ترامب يظهر مجدداً بين الآلاف من مناصريه!

ترامب يظهر مجدداً بين الآلاف من مناصريه!

بعد هدوء نسبي تلا الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي انتهت بخسارة دونالد ترامب وفوز منافسه الديموقراطي جو بايدن، عاد ترامب إلى الواجهة مجدداً بعد أن أنهى يوم السبت 26 من شهر حزيران الحالي أولى فعالياته الجماهيرية في ولاية أوهايو، والتي تأتي في سياق التحضيرات للانتخابات الكونغرس النصفية وتلميحات حول إمكانية ترشح ترامب للانتخابات الرئاسية في 2024.

تحت شعار عريض «أنقذوا أمريكا!» وبتمويل من المنظمة التي تأخذ من هذا الشعار اسماً لها، انطلقت جولة ترامب من مدينة ويلينجتون في ولاية أوهايو، والتي يفترض أن تنتقل إلى ولاية فلوريدا في مطلع الشهر القادم. شكّل الحدث إعلاناً عن عودة ترامب للخطابات النارية واستعداداً لخوض معركة سياسية جديدة، يكون عمادها التجمعات الشعبية الواسعة وتستند إلى خطاب ترامب المألوف.
قدّرت شرطة أوهايو أن أعداد الحضور تراوحت بين 10 إلى 15 ألف والذي قدم بعضهم قبل ساعات من الموعد لحجز أماكن في الصفوف الأمامية، للحدث دلالات سياسية كثيرة أوسع من حدوده نفسها تدل بعضها على طبيعة الصراع الدائر في الولايات المتحدة وشكل المعارك القادمة، ويدل بعضها الآخر على طبيعة التغييرات الجارية في بنية النظام القائم على الحزبين.

الانتخابات النصفية

تجري انتخابات الكونغرس كل سنتين أي إنها تجري مرتين ضمن ولاية الرئيس، لذلك تعتبر الانتخابات التي تجري في نصف ولاية الرئيس بمثابة تقييم لأداء الحزب الحاكم، ويرى فيها البعض شكلاً من إعادة تقييم لأداء الرئيس وتنفيذ برنامجه السياسي. يجري السباق الانتخابي على كافة مقاعد مجلس النواب أي 435 مقعداً، وعلى 35 مقعداً في مجلس الشيوخ من أصل 100 مقعد، ويجري بشكل مرافق لها إعادة انتخاب حكام 36 ولاية و3 أقاليم، يضاف إليها بعض البلديات والمناصب الإدارية الأخرى.
من المعروف أن العمليات الانتخابية في الولايات المتحدة تجري ضمن قوالب ثابتة نسبياً، وتملك المنظومة القائمة أدوات واسعة للتحكم في مخرجات هذه الانتخابات، لكن الانقسام السياسي الحالي، يجعل من الانتخابات ساحة للنزال بين «المتمرسين» الديموقراطيين والجمهوريين الذين يستخدمون أساليبهم كافة في محاولة لحسم الصراع الحالي لصالح أحدٍ منهما. ومن هذه الزاوية قد تحول نتائج الانتخابات المقبلة الأرض التي يقف عليها الرئيس بايدن إلى جحيم، لتكون حركة إدارته أكثر صعوبة من إدارة الرئيس السابق التي عانت من سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب. من هنا نستطيع أن نفهم حماس الرئيس السابق دونالد ترامب لهذه الانتخابات والتي يرى فيها خطوة أولى يجب كسبها لمعركته القادمة.

حدود الفصل بين الجمهوريين وترامب!

لم يكن ترامب ضمن البنية السياسية التقليدية كما هو معروف، بل يعتبر دخوله إلى عالم السياسية ظاهرة جديدة، وبسبب بنية النظام السياسي في الولايات المتحدة خرج ترامب اسمياً كممثل عن أحد هياكلها التقليديين، أي الحزب الجمهوري، إلا أنه شكّل ظاهرة متمايزة عن غيره من السياسيين، ولا شك أن ظهور ترامب كان دليلاً على أزمة عميقة تعيشها تلك البنى السياسية تجلت أولاً بحاجتها إلى عناصر غير تقليدية لتنوب عنها، لكن ترامب كان يدرك تماماً حاجة المنظومة إليه وفي الوقت نفسه لم تكتمل العناصر التي تؤهله كتيار، للانفصال عن البنية التقليدية «ونقصد هنا بنية الحزبين تحديداً»، فلذلك رأينا في الآونة الأخيرة تخادماً متبادلاً بين التيار الذي يمثله ترامب، والحزب الجمهوري بوصفه أحد أعمدة النظام السياسي القائم في الولايات المتحدة. فالجمهوريون قدموا مظلة سياسية في وجه «السلاح القانوني» الذي استخدمه خصوم ترامب، فالحزب الجمهوري نجح في إبعاد المسؤولية عن ترامب في أحداث «كابتول هيل» الأخيرة، ومنحه حصانة كان من صعب تأمينها من خارج البنى التقليدية، وبالمقابل يعمل ترامب ضمن إطار الحزب الجمهوري مما يسمح للجمهوريين بالحفاظ على هيكلهم عبر احتواء ترامب وجمهوره ضمن أطرهم الرسمية، ما يعني أن يبقى هذا التيار الجديد ضمن الأطر القديمة أطول وقتٍ ممكن مما يسمح بالحفاظ من وجهة نظرهم على حدٍ أدنى من الاستقرار السياسي.
كل هذا يطرح سؤالاً اليوم، هل ترامب جمهوري؟ أم أن الجمهوريين أصبحوا «ترامبيين»؟ لا شك أننا لم نصل إلى هذه النقطة بعد، لكن منحى الأمور يتجه إلى لحظة يكسر فيها هذا التيار إطار الحزب التقليدي، وأحد الأمثلة على ذلك هو ما جرى في انتخابات الكونغرس التي جرت في عهد ترامب والتي خسر الجمهوريون فيها أغلبيتهم في مجلس النواب، لكن ترامب لم يعتبر أن هذا خسارة له، بل لاحظ أن مقياس «الجمهوري» لم يعد الانتماء إلى الحزب الجمهوري فحسب! بل بات من الضروري تأييد ترامب شخصياً، فقد صرح ترامب بعد الانتخابات النصفية في 2018 أن أولئك الجمهوريين الذين خسروا الانتخابات يتحملون مسؤولية ذلك منفردين، لأنهم نأوا بأنفسهم عنه. وفي الوقت الذي حاولت وسائل الإعلام الأمريكية تصوير كلمات ترامب بأنها دلائل جديدة على نرجسيته وقناعته بأنه «محور الكون»، كانت تغفل أن ترامب كان يقول إنه طوق النجاة للحزب الجمهوري، فترامب خرج ليصور نتائج الانتخابات كما لو أنها لصالحه مستنداً إلى أن من أيده شخصياً فاز في الانتخابات على عكس الجمهوريين الذين هاجموا ترامب، أمثال جيف فليك و بوب كوكر الذين خسروا مقاعدهم بعد خصامهم العلني مع ترامب.

على ماذا يستند ترامب اليوم؟

لم تحمل كلمات ترامب في أوهايو محتوى جديداً، فتحدث عن تزوير الانتخابات الأخيرة، وجدد مزاعمه بأنه الرابح الفعلي فيها، وشن هجوماً شرساً على الرئيس بايدن يتهمه بأنه يُسيء إلى سمعة الولايات المتحدة، وبأنه «يدمر البلاد أمام أعين الجميع»، وأضاف أن الصين وروسيا وإيران باتت تهين الولايات المتحدة بسبب سلوك بايدن السياسي. ترامب أعلن في بداية كلمته أن هذه المعركة القادمة ستنتهي بالسيطرة على مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وبأن «معركتهم» لن تنتهي قبل إزاحة جو بايدن وكل وسائل الإعلام المزيفة.
بدء الحملة كان كفيلاً بجذب انتباه الكثير من المحللين ووسائل الإعلام التي عادت للعب دورها في هذه المعركة بعد فترة راحة مؤقتة، لا يمكن الجزم بأن ترامب سينجح في مساعيه وأهدافه العريضة التي يضعها أمامه، لكنه بكل تأكيد ينجح بالبقاء على الساحة السياسية وبين الملايين من أنصاره مما يجعل تأثير هذا التيار ثقيلاً على الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة التي لم تعد تنحصر مشكلاتها بالتعامل مع نتائج انتهاء العصر الأسود الذي هيمنت به على إرادة العالم فحسب، بل باتت ترزح تحت وطأة أعاصير داخلية لا يمكن التنبؤ بنتائجها.

1024-2

الاقتحام القانوني لمبنى الكونغرس

أنصار الرئيس ترامب الذين هاجموا واقتحموا مبنى الكونغرس بعد نتائج الانتخابات الأخيرة يتحضرون اليوم لخوض انتخابات قد تسمح نتائجها بدخولهم إلى المبنى بشكلٍ قانوني، ومن الطريف حقاً أن أحد الأشخاص الذين اقتحموا المبنى في 6 كانون الثاني يتحضر لخوض الانتخابات التشريعية القادمة. ربما تزيد الانتخابات القادمة من وزن «التيار الشعبوي» داخل المجالس التشريعية لكنها لن تعبر حتماً عن حجم هذا التيار خارج المبنى نظراً للمقاومة الشرسة له من قبل البنى التقليدية، وإن كان ترامب في خطابه يعد بالسيطرة على نتائج الانتخابات فهذا لا يعني أن هذا التيار لن يملك أدوات أخرى، كتلك التي حدثت يوم جرى اقتحام الكابوتل هيل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1024