الجزائر: أزمات كبرى تلقي ضرورات أكبر على «الحراك»

الجزائر: أزمات كبرى تلقي ضرورات أكبر على «الحراك»

عادت التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في الجزائر لتملأ مدن وشوارع البلاد منددةً بتردي الأوضاع المعيشية المستمر، والمصحوب بمواقف مراوغة من السلطة الحاكمة، وإجراءات شكلية لا تتعدى تغيير بضعة وجوه وأسماء لا تسمن ولا تغني من جوع، مع مسرحية مكافحة فساد قديمة جديدة لا تنتج أكثر من «إعادة توزيع وتمركز للثروة» المنهوبة بأيدي قلّة أقل، وليطالب الجزائريون باحتجاجاتهم الآن بـ «تغيير جذري وشامل» لمنظومة البلاد.

أدى ما سُمي وبات يُعرف جزائرياً بـ«الحراك» في عام 2019 إلى عدم ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، تبعه بضعة إجراءات شكلية حافظت على النظام السياسي نفسه في البلاد، ووصل عبد المجيد تبون، وهو القائد العام للقوات المسلحة، إلى رئاسة البلاد، وأدت جائحة فيروس كورونا إلى عرقلة وقطع مسيرة «الحراك» طيلة العام الماضي لتعاود نشاطها الآن بمطالب «سياسية» أعمق وأكبر من موجتها الأولى.
ففي حين أن الظروف والمشكلات المعيشية والاقتصادية والسياسية أنتجت احتقاناً شعبياً تراكم طيلة سنوات قُبيل انفجاره في 2019، أدى عام 2020 -بأزمتيه الاقتصادية الرأسمالية العامة عالمياً، والصحية المتمثلة بالجائحة، بالتوازي مع نظام سياسي لا يلبي طموحات ومصالح الجزائريين، وسلطة ناهبة وسوء إدارة بالداخل- إلى تسريع التدهور المعيشي وتعاظم المشاكل بنسبة تعادل السنين السابقة مجتمعة، حيث ترتفع تكاليف المعيشة بشكل مطّرد وتتزايد معدلات البطالة.

أزمتا نفط وغاز

من أكبر المشاكل التي تواجه الجزائر اقتصادياً الآن تتمثل بإيرادات النفط والغاز، حيث تمثل صادرات المادتين نسبة 60% من ميزانية الدولة، و94% من مجمل إيرادات التصدير، وفقاً لبيانات «رويترز»، وقد صرح الرئيس عبد المجيد تبون: أن احتياطي البلاد من النقد الأجنبي قد انخفض من 60 مليار دولار بالربع الأول من عام 2020 إلى 42 مليار الآن، حيث بلغت مداخيل النفط في السنة الماضية 24 مليار دولار فقط، وبينما تروّج الحكومة الجزائرية بأن السبب هو أزمة الوباء الفيروسي وما فرضته على منظمة الدول المنتجة للنفط «أوبيك» التي تضم الجزائر بين أعضائها، باتفاقهم على خفض الإنتاج في العام الماضي. تتغاضى الحكومة عن نصف الحقيقة الآخر المتمثل بسوء الإدارة والتخطيط والتخبط بالتعامل مع ظروف الأزمة (بالمختصر الجانب السياسي)، علماً أن تراجع إنتاج النفط والغاز في البلاد كان قد بدأ منذ عقدٍ من الآن، مصحوباً بمؤشرات حول ضرورة إيجاد وبناء إيرادات بديلة عنه، لتؤدي ظروف 2020 إلى تسارع الأمر فقط.

فوفقاً لبيانات «بلومبيرغ» بدأ تراجع إنتاج النفط الخام منذ ذروته بالجزائر في أواخر عام 2007، حيث وصل إلى نحو 1,4 مليون برميل باليوم، إلى 1,05 مليون بعد عشر سنوات، وليهبط بشكل حاد في عام 2020 إلى 850 برميلاً وهي نفس مستويات عام 2002، دون مؤشرات حقيقية عن إمكانية انتعاشه بالوقت التي تعاود الدول المنضوية في «أوبيك» على تعافيها تدريجياً.


وتزامن ضعف الإنتاج والتصدير النفطي مع انخفاض أسعاره عالمياً، فمع أن سعر خام برنت للبرميل قد ارتفع في يوم الاثنين إلى 60 دولاراً، إلا أنه لا يزال أقل من نصف ما تحتاجه الجزائر لميزانيتها التي تتطلب ما يعادل 135 دولاراً، وفقاً لـ «صندوق النقد الدولي».
أما الغاز فقد اتُهمت السلطة الجزائرية بالفشل من الاستفادة من ارتفاع أسعاره في منتصف كانون الثاني لأنها تفتقر للفائض منه للبيع في الخارج، بل وتنخفض الكمية المنتجة للسلعة نفسها، فوفقاً لـ منتدى الدول المصدرة للغاز GECF انخفض إنتاج الجزائر من الغاز في عام 2019 إلى أدنى مستوى له منذ عقد حيث كان في عام 2010 بنحو190 مليار متر مكعب وصولاً إلى 170 في 2019 وما زال مستمراً بالهبوط، بينما يتزايد الطلب «الداخلي» عليه من مستوى مليار متر مكعب في 2010، إلى 45 في 2019 ويستمر بالتصاعد.

مؤشرات «خفض الدعم» لتدني معيشي أكبر

تدحض هذه البيانات موضوعة إلقاء اللوم على الظروف الخارجية والصحية وحدها في 2020 عبر تبرئة الحكومة، وتشير من جملة ما تشير له إلى ارتفاع أسعار المحروقات في السوق الداخلية للجزائريين، وهو ما يلقي أعباءً على الدولة الجزائرية التي تدعم هذه المواد، لتبدأ الإشارات بالتوجه نحو «خفض الدعم»، حيث أمر رئيس الوزراء عبد العزيز جراد «بخفض الإنفاق لتحقيق الاستقرار المالي» وعبّر عن قلق حكومته من «خفض الدعم» على الطاقة والغذاء، في الوقت الذي تعم الاحتجاجات الشعبية البلاد أساساً، تنديداً بالظروف المعيشية المتدهورة... وبالتوازي مع إشارات خفض الدعم، تصدر إشارات بفتح الاستثمار محلياً وأجنبياً لقطاع الطاقة، مما يعني توجه نحو خصخصته بحثاً عن «موارد مالية» سريعة، بينما يتطلب الظرف الجزائري خططاً جدية للبحث عن إنتاجات حقيقية أخرى تقلّص من اعتماد البلاد على صادرات النفط والغاز وحدها، بالوقت الذي يسير به العالم نحو «الطاقات المتجددة والنظيفة» أساساً. إلّا أن هذا الأمر يتطلب وجود نظام سياسي وقوى سياسية تسعى إلى «تنمية» البلاد بشكل حقيقي، وليس در المال السريع فقط و«نهبه»، وهو ما تطمح إليه الاحتجاجات الحالية بمطلبها من «تغيير جذري وشامل» للمنظومة، إلّا أن ما يفتقره «الحراك» ويكتسبه تدريجياً الآن هو العمل على ضرورتي الفرز لإبعاد العناصر الفوضوية والمخربة محلياً وخارجياً منه، والتنظيم كقوة واحدة وموحدة تقدر على مقارعة النظام سلمياً وديمقراطياً، وببرامج سياسية واضحة تفسّر وتفصّل المطلب السياسي الموضوع.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1008
آخر تعديل على الإثنين, 08 آذار/مارس 2021 13:17