حول خلفيات ومآلات الصراع المغربي-الجزائري

حول خلفيات ومآلات الصراع المغربي-الجزائري

تعود الخلافات الجزائرية- المغربية إلى عقودٍ خلت، منذ فترة ما بعد الاحتلالين الإسباني والفرنسي وما تركاه خلفهما من خلافات وأزمات حدودية وإقليمية في كلا البلدين، وكصدى لموازين القوى الدولية في ذلك الوقت حين افترق البلدان سياسياً باصطفافهم لمعسكرين مختلفين شرقاً وغرباً، يتكرر المشهد الآن وفق موازين القوى الدولية الجديدة وتغيراتها، ورغم أن جانب الاستمرارية من الخلافات والصراعات القديمة صحيح، إلا أن رؤية هذا الجانب لوحده، وإرجاع خلافات الحاضر برمتها إلى ما قبل 30 و40 عاماً فقط يعكس نظرة أحادية وجامدة لطبيعة الخلافات الجارية وتطورها، فضلاً عن أن نظرة من هذا النوع تدفع بالتفكير بعقلية الفضاءات السياسية القديمة التي تتماوت، لتخلص إلى استنتاجات أقرب ما تكون بالعبثية.

على مدى عدة عقود، تعمقت الخلافات الجزائرية- المغربية وتتمظهر مؤخراً بـ 5 عناوين رئيسية، أولها: ملف الصحراء الغربية ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو والدفع نحو تنفيذ القرار الدولي 690 من عام 1991 الذي ينص على إقامة استفتاء شعبي لتقرير المصير. والثاني: التجاوز المغربي لهذا القرار، بل ومخالفته بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر الاعتراف الأحادي بسلطة المغرب على الصحراء الغربية كمساومة ومقايضة بتطبيع المغرب لعلاقاته مع الكيان الصهيوني، بما يخدم مصلحة الأمريكي. والثالث: دعم المغرب للتنظيمات التي تصنفها الجزائر بالإرهابية في منطقة القبائل وعلى رأسها تنظيم «ماك» بقيادة فرحات مهني، والذي بدوره يميل إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، واتهام هذا التنظيم من قبل الحكومة الجزائرية بالوقوف خلف الحرائق والجرائم الأخيرة. ورابعاً: الخلافات الحدودية. أما خامساً وأخيراً: فهي مسألة التطبيع وجعل المغرب قاعدة عمليات استخباراتية إسرائيلية تقوم عبرها بالتجسس على السياسيين والمواطنين الجزائريين عبر برنامج «بيغاسوس» وفق التصريحات الرسمية الجزائرية.

المتغيرات على مدى عقود

ما قد يغيب عن بال المتتبع لهذه الخلافات ومجرياتها الأخيرة، هو علاقتها مع كل من المتغيرات الدولية من جهة، والمتغيرات المحلية الخاصة بكلٍ من البلدين، وارتباط هذه العوامل الدولية والإقليمية والمحلية بعضها ببعض، ففيما يبدو لأول وهلة بأن الجانب الإقليمي ثابت ومستمر منذ قديم الزمان ليطفو ويخبو كل حين، إلا أن رؤية الجانبين الدولي والمحلي تؤكد غير ذلك.
على الجانب الدولي، فإن النقطة الأعم والأكثر أساسيةً هي: الوزن الأمريكي والغربي عموماً، والذي كان الأكبر خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وانسحاب قوى الاستعمار من كلا البلدين، وقيام الاحتلال الصهيوني بـ«دولته الإسرائيلية» الناشئة بعدها، بمقابل التراجع الأمريكي الجاري اليوم والذي بدوره يسعى لتقديم كل ما يستطيع لسلاحه الصهيوني في المنطقة، قبل أن يفقد قدرته كلياً على دعمه عبر تحصيل اتفاقيات تطبيع متسرعة مع الحكومات، وتوتير كل من يخالف هذا التوجه، بالإضافة إلى التحذيرات الآتية من داخل الكيان نفسه حول مستقبل الكيان ووجوده أساساً، ومن جهة أخرى، فإذا ما كان الميزان الدولي القديم يتميز بأحادية قطبية، وبسياسة حربية وكسر عظم بالشكل العسكري بين المتصارعين عموماً، فإن الميزان الجديد وسياسته تثبت اتجاه التعددية والحوار والحلول السياسية، بما يشمل الملف الجزائري- المغربي.
وتجدر الإشارة إلى أن القرار المذكور سابقاً والذي صدر في ذروة الأحادية القطبية بنفس عام انهيار الاتحاد السوفييتي، لم يتمكن من تجاوز الإرادة الشعبية للصحراء الغربية والجزائر وكل من كان بصفهم، وجل ما استطاع الغربيون فعله هو تغييبه، ويعود الحديث عنه اليوم نحو تطبيقه تماماً.
أما على الجانب المحلي، فقد اشترك شعبا البلدين خلال العقد الأخير بموجة الحراكات الشعبية التي عمت المنطقة خلال العقد السابق، والتي لن تهدأ بدورها مستقبلاً حتى تنفيذ مطالبها بالتغيير الحقيقي، فرغم التباينات والخلافات بين المنظومتين المغربية والجزائرية بالمسائل الإقليمية والدولية، إلا أن كلاً منهما يتشابه مع الآخر بجوانب النهب والفساد، وما ينتجانه من أزمات داخلية معيشية وسياسية أعم وأكبر من سابقتها، مما يؤدي إلى تسريع قيام الموجات الشعبية طرداً مع ازدياد نسب الاحتقان وعدم الرضا، ويوسعها، بمقابل ضعف وتراجع كلتا المنظومتين، نحو تغييرهما تماماً.

مستقبل الصراع

بناء على رؤية هذه العوامل وتطوراتها وكل المتغيرات التي ستجري ضمنها، يمكن استنتاج أمرين، الأول: على المدى القريب، هو أن موازين القوى الدولية الحالية بالتوازي مع الأزمات الداخلية لكل من المغرب والجزائر لا تسمح ولن تسمح بتصعيد الخلافات بين البلدين نحو صدام عسكري جديد. والثاني على المدى الأبعد: هو أن حل هذه الخلافات يرتبط بالدرجة الأولى بالتغييرات السياسية القادمة في كل من البلدين نحو الحوار والحلول السياسية للخلافات، وتنفيذ القرار الدولي السابق، وكل ما يرتبط به.

العبثية الوحيدة الصحيحة

على العكس من الاستنتاجات السائدة، والتي تعم عقول المحللين بـ«أبدية الصراع» ما لم تتوقف الجزائر عن دعم البوليساريو ودخولها حظيرة التطبيع، فإن العبثية الوحيدة الموجودة بطريقٍ مسدود، هي مساعي الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل» بكسب الجزائر، وحتى المغرب، لصالحهما، حيث أن مجمل موجات التطبيع سواء القديمة منها أو الأخيرة، تعبر عن مساعي ومصالح الحكومات والأنظمة الفاسدة نفسها فقط.... تلك الأنظمة التي هبّت الشعوب بوجهها ولن يطول الوقت قبل أن يبدأ دومينو التغيير ليصيبها على التتالي، ويشمل فلسطين نفسها، لينسف كل تلك الأحلام الأمريكية والصهيونية ويعكسها إلى كوابيس حقيقية.
إنّ إعلان الجزائر قطعها العلاقات مع المغرب خلال الأسبوع الماضي، وما سيتطور عن ذلك من تصعيد لن يؤدي إلا إلى تحريك الملف دولياً، ليجري ضمّه إلى جانب الملفات الدولية الراهنة، لنشاهد بعد النشاط العربي والإفريقي والفرنسي بالمعنى الإقليمي، بدء النشاط الدولي الروسي والأمريكي ضمنه، ليخلص بتحييد الأخيرة وتقليص طموحاتها إلى حدود المناورات لكسب حصة بسيطة، إن تمكنت من ذلك أساساً، مثلما يجري في كل الملفات الأخرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1033
آخر تعديل على الإثنين, 30 آب/أغسطس 2021 23:33