خروج القوات الأجنبية من ليبيا ضرورة أكثر من أي وقتٍ مضى
ملاذ سعد ملاذ سعد

خروج القوات الأجنبية من ليبيا ضرورة أكثر من أي وقتٍ مضى

عقد في 23 من الشهر الجاري مؤتمر برلين-2 حول ليبيا بمشاركة 15 دولة و4 منظمات دولية منها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وعدد من الدول الأوروبية إضافة إلى حلف الشمال الأطلسي «الناتو»، فما الجديد الذي قدمه المؤتمر وما الذي يضمن خروج القوات الأجنبية من البلاد؟

تسير التسوية الليبية بشكل إيجابي عموماً، بخطوات عملية وإن كانت بطيئة نحو تنفيذ بنود الاتفاقات والقرارات ذات الصلة، المشكلة الأكبر تكمن حول مسألة خروج القوات الأجنبية من البلاد، بكيفيتها وزمانها وتأثيرها على عملية الانتخابات المزمع إجراؤها في كانون الأول.

ما قبل المؤتمر

قبيل موعد مؤتمر برلين-2 أعلن الاتحاد الأوروبي تعديل نظام عقوباته المفروضة على ليبيا عبر فتحه الباب لفرض عقوبات مستقبلية على شخصيات وهيئات قد تتهم بالقيام بتصرفات تعرقل إجراء الانتخابات، الأمر الذي عدّه الليبيون تدخلاً بشؤونهم، فعلى الرغم من تلطي الجانب الأوروبي خلف هذا الإجراء برغبته دفع وحث الأطراف الليبية على الالتزام بالتسوية وتنحية الخلافات، يرى الليبيون أن الاتحاد الأوروبي عبر هذا الإجراء قد يقوض مسار التسوية بما يتوافق مع مصالحه وليس المصلحة الليبية نفسها.
أما الجانب الأمريكي فقد نشط مؤخراً منذ أن تحدد موعد المؤتمر، ليجري جملة من الاجتماعات والمحادثات المتنوعة والمتفرقة مع الليبيين لبحث «الانتخابات» و«خروج القوات الأجنبية»، فقبل يوم من المؤتمر صرح مبعوث واشنطن الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، بأن بلاده تجري لقاءات ومحادثات مع بعض الأطراف الليبية حول انسحاب القوات الأجنبية معتبراً أن «جزءاً من أهمية الانتخابات في ليبيا يكمن في أن حكومة قوية مشروعة ويعتد بها قد تضغط على الأطراف الأجنبية لسحب قواتها» متابعاً «سيكون هذا تطوراً مهماً للغاية ومؤثراً جداً، لكننا لا نقترح الانتظار حتى العام المقبل في محاولة لتحقيق بعض التقدم»، ليكون بهذا التصريح نفسه يسوّف مسألة خروج القوات الأجنبية بشكل جدّي إلى ما بعد الانتخابات المزمعة! مما يهدد مسار التسوية نفسه بشكل تخريبي.
بالمقابل من ذلك، وباليوم نفسه، أعلنت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش طرح مبادرة «استقرار ليبيا» في مؤتمر برلين-2، والتي تتضمن خطة وأجندة زمنية للمصالحة والانتخابات وانسحاب القوات الأجنبية، قائلة: «عملنا خلال الأشهر الثلاثة الماضية وبوصفنا سلطة تنفيذية موحدة على إعداد مبادرة وطنية ليبية سمّيناها مبادرة «استقرار ليبيا» وتابعت أن المبادرة «تهدف ولأول مرة أن يأخذ الشعب الليبي زمام أمره ويقود بنفسه هذه العملية بالتعاون مع الدول المشاركة والداعمة لاستقرار بلادنا». تشكل هذه المبادرة خطوة هامة على صعيد التسوية، فوجود مبادرات داخلية ليبية عوضاً عن الضغوطات الخارجية، تدفع نحو المزيد من المباحثات والحوارات التي تنتج توافقات أكبر بالمحصلة وتفرض على الجميع الالتزام بها.

مخرجات المؤتمر

شدد البيان الختامي للمؤتمر على ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وأهمية توحيد المؤسسات الليبية، وتنظيم الانتخابات المقررة في موعدها.
في الحقيقة لم تكن المخرجات كما المتوقع، ففيما يخص النقطة الأكثر حساسية المتعلقة بخروج القوات الأجنبية من ليبيا لم تجر تحديد مواعيد دقيقة أكثر من تأكيد جميع الأطراف أن يجري ذلك قبل الانتخابات الليبية، ولم يتم وضع أية آليات أو سبل لتنفيذ هذا الخروج، إلا أن الأمر الإيجابي كان تأكيد ومطالبة جميع الأطراف دولياً وإقليمياً بشكل متوافق على ضرورة الخروج هذا، بدءاً من الأمم المتحدة عبر لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش، مروراً بروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وألمانيا وغيرهم.
ولا تزال الجزئية الأكثر إشكاليةً هي خروج القوات التركية، حيث تعتبر وجودها شرعياً، وترفض وضع علامة مساواة بينها وبين المرتزقة غير الشرعيين، حيث قال المتحدث باسم الخارجية التركية، تانجو بيلغيتش، خلال مؤتمر صحفي عقده يوم الجمعة، عن التوصل إلى «تفاهم مهم» في مفاوضات مؤتمر برلين-2 إلا أنه قال «أعربنا عن تحفظنا على بعض البنود التي تتعارض مع الحقائق على الأرض (...) أكدنا أننا لن نسمح بالتساؤل حول مدربينا ومستشارينا في ليبيا في منابر إقليمية ودولية، وأن تتم مساواتهم مع مرتزقة غير شرعيين، ولذلك وضعنا تحفظنا على بند من البيان». لكن على أية حال فإن البيان الختامي قد صدر، وهو يشمل جميع القوات الأجنبية غير الليبية دون استثناء، بما فيها القوات التركية والمصرية وغيرها.
إن ما يجري المساومة عليه عبر مسألة خروج القوات هو الأوزان السياسية ضمن التسوية الجارية، وما تحاول أنقرة الدفع به هو أن تجعل قواتها آخر من يخرج، وأن يكون هذا الخروج -في حينه- بقرار منها، وألا يكون بالفرض بمحاولة للحفاظ على وزنها وضمانة بقاء الاتفاقات الموقعة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية السابقة، تحديداً فيما يتعلق بالحدود البحرية والتجارة والاقتصاد.

عراقيل داخلية

أشار رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة خلال المؤتمر إلى وجود عراقيل داخلية قائلاً «تفصلنا عن الانتخابات ستة أشهر لكن ما زالت المصالح الضيقة تؤثر، ولم تعتمد ميزانية الحكومة ولم يجر اختيار المناصب السيادية بعد» محذراً أن «الخلاف الداخلي والمصالح تعيق المسيرة إلى الاستحقاق المقبل» داعياً المجتمع الدولي إلى دعم جهود حكومته، وداعياً الأطراف الليبية إلى إنجاز القاعدة الدستورية وقانون الانتخابات في أقرب وقت.
إن ما يعطي هذه الخلافات الداخلية مداً بالدرجة الأولى هو استمرار وجود القوات الأجنبية والتدخلات الخارجية في ليبيا، مما يتيح لمختلف الأطراف القفز فوق مبدأ الحوار عبر التشدد بالمواقف، ومن الأمور الأكثر إشكاليةً هي «حقيبة الدفاع» في الحكومة، فعوضاً عن حلها عبر الحوار وحسب الكفاءة والقدرة والتوافق، يجري التجاذب حولها من مختلف الأطراف بمنطق «الاستيلاء» ولمصالح شخصية ترتبط بالأوزان السياسية لحظة إجراء الانتخابات في الـ 24 من كانون الأول، علماً أن استمرار فراغ هذه الحقيبة نفسها يؤخر عملية توحيد المؤسسة العسكرية وتجعل من فرص استمرار الانقسام وعودة الاقتتال الداخلي قائمة، وقد كثف هذه المشكلة نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فيرشينن أثناء المؤتمر بتأكيده أنه «لا يمكن الحديث عن التطبيع التام هناك طالما يستمر تواجد عسكريين ومرتزقة أجانب في الأراضي الليبية».
لتكون المهمة الملحة أمام الحكومة الليبية هي حلّ مسألة حقيبة الدفاع وتوحيد المؤسسة العسكرية في كامل ليبيا بأسرع وقت لتتمكن من فرض آليات وجداول زمنية فعلية تضمن خروج الجميع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1024