السودان بين فكّي النظام السابق وأخيه المستحدث
ملاذ سعد ملاذ سعد

السودان بين فكّي النظام السابق وأخيه المستحدث

منذ أن جرى خلع الرئيس السوداني عمر البشير وبدء تغييرات طفيفة بهيكلية النظام السوداني على يد المجلس العسكري الانتقالي الذي تلاه في السودان منذ عامين، لم تجر أية تغييرات ملموسة إيجابية بالنسبة للبلاد وللشعب، وإنما العكس، حيث تتردى الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتتعمق الأزمات السياسية، ومعها ترتفع وتيرة المشاكل الأمنية، وتشكل هذه الجوانب بمجموعها الاتجاه العام الذي يمضي به السودان منذ عامين.

كان يوم الأربعاء الماضي 30 حزيران الذكرى الثانية لانطلاق الانتفاضة السودانية، وقد خرج خلالها السودانيون من جديد بتظاهرات واحتجاجات منددة بالأوضاع السياسية والاقتصادية ومطالبين بالتغيير وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتوضيح صلاحياتها، وغيرها من المطالب التي لم تتغير عن آخر انتفاضة في 2019، بل زاد عليها الكثير.
وبات واضحاً بالنسبة للسودانيين أن من يقود البلاد حالياً ويعمل على إعادة هيكلتها لا يختلف البتة عن سابقه سوى بالشكل الخارجي، وعلى كافة المستويات من التوجه السياسي إلى النهب والقمع، بل أضف إلى ذلك دفع البلاد إلى «حظيرة المطبعين» مع الكيان الصهيوني.
وبينما تتهم الحكومة السودانية حالياً «فلول النظام السابق» بمحاولاتهم نشر الفوضى وإعاقة التقدم وتوتير الأوضاع، محملين كل ما يجري على مخلفات «النظام السابق» وفق تعبيراتهم، يتهم الأخيرون الحكومة الحالية وجميع إجراءاتها بدفع السودان نحو كارثة اقتصادية وأزمة سياسية طويلة، وبين هذا وذاك يقف السودانيون محتجين على كليهما بسياساتهما التي لا تختلف فيما بينهما أبعد من الشكل الخارجي والإيديولوجي بين «إخوان» و«عسكر».
من بين أواخر إنتاجات الحكومة السودانية الأخيرة، كان قرار تحرير أسعار المحروقات خلال الشهر الماضي، أي رفع الدعم عنها، وتبعها بعد ذلك في الأول من الشهر الجاري إعلان وزير الطاقة السوداني، جادين علي عبيد، عن رفع أسعار الوقود مبرراً ذلك بأن «هذه الزيادة الطفيفة في الأسعار جاءت وفق التقييم الشهري لأسعار البنزين والديزل، وقد تمت وفق الأسعار العالمية.. إذا انخفض السعر العالمي الشهر المقبل، سيتم خفض الأسعار، وهذه سياسة تطبق في معظم دول العالم»، وتأتي هذه الخطوة كواحدة من العديد غيرها من إجراءات التقشف استجابةً لشروط صندوق النقد الدولي على البلاد المثقلة بالديون لمزاعم تخفيفها.
بالتوازي مع ذلك، حاولت الحكومة السودانية امتصاص غضب الشارع عبر قرار صندوق النقد والبنك الدوليين، بأن السودان وصل نقطة القرار في المبادرة المعززة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وأنه سيجري تخفيف الديون الحالية المقدرة بـ 56,6 مليار دولار إلى 6 مليارات.
لكن ما لم تقله الحكومة أو يجري تداوله، أن هذا التخفيض يتطلب إجراءات تقشف حادة جداً، ولن يجري تطبيق التخفيض إلا بعد 3 سنوات بأفضل الأحوال وفق القرار، وبشريطة أن يستمر السودان بالقيام بـ «إصلاحاته» الاقتصادية الحالية، وبافتراض أنه لم تجر في السودان أية أزمات وتغيرات سياسية جديدة، على العكس من الواقع تماماً، والذي يدفع السودانيين أكثر فأكثر نحو موجات احتجاجية مقبلة، تدفع بالتغيير الحقيقي المعبر عن مصالحهم، لا مصالح الغربيين وشركائهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1025