القرن الإفريقي... العالم يحبس أنفاسه
عتاب منصور عتاب منصور

القرن الإفريقي... العالم يحبس أنفاسه

لماذا تتجه الأنظار إلى هذه المنطقة الآن؟ ما الذي يجعل انفجارها كارثة للبعض وجائزة ثمينة للبعض الآخر؟

لطبخ الاضطرابات والأزمات مقادير واضحة، يحاول البعض تبسيطها بكلمة «مؤامرة»، هذه الكلمة واسعة الإنتشار، باتت تستفز البعض، وتعتبر لدى البعض الآخر «ورقة رابحة» لتفسير كلُّ ما صعب تفسيره! يشكّل القرن الإفريقي اليوم أحد النماذج التي يمكننا- ولبعدنا الجغرافي عنه- مراقبته بهدوء في محاولة لفهم ما يجري.

ما أهميته؟ وما مصدر الخطر

القرن الإفريقي منطقة شديدة الإستراتيجية في القارة الإفريقية، فيقع في منطقة باب المندب، ليشرف على المحيط الهندي جنوباً والبحر الأحمر من الشمال، يضم القرن الإفريقي مجموعة من الدول، وهي: الصومال وإثيوبيا وجيبوتي وإريتريا. ومن تبيان موقع هذه المنطقة الحساسة لا نحتاج جهداً لإظهار ترابطها مع السودان ومصر من جهة، وكينيا وقلب إفريقيا من جهة أخرى، والسعودية واليمن من جهة ثالثة. أي: إننا نتحدث عن عقدة لها امتدادات دولية، فهي ذات أثر حاسم على الاستقرار في إفريقيا، ولها دور حاسم في الملاحة في منطقة باب المندب والبحر الأحمر. عبر سلسلة حوادث ارتفعت درجة التوتر في تلك المنطقة، ولا يمكن بشكلٍ من الأشكال القول بأن حوادث جديدة قد حصلت، بل العكس، ما يجري هو «إعادة إحياء» لأزمات ومشاكل قديمة لم تحل بالشكل الصحيح، وهي تقترب من الانفجار اليوم، فالسودان كان ساحة للنزاعات منذ عقود، ومنذ الانتفاضة الأخيرة التي شهدها البلد المقسّم باتت الأحداث تتسارع. أما في إثيوبيا فاندلع صراع مسلّح كان نائماً لفترة طويلة، بين الجيش الإثيوبي الرسمي، ومقاتلي منطقة التيغراي في شمال البلاد، لتكتمل بذلك عناصر التفجير، فالسودان وإثيوبيا باتا في حالة من الاضطراب داخلياً، ترافقت بنزاعات حدودية واشتباكات عسكرية بين البلدين، لن يطول الأمر حتى تصبح إريتريا جزءاً من هذا الصراع.

التوازن الدولي الجديد

لا شك أن التوازن الدولي يلعب– في الغالب– دوراً حاسماً في تطور الأمور على الأرض، وهنا تجدر الإشارة إلى الدور الأمريكي المشبوه في التوتير، فالولايات المتحدة كانت لاعباً أساسياً في هذه المشاكل تاريخياً، مثل: الحرب الأهلية في إثيوبيا وتقسيم السودان، ونرى بصمات واشنطن الواضحة في عرقلة حل المشاكل القائمة، مثل: اليمن وأزمة سد النهضة، بالإضافة إلى آخر خطواتها، وهو تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والسودان، وما سينتج عنه من توتير داخلي لن يطول الوقت حتى ينفجر. فالولايات المتحدة باتت بحاجة ملحّة لإعاقة الصين وروسيا عن المسرح العالمي وإعاقة كل القوى الأخرى التي تصعد على الساحة الدولية، فإفريقيا بالتحديد، شكّلت بالنسبة للصين مساحة واسعة للاستثمار وبناء الشراكات الجديدة، وتلعب روسيا دوراً سياسياً وعسكرياً متنامياً هناك أيضاً، يساعد النفوذ الصيني الروسي في إفريقيا على ترسيخ العالم المتعدد الأقطاب، وخصوصاً مع وجود جنوب إفريقيا في تحالف دول بريكس، ويضيف توسيع الاستثمار الجاري في إفريقيا إلى زيادة مساهمة الأقطاب الجديدة في الإنتاج العالمي، وما سيتبعه من ترجمة للتوازنات الدولية الجديدة.

إفريقيا كانت أحد المسارح التي قدّم الاستعمار عروضه الدموية فوقها، ومع انتهاء الاستعمار المباشر كان لابد من ضمان استجرار ثروات إفريقيا إلى الخارج، لذلك تشكّل المحاولات الروسية الصينية في إفريقيا اليوم دفعة أخيرة لحرمان الغرب من مناجم ثرواته التي استغلها لعقود. كلّ ما سبق يعني أن قوى جديدة على الساحة الدولية تسعى إلى خفض التوتير في إفريقيا، لكنها ستحتاج بلا شك إلى قوى محلية جادةـ تخلص بلدانها من رواسب الاستعمار والنزاعات القبلية التي تخدمه لتلاقي التوازن الجديد، وتضمن الطريق الآمنة للمستقبل القادم، هذا لا ينحصر في حدود السودان وإثيوبيا، بل يشمل كل القارة وكل القوى صاحبة المصلحة في تجنب حرب شاملة لا يكمن التنبؤ بمجرياتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1003
آخر تعديل على الإثنين, 01 شباط/فبراير 2021 13:40