إيران والسؤال الأوراسي

إيران والسؤال الأوراسي

في حين قطعت الولايات المتحدة وإيران شوطاً كبيراً لإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» المعروفة باسم الاتفاق النووي، وبالتوازي مع تزايد احتمال الدخول الإيراني للأسواق الغربية والأوروبية بشكلٍ خاص، تمشي إيران خطوات كبيرة وملموسة نحو الشرق.

بينما وقعت الصين وإيران اتفاقاً إستراتيجياً بمليارات الدولارات (كوسيلة لدمج إيران بجدية في مبادرة الحزام والطريق الصينية)، يتوسّع التعاون الاقتصادي والعسكري الثنائي بين روسيا وإيران بسرعة إلى الحد الذي تتطلع فيه إيران بشكل متزايد للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا. حيث ستحدد مشاركة إيران المباشرة في مشاريع الربط الإقليمي الضخمة بشكلٍ فعّال نظرتها الجيوسياسية والإستراتيجية نحو الشرق، في وقتٍ تتطور فيه علاقاتها الاقتصادية مع أوروبا.

إعادة تعريف العلاقات

الدافع الأساسي وراء تسريع تطوير العلاقات الإيرانية الروسية مؤخراً هو الجهود المنسقة التي تبذلها روسيا لتطوير إنجاز الممر التجاري بين الشمال والجنوب INSTC، كوسيلة لاستبدال الممر الرئيسي الذي يهيمن عليه الغرب (وهو الممر الذي يعبر البحر الأحمر نحو أوروبا).
ومنذ الانتهاء الأخير لحرب ناغورني كاراباخ، ازداد الحوار السياسي المباشر بين روسيا وإيران بهدف عزل المنطقة المتاخمة لحدودهما عن التدخلات الخارجية الاقتصادية والعسكرية على حد سواء. ويظهر الحوار المتطور بين روسيا وإيران تحولاً جوهرياً بعيداً عن التركيز على الحسابات الإقليمية والتعاون في منطقة شرق المتوسط فحسب، إلى إعادة تعريف العلاقات الروسية الإيرانية في ضوء التطورات العالمية التي تشمل محاولة أمريكية منسقة لإعادة فرض هيمنتها المفقودة. ولذلك، هنالك في البلدين من يدرك أن الضرورات الإقليمية والعالمية تتطلب توسيع العلاقات الثنائية، والواقع أن هذا يحدث بوتيرة غير مسبوقة.
حسب وزير الطاقة الإيراني رضا أرداكانيان، فحتى الأسبوع الأول من حزيران 2021، زادت صادرات إيران بنسبة 40% خلال 18 شهراً من الاتفاق المؤقت مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وخلال الفترة ذاتها، انخفضت واردات إيران من الاتحاد الأوروبي بنسبة 13%. وجاءت الزيادة الهائلة في الصادرات الإيرانية بعد أن وقعت إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي اتفاقاً مؤقتاً في عام 2018. ونتيجة لنجاح هذا الاتفاق المؤقت، شاركت إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي في محادثات لتحويل الترتيب المؤقت إلى ترتيب دائم. ولا يمكن إنكار أن توسيع التعاون مع روسيا والاتحاد الاقتصادي الأوراسي في مجالات متعددة يحظى بدعم سياسي قوي داخل إيران.

العضوية الكاملة والمكاسب

في شباط 2021، وإثر وصوله إلى طهران بعد رحلة استغرقت 3 أيام إلى موسكو، أكد رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف: أن إيران طلبت رسمياً أن تصبح عضواً كاملاً في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ولا يحتاج المرء إلى كثير من البراهين على أن مثل هذه العضوية ستنعكس إيجاباً على الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، حيث ستغيّر جذرياً المشهد السياسي في أوراسيا، وخصوصاً في منطقتي جنوب القوقاز وشرق المتوسط، وكذلك على إيران نفسها التي ستمنح عضويتها في الاتحاد البلاد أوراقاً رابحة جدية على صعيد بناء سياسة خارجية أكثر ثباتاً وحزماً في وجه الغرب. والأمر الأكثر أهمية هو: أن هذه العضوية سوف تنهي فعلياً «عزلة» إيران التي فرضتها الولايات المتحدة من خلال العقوبات. وعلى هذا النحو، فإن علاقات إيران المتنامية مع روسيا والصين والاتحاد الأوراسي، ستعزز من الإمكانات الوطنية الإيرانية وتدفعها نحو المزيد من التمكين.
وبناء على ذلك، وفي إطار جهودهما لدفع تعاونهما المباشر نحو تعميق وتطوير علاقتهما الحالية إلى تحالف إستراتيجي رسمي، حدثت أيضاً طفرة في التعاون العسكري المباشر بين الجانبين، حيث زودت موسكو طهران بنظام قمر صناعي متطور لتعزيز قدراتها العسكرية. وتأتي هذه الأنباء في أعقاب تأكيدات متبادلة على أن «المزاج في كلا البلدين هو في اتجاه تعميق الحوار وتطوير الاتصالات في المجال الدفاعي».
حقيقة أن التعاون الحالي يتطور تحت مظلة الاتحاد الأوراسي تعني أن الاتحاد نفسه، من خلال علاقاته المتطورة مع إيران، يمشي خطوة كبيرة نحو وضع حد لفكرة أنه مجرد شبكة تضم عدداً من دول ما بعد الاتحاد السوفييتي. وإلى حد كبير، نجح الاتحاد في إزالة هذه الدمغة التي يحاول الغرب فرضها عليه، فعلى سبيل المثال: بحلول نهاية العام الماضي كانت مولدافيا وأوزبكستان وكوبا قد انضمت بالفعل إلى الاتحاد كدول مراقبة. وقد أعربت حوالي 50 دولة عن اهتمامها بالتعاون مع الكتلة على مختلف المستويات.
وفيما يتعلق بروسيا، تريد موسكو، كما ذكر أعلاه، بناء مسارات بديلة للأسواق العالمية، وهو هدف إستراتيجي يجعل التعاون الموسع مع إيران أمراً لا غنى عنه. ولهذا السبب بالذات، تدعم موسكو بقوة بناء ممر ناخشيفان، وهو طريق بري يربط روسيا وأذربيجان وأرمينيا وتركيا وإيران.
من هنا، فإن العلاقات الثنائية الآخذة في التوسع بسرعة بين إيران وروسيا، وإيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، قد ولدت من رحم المصالح التي تخدم المنطقة بطرق متعددة، والتي من شأنها أن تزعزع العديد من الخطط السياسية في واشنطن. لهذا كله فإن التعويل الأساسي ينصب على استكمال العمل على مشاريع الربط التي من شأنها أن تحد من قدرة صُنّاع السياسة في الولايات المتحدة على استهداف الدول والاستفراد بها نتيجة ضعف التنسيق بين الدول المتضررة من جهة، والتردد الذي قد يصيب بعض التيارات داخل هذه الدول من جهة أخرى، فضلاً عن عدم القدرة على إنكار وجود قوى غربية الهوى، ليس لها مصلحة في دفع المنطقة شرقاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1023