم دوافع الأصوات التي بدأت تنتقد سلوك المجلس العسكري من داخل المجلس السيادي، والتي يبدو أنها أدركت أنه يقوم بجملة من الخطوات التي من شأنها أن تعيد البلاد إلى نقطة الصفر، فمن جهة يفترض حسب الوثيقة التي جرى توقيعها بين الطرفين، أن يتم تسليم رئاسة المجلس التي يشغلها البرهان حالياً إلى أحد العناصر المدنية ضمن «السيادي» وهو ما يسعى المجلس إلى تجاهله أو تأجيله. ويحاول المجلس العسكري تحميل القوى السياسية التي وقعت معهم على الاتفاقية مسؤولية الأوضاع المتردية في البلاد على الرغم من أنهم يعرفون أن السلطة الأساسية لا تزال في أيديهم، وبأن وزن الجناح المدني لا يذكر. لكن الأخطر من كل هذا، هو أن «حراس النظام القديم» مستعدون «للاستعانة بالشيطان» على أن يقبلوا بعملية تغيير سياسي حقيقي، مما يجعلهم مستعدين للعمل كأتباع للولايات المتحدة والكيان الصهيوني من جهة، وقبولهم بالقيام بالمغامرات الخطرة داخل البلاد التي من شأنها أن تهدد ما تبقى من وحدتها.

المخرج من المأزق الكبير

يعتبر أحد الأمثلة الأبرز على تفريط مجلس السيادة بالأمن الوطني في السودان، هي الأحداث الجارية حالياً في ولاية البحر الأحمر في شرق البلاد، والتي تشهد احتجاجات يقودها «المجلس الأعلى لنظارات البجا» والذي يعتبر بمثابة ائتلاف لقيادات محلية، والتي باتت تمارس ضغطاً على الخرطوم عبر إغلاق مطار بورتسودان الدولي وقطع شبكة المواصلات، وإيقاف خط نقل النفط من مدينة هيا إلى العاصمة، وهو ما يهدد بشكل كبير سلطة الدولة على أجزاء واسعة من البلاد.
تكمن مسؤولية مجلس السيادة السوداني في اتفاقية السلام التي وقعّت في جوبا في تشرين الأول الماضي، والتي كانت استجابة لضرورة وطنية بتوقيع اتفاق سلام مع الفصائل المسلحة التي تخوض معارك مع الجيش، لكنها لم تكن كافية لحل المشكلة، وهذا ما تنبهت له مجموعة من القوى السياسية أبرزها الحزب الشيوعي السوداني، والذي قال في بيان له في 1 تشرين الأول من العام الماضي: إن «اتفاقية جوبا بصورتها الراهنة لن تحقق السلام المنشود؛ بل على العكس من ذلك فإنها سوف تخلق توترات ونزاعات جديدة بين سكان مناطق الحروب، وكذلك سكان المناطق الأخرى في السودان» وهذا ما يحصل اليوم بالفعل.
ينتظر السودان في 30 أيلول الجاري استجابة شعبية لحركة احتجاجية جديدة تحافظ على مسار التغيير الذي يجري التضييق عليه بدعوة من قوى سياسية كثيرة، التصدعات التي تبدأ بالتبلور في المجلس السيادي قد تعطي زخماً إضافياً للشارع الذي استكان بانتظار نتائج لم تأت أبداً.. المعركة القادمة المرتقبة ستكون أشد، وتحتاج إلى حركة شديدة التنظيم، وفي الوقت نفسه ستكتسب زخماً مضاعفاً بعد أن باتت بوادر فشل مناورة النظام القائم، مما يفتح الباب واسعاً لفرصة جديدة للتغيير

معلومات إضافية

العدد رقم:
1037
آخر تعديل على الأربعاء, 29 أيلول/سبتمبر 2021 11:02