هل تشتعل جنوب إفريقيا أم تتجاوز محنتها؟
تشهد جنوب إفريقيا منذ أسابيع موجة اضطرابات، وأحداث عنفٍ غير مسبوقة، سقط خلالها مئات القتلى والجرحى، وتضررت العديد من المحال التجارية والفعاليات الاقتصادية بشكلٍ كبير، وتترافق هذه الأحداث مع سوء في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وأزمة في تأمين الكهرباء يضاف إلى ذلك ارتفاع مرتقب في أسعار الوقود.
فما الذي يجري؟ وكيف يمكن قراءة هذه التطورات الخطيرة، التي إن تفاقمت أكثر سترفع مستويات التوتر في القارة الإفريقية مما سيخدم مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها التي باتت تعمل بشكل مكشوف على توتير الأجواء في القارة، وسيكون تفجير بلدٍ مثل جنوب إفريقيا بمثابة جائزة للمشروع الأمريكي القائم على الفوضى. وانكسار لنموذج مشرق في صراع إفريقيا في سبيل تحرير شعوبها.
الرواية المتداولة
ما يثير الاهتمام في أحداث جنوب إفريقيا، هو درجة العنف والتخريب التي ظهرت منذ البداية، مما يجعل ما يجري حدثاً مركباً وهذا ما لا يستطيع أحد إنكاره. فالأجواء أخذت تتوتر مع توجيه اتهامات فساد للرئيس السابق جاكوب زوما، والذي تولى رئاسة البلاد من 2009 حتى استقالته تحت الضغوط في 2018، وقد حامت حوله وحول المقربين منه شبهات فساد سابقة وقضايا أخرى حتى قبل أن يشغل منصب رئيس الجمهورية. ومع توجيه تهمة جديدة عادت قضية زوما بالتفاعل، وخصوصاً بعد رفضه المثول أمام المحكمة التي أصدرت بحقه حكماً بالسجن لمدة 15 شهراً بتهمة ازدراء المحكمة. وعلى إثر صدور الحكم تعهد عدد من مناصري زوما حسب ما أورد الصحفي ويليام شوقي في مقاله المنشور في جريدة النيويورك تايمز بـ «جعل البلاد عصية على الحكم»، وقاموا حسب نفس المصدر بتنظيم حملة لتخريب ونشر الفوضى، التي بدأت تتصاعد بشكل سريع، وطغت عليها أعمال النهب، وسرقة المحال التجارية، وألحقت الأضرار الجسيمة بالفعاليات الاقتصادية في البلاد التي تكبدت خسائر فادحة.
في البحث عن الإجابات الشافية
تتفق عدد من وسائل الإعلام مع سرد الأحداث الذي قدمه السيد شوقي في مقال نيويورك تايمز المذكور سابقاً، فما يجري يعكس صراعاً داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم من جهة، ولكنه يعكس حالة من الاستياء الشعبي من الأوضاع المعيشية المتردية في البلاد، فتعاني جنوب إفريقيا من خللٍ واضح في توزيع الثروة الوطنية، وتتراكم الثروات من خلال الكسب غير المشروع بأيدي القلة، في الوقت الذي ترتفع فيه نسب البطالة لتصل إلى 30% وتتعاظم الضغوط الناتجة عن انعدام المساواة لتصل إلى عتبة الانفجار. وقد أخذ الفقراء من الأحداث الجارية فرصة لتأمين مستلزماتهم المعيشية عبر السطو على المحلات، وسرقة ما عجزوا عن شرائه، مما يؤكد على درجة الحرمان وعدم الرضا الموجودة في الشارع عموماً.
أحداث العنف والتخريب الجارية أحداثٌ منظمة ومدروسة بلا شك، لكن هشاشة بنية الدولة سمحت لهذه الأحداث بأن ترفع منسوب العنف وحالة عدم الاستقرار إلى درجة غير مسبوقة وفي وقتٍ قياسي. حالة عدم الرضا الموجودة شكّلت عاملاً مساعداً لتطور الأحداث، لكنها لا تجيب وحدها عمّا يجري في البلاد، ولا تكفي بطبيعة الحال لفهم طبيعة الصراع الدائر داخل النظام الحاكم.
المؤتمر الوطني ومستقبل جنوب إفريقيا
لعب المؤتمر الوطني دوراً حاسماً في تاريخ جنوب إفريقيا، ونجح عبر نضاله الطويل بين صفوف المضطهدين في إلغاء نظام الفصل العنصري في بلاد حكمتها أقلية عرقية، كانت امتداداً للاستعمار الغربي الذي عانت منه القارة السمراء طوال تاريخها، واكتسب المؤتمر الوطني الإفريقي شعبية واسعة، وشكّل نموذجاً إيجابياً عبر بنائه نظاماً سياسياً ديموقراطياً مثّل إرادة الأغلبية وعبّر عنهم سياسياً. وللحق يتمتع المؤتمر الوطني حتى اللحظة بأوسع قاعدة شعبية وانتخابية في البلاد، لكن وجود صراع داخل هذا الحزب يفرض علينا البحث في طبيعة هذا الصراع.
فحكم الأغلبية العرقية لا يعني بالضرورة أن يخدم الحكم مصالح الأغلبية الطبقية، فالمهمة التاريخية التي أنجزها المؤتمر الوطني كانت نقلة ثورية، لكنها تبقى اليوم وبعد مرور ما يقارب 3 عقود خطوة يجب استكمالها، فالدور الذي لعبته جمهورية جنوب إفريقيا في دعم حركات التحرر والقضايا العادلة هو مكسب لا لجنوب إفريقيا فحسب، بل لكل المقهورين في إفريقيا وخارجها، ولذلك فمهمة الحفاظ على هذا الدور ورأب التصدعات الواضحة في النظام القائم مهمة ملحة، فالصراع الدائر داخل أوساط الحكم التاريخية قد يلعب دوراً إيجابياً إن جرى تحويله إلى معركة مفتوحة مع الفساد، وحوّل الطاقات الشعبية- التي تنشغل بالعنف والسطو اليوم- لخوض معركتها السياسية التي تضمن حقوقها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1029