هل ما تشهده تونس تغييرٌ متأخرٌ للنظام؟
تتجه الأنظار إلى تونس مجدداً، بعد هدوء نسبي تلا النار التي خمدت في جسد بوعزيزي، فتونس التي أطلقت شرارة «الربيع العربي» لم تصل إلى نتائجه بعد أكثر من عقد كامل، لتثبت الأحداث الجارية حجم التسطيح في تفسير وصياغة الشعارات السياسية التي روج لها «سارقوا الثروة» في المنطقة العربية، وحاولوا تنصيب أنفسهم كعرابين لمرحلة التغيير المنشود.
أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد عن سلسلة من الإجراءات المفاجئة، حيث أقال رئيس الوزراء هشام المشيشي، وجمّد نشاط البرلمان الذي يسيطر عليه حزب النهضة لمدة 30 يوماً، وقام بإجراءات تهدف حسب الإعلان لمحاربة الفساد واسترداد أموال الشعب المنهوبة. شكّلت هذه الإجراءات سلسلة من ردود الفعل الداخلية والإقليمية والدولية، وانقسمت الآراء بين من رأى في خطوات السعيّد «تقويضاً للديمقراطية في تونس» وبين من رأى فيها إجراءات ترتبط بتغييرات عميقة في جهاز الدولة و «ضرباً للفساد وتقييداً لنشاط الإخوان المسلمين». ودارت المعارك الإعلامية والسياسية وكثرت التصريحات والتحليلات، والتي غاب عنها سؤالٌ شديد الأهمية: ما الذي يجري؟ ولماذا يجري؟
التغيير لم ينجز بعد!
كانت تجربة الحركة الشعبية في تونس- ولحسن الحظ- الأقل تضرراً من العنف، فالأحداث التي شهدتها تونس منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية وحتى اللحظة لم تحمّل البلاد فاتورة دماء ودمار كبيرة كغيرها من الدول العربية، لكن ما جرى إبعاده عن الصورة وبشكل مقصود، هو أن التغيير الفعلي الذي جرى بإزاحة الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لم يكن إلّا إجراءً شكلياً، لا يمكن اعتباره تغييراً جذرياً للنظام الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، لا شك أن ما حققته الحركة الشعبية وقتها كان خطوة لابد منها، ولكنها لن تكون حلاً للمشاكل العميقة في المجتمع، والتي جاءت الحركة الشعبية كتعبيرٍ عن تراكمها. ومن هنا يمكننا الرد على أولئك الذين يرون في إجراءات سعيّد «تقويضاً للديموقراطية». فالديمقراطية التي يحرصون عليها هي تلك الإجراءات التجميلية التي جرت على النظام التونسي في زمن بن علي، والذي بقي حتى يومنا هذا دون تغيير عناصره الأكثر جوهرية، بدليل أنه لم يحدث في تونس توزيع جديد للثروة لمصلحة الأغلبية. فالسنوات التي عاشتها تونس منذ إزاحة بن علي غيرت بعض الوجوه، لكنها لم تعالج الأسباب الحقيقية للمشكلة، مما كان ينبئ بأن تقلبات جديدة ستشهدها الساحة التونسية، وهذا ما يجري الآن.
صراعٌ على السلطة أم ماذا؟
لا يعني الحديث السابق أن إجراءات الرئيس الحالي قيس سعيّد تعد بالضرورة استكمالاً للثورة الشعبية، لكن المستهدفين من هذه الإجراءات يمثلون بلا شك امتداداً للنظام السابق، ويرفعون البرنامج الاقتصادي- الاجتماعي ذاته الذي تبناه النظام في أيام بن علي. يتحرك قيس سعيّد مدعوماً بأجزاء من جهاز الدولة التونسي، ويبدو الجيش في واجهة القوى التي يستند عليها سعيّد في إجراءاته، وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية التي حرّكت هذه الأجزاء من جهاز الدولة، إلا أنها تعد فرصة حقيقية للقوى الشعبية في تونس، والتي تنظر بعين الرضا بأغلبيتها لإجراءات سعيّد لأن تنخرط في الصراع بشكلٍ مباشر لتضمن حقوقها، وتنفيذ مطالبها التي رفعت منذ المظاهرات الأولى في البلاد، أملاً في أن تنجح تونس في تغيير النظام بشكلٍ فعلي، وتتحول لتكون النموذج الحقيقي للتغيير بعيداً عن الحلول التجميلية التي جرى تسويقها سابقاً وبعيداً عن «استلام وتسليم» بين النهابين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1029