الأردنّ... درسٌ جديد لدول المنطقة!

الأردنّ... درسٌ جديد لدول المنطقة!

مع التطورات الأخيرة التي شهدها الأردن، والتي تصفها وكالات الأنباء أحياناً بمحاولة انقلاب على العرش مدعومة من قبل الأمير حمزة الأخ غير الشقيق للملك عبد الله بن الحسين الثاني، وأحياناً أخرى تختصرها بمجرد مشكلة أمنية بسيطة جرى التعامل معها أمنياً وعائلياً، تظهر جملة من التساؤلات حول ما الذي يجري فعلياً؟ ومن يقف وراءه؟ وما تداعياته على المنطقة؟ وغيرها من الأسئلة الحساسة.

يمكننا القول: إن الحدث «المفاجئ» للبعض دفع إلى السطح شكلين من التفسيرات، وتحاول وسائل الإعلام حصر «الحقيقة» بأحد هذين التفسيرين. ففي الوقت الذي تقول فيه الرواية الأولى: إن ما جرى داخل المملكة هو محاولة انقلاب من قبل معارضين للعرش بسبب المشكلات الداخلية المتراكمة، وبينما يميل التفسير الآخر لإثبات أن طرفاً خارجياً يسعى إلى إسقاط الملك عبد الله الثاني، وتتجه أصابع الاتهام إلى الكيان الصهيوني الذي يُفسّرُ ماضيه الأسود ودوره السام في المنطقة وجوده في قفص الاتهام بهذه السرعة. لكن التاريخ القريب للمنطقة يفرض علينا تفسير هذا الحدث منطلقين من مجموعة من المسلّمات الثابتة، والتي باتت مكوناً أساسياً في كل التقلبات السياسية التي نعيشها اليوم.

القصة كما يجري تداولها

قبل محاولتنا إعادة ترتيب الأوراق طامحين أن نصل إلى تفسير منطقي لما يجري، وأملاً في توقّع ارتدادات هذا الحدث، لا بد أن نُعيد إلى الأذهان تسلسل أحداث الأيام القليلة الماضية كما وردت في التصريحات الرسمية ووكالات الأنباء. فكانت البداية صدور بيانات منذ 3 نيسان الجاري باسم عائلات وعشائر بعض المقربين من الأمير وولي العهد السابق حمزة بن حسين الهاشمي، والتي تحدثت عن عمليات مداهمات واعتقالات قامت بها قوى أمنية. ثم صدر بيان رسمي عن القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية، أكد على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة يوسف الحنيطي، اعتقال مجموعة أشخاص من بينهم الشريف حسن بن زيد المبعوث السابق للعاهل الأردني إلى السعودية، ورئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله، وأضاف البيان: أن رئيس هيئة الأركان طلب من الأمير حمزة «التوقف عن تحركات ونشاطات تُوظّف لاستهداف أمن الأردن واستقراره». لتظهر في وقت لاحق رسالة مصوّرة على قناة بي بي سي البريطانية، قالت: إنها استلمتها من قبل محامي الأمير حمزة، تحدث فيها عن وضعه تحت الإقامة الجبرية، ويُعلن فيها موقفه المعارض، وتأكيده عدم وجود أية جهات خارجية وراء تحركه. وشكّل هذا الحدث تصعيداً لما يجري، وبدا هذا واضحاً في المؤتمر الصحفي الذي عقدته الحكومة، وتحدث فيه وزير الخارجية أيمن الصفدي، والذي أكد وجود دورٍ مباشر للأمير حمزة بما يجري، وقال في حديثه: إن الأمير أقام اتصالات مع جهات معارضة، وأكد وجود اتصالات مع جهات خارجية، وأضاف الصفدي، أن هذه الخطوات تشكّل تهديداً لأمن البلاد، وأشار أن «الأجهزة الأمنية رصدت تواصل شخص له ارتباطات بأجهزة أمنية أجنبية مع زوجة الأمير حمزة، ويعرض عليها تأمين طائرة فوراً للخروج من الأردن إلى بلد أجنبي» ليتبين لاحقاً أن هذا الشخص هو إسرائيلي الجنسية، وأن هناك علاقة له مع جهاز الموساد، مما دعم دور الكيان الصهيوني فيما يجري. في وقت لاحق وبتوجيه من الملك عبد الله، بدأ عمه الأمير حسن بن طلال بمحاولة احتواء المسألة ضمن العائلة، لتثمر جهود الوساطة هذه بأن وقّع الأمير حمزة رسالة أكد على تعهده بالولاء والطاعة للملك عبد الله. وليظهر الأمير برفقة الملك في الأضرحة الملكية بمناسبة مئوية الدولة في يوم الأحد 11 نيسان.

هل انتهت القصة فعلاً؟

في العودة إلى سؤالنا الأول، وكيف يمكننا تفسير ما جرى؟ يمكننا القول: إن المملكة الأردنية كغيرها من دول المنطقة باتت مليئة بالمشكلات المتكدسة، والتي لم تحل حتى اللحظة، والمشكلة الأكبر أن ما جرى سيفتح الباب لمحاولة حل كل المشكلات «بالحل الأمني» المعروف، أي: أن يجري التعامل مع السخط الشعبي بوصفه جزءاً من مؤامرة خارجية، لكن ما لا يجب أن يغيب عن الأذهان، أن أداءً استخبارتياً عالي المستوى رافق هذه القضية، ونعني هنا تحديداً أن بصمات «الجهات الخارجية» واضحة، ويبدو هذا بشكلٍ مباشر في وسائل الإعلام التي لا يمكن تجاهل دورها عند رواية الأحداث، فمقال واشنطن بوست الذي أشعل وسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية أولاً، إلى الرسالة التي نشرتها الـ بي بي سي البريطانية بوقتٍ مدروسٍ للغاية، ليتم تسريب اتصالات وشريط مسجل للقاء الأمير حمزة مع رئيس الأركان، والتي تحاول جميعها بشكلٍ مدروس تظهير الأمير حمزة كما لو أنه يدفع ثمن انتقاداته الجريئة للفساد وسوء الأحوال في البلاد، دون وجود أية إشارة جدّية في وسائل الإعلام هذه إلى احتمال أن يكون الأمير يستغل حالة الغضب الشعبي وبمساعدة قوى إقليمية، ويحاول أن يقلب الطاولة في المملكة.

مما سبق يبدو واضحاً، أن ما يجري في الأردن لا يمكن تفسيره من زاوية واحدة، فالمشكلات الداخلية المتراكمة باتت تشكل أرضية خصبة لحالة من عدم الاستقرار السياسي، وهذا بدهي، لكن الشق الآخر للجواب والمرتبط بمصلحة للخارج في زعزعة الأوضاع يفرض علينا طريقاً وحيداً للإجابة، خصوصاً وأن الأردن لم يشكّل في تاريخيه عقبة حقيقة في وجه المشاريع الاستعمارية والغربية، بل على العكس تماماً، مما جعل البعض يستهزئ بأن يكون الأردن ضحية لمؤامرة صهيونية أيضاً! وهو من أوائل المطبعين مع الكيان الصهيوني، ولم تُعرف مواقف حازمة للمملكة يمكن أن تغضب الغرب. فما هي مصلحة الكيان من التآمر على أصدقائه القدامى؟

الجهات الخارجية واضحة!

لن نتمكن بطبيعة الحال من حل اللغز تماماً أو الإحاطة بتفاصيله كلياً، وذلك لغياب أية معلومات موثقة حول الموضوع. لكن بعض الموقوفين في القضية تبين أن علاقات تربطهم بالكيان، فرجل الأعمال الصهيوني الذي عرض المساعدة على زوجة الأمير حمزة، ورغم ادعائه بأنه صديق للعائلة لا أكثر، يثبت وجود هذه الاتصالات، ولكن شخصية مهمة أخرى في هذا الحدث تؤكد دوراً للكيان والسعودية فيما يجري، وهو رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق باسم عوض الله، والذي عمل سابقاً مبعوثاً خاصاً إلى السعودية، وحصل خلال عمله على جواز سفرٍ سعودي، ولعب دوراً كبيراً في وضع السياسات الليبرالية الأردنية حتى جرى إبعاده في 2008 بعد أن شغل مناصب عدة في الحكومة، يُثار حوله العديد من القضايا التي تخص القضية الفلسطينية ومواقفه المشبوهة حيالها، مثل: المساس بحق العودة والترويج لصفقة القرن وغيرها، بالإضافة إلى كون عوض شخصية مقربة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومن الإمارات وتحديداً محمد بن زايد، مما يفسر إرسال السعودية لوفد مستعجل برئاسة وزير الخارجية إلى الأردن للمطالبة بإطلاق سراحه فوراً. ومما جعل السعودية والإمارات بموقع المتهم أيضاً لمحاولة زعزعة الأوضاع في الأردن.

الكيان المأوزم

بات واضحاً، أن العلاقة تتأزم بين الأردن والكيان الصهيوني منذ زمن، ويحاول البعض تبسيط المشكلة عند الحديث عن الأزمة التي نتجت عن الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها ولي العهد حسين بن عبد الله إلى المسجد الأقصى، والتي أُلغيت بسبب تعامل أجهزة أمن الاحتلال مع الموضوع، والتي تلاها منع طائرة نتنياهو من التحليق في الأجواء الأردنية، مما عرقل زيارة الأخير إلى الإمارات. لكن ما سبق يشكّل نتائج للمشكلة القائمة لا أسباباً لها، فالكيان الصهيوني لعب منذ نشوئه دوراً مولداً للأزمات في المنطقة وهذه تحديداً وظيفته، وكان للأردن نصيبٌ من هذه الأزمات، لكن النظام القائم وبدلاً من أن يتعامل مع الكيان بوصفه تهديداً للمنطقة كلّها- وللأردن ضمناً- قدّم خدمات مجانية على حساب مصلحة الشعب الأردني أولاً، ما لم تأخذه المملكة بعين الاعتبار هو أن الكيان محكومٌ بالتوسع على حساب الآخرين، وبرهنت الأيام أن الكيان يرى في الأردن خزاناً لمشاكله لا أكثر، وظهر ذلك منذ زمنٍ وبشكل واضح ورسمي مع بدء الحديث عن صفقة القرن، التي أسقطت كل القرارات الدولية لحل القضية الفلسطينية، وشكلت في مضمونها تصعيداً خطيراً أدرك الجميع أنهم سيدفعون ثمناً له. الحديث المتكرر عن ضم الضفة الغربية وما سيشكله هذا من تهديدٍ للأردن، بالإضافة إلى الأصوات الصهيونية التي تعالت ونادت مراراً بضرورة ترحيل الفلسطينيين من أراضيهم إلى الأردن، كل هذه القضايا خلقت حالة من التوتر بين المملكة والكيان، وأظهرت بشكلٍ واضحٍ أن اتفاقات التطبيع التي وقّعت مع الكيان تاريخياً لم تخدم إلّا مصالحه. وبأن الأردن محكومٌ بالوقوف بوجه الكيان إن كان يرغب فعلاً بحماية نفسه. كل هذا يشكّل أسباباً كافية بالنسبة للكيان الصهيوني وبمباركة أمريكية أن يحاول فرض تغيير من الخارج على المملكة الأردنية، لا لأن الأردن بلدٌ مقاوم، بل لأن الكيان المأزوم لم يعد يكتفي بخدمات الأردن التي قدمها تاريخاً، بل بات يحتاج إلى البلاد كلها لتنفس أزمته الحادة.

كل ما يجري يضع أمامنا أمثلة جديدة حول صفقات التطبيع القديمة ويوضح المستفيد الحقيقي منها، والأكثر من ذلك، تطرح المشاكل الأخيرة في الأردن سؤالاً حول مصلحة كل الدول المدافعة عن التطبيع، والتي تحاول الترويج له بوصفه مخرجاً من أزماتها، ليبرهن التاريخ بأن التطبيع كان دائماً خدمة مجانية للكيان الصهيوني على حساب دول وشعوب المنطقة. وبأن الأزمة الوجودية الحادة التي يعاني منها الكيان تفرض عليه أن يُحوّل كل محيطه إلى فحمٍ يضمن استمرار الكيان، فأصدقاء الكيان القدامى قد يتحولون إلى عقبة في وجهه، وهو ما قد يفسر الجزء الخارجي من الأحداث الأردنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1013
آخر تعديل على الإثنين, 12 نيسان/أبريل 2021 14:06