المشكلات «العادية جداً» للكيان الصهيوني

المشكلات «العادية جداً» للكيان الصهيوني

ليس من الصعب القول بأن الإعلان عن الانتخابات المبكرة في الكيان الصهيوني، دليل ملموس جديد على عمق الأزمة السياسية التي يعيشها الكيان، ولن نحتاج في واقع الأمر سطوراً كثيرة لإقناع من يرى خلاف ذلك، لكن ما يهمنا هو ما ستحمله هذه الأزمة في نهاية الأمر.

أعلن رئيس الكنيست ياريف ليفين، عن إجراء انتخابات برلمانية جديدة في الثالث والعشرين من شهر آذار القادم، لتكون رابع انتخاباتٍ برلمانية يشهدها الكيان في السنتين الماضيتين، وجاء هذا الإعلان كنتيجة طبيعية لفشل التحالف الذي جمع بين رئيس الوزراء الحالي ورئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، وبين وزير الدفاع ورئيس حزب «أزرق- أبيض» بيني غانتس.

المشكلة ليست بهذه البساطة

لم تتفق «حكومة الوحدة الوطنية» التي شكلها نتنياهو وغانتس على الميزانية، ولهذا كان لابد من انتخابات نيابية جديدة بعد رفض أعضاء الكنيست تمديد المهلة المطلوبة. لكن ماذا عن الأسباب التي أدت إلى إعادة الانتخابات لثلاث مرات على التوالي؟

المشكلة ببساطة، أنه لم تنجح أية كتلةٍ من الكتل السياسية الأساسية في الحصول على الأغلبية النيابية، ولم تنجح المحاولات لتشكيل حكومة بتحالفات سياسية واسعة. ولذلك يمكننا القول: الكيان الصهيوني يشهد أزمة حكم، تعد جزءاً من أزمة حكم عالمية، لكن لها خصوصيتها التي تنبع من خصوصية الكيان نفسه. وحملت الأسابيع الماضية إعلاناً صريحاً عن أزمة تعصف بالأحزاب الأساسية التي بدأت تشهد تقلبات وانشقاقات، فتتشكل أحزابٌ وأحلافٌ جديدة، وتتصدع أحزاب أخرى. فإذا كانت الأزمة تنحصر في عدم قدرة أي حزبٍ على الفوز بالأغلبية النيابية، انتقلت الأزمة الآن إلى داخل هذه الأحزاب نفسها، مما يجعل الانتخابات التي ستجري في آذار المقبل أكثر صعوبة من الانتخابات التي سبقتها، وستجري مترافقة بدرجات استقطاب عالية، وحركة احتجاجية استمرت طوال 30 أسبوعاً.

كل ما سبق يجري تداوله على نطاقٍ واسع، وترى القوى المعادية للكيان الصهيوني في كل ما سبق دلائل على أن الكيان يعيش أياماً سوداء، لكن ينبغي التنبيه: أن هذه المشكلات التي وصلت إلى هذه الدرجة من الاستعصاء لا يمكن حلّها فعلياً، فالكيان الصهيوني بشكله هذا كان في نشأته ثمرة لتوازن دولي محدد، وكان «اجتهاد» السياسيين الصهاينة كافياً لتحصين هذه الجبهة الغربية الإستراتيجية المتقدمة، لذلك لم تعد المشكلة في كون البعض لا يرى نتنياهو صالحاً لرئاسة الوزراء، وينبغي إزاحته وإحالته للقضاء بعد رفع الحصانة عنه، بل المشكلة أن أكثر السياسيين الصهاينة حنكة سيصل إلى طريقٍ مسدود حتى لو سيطر على كل مقاعد البرلمان.

المهمة المستحيلة حقاً

المهمة التي كانت موكلة للكيان الصهيوني تاريخياً، هي: أن يكون الذراع الضاربة للمعسكر الغربي، لكنه اليوم ومع التراجع الأمريكي بات المطلوب من الكيان أكثر من ذلك بكثير، فالكيان أصبح عبئاً على الغرب ولا يمكنهم تحمل رعايته أكثر من ذلك، فالمحاولات الأمريكية الأخيرة تهدف في الدرجة الأولى عبر اتفاقات التطبيع الأخيرة إلى إيجاد مناخٍ مواتٍ للكيان لا لكي يبقى أطول فترة ممكنة فحسب، بل لينجح فيما يعجز المعسكر الغربي عن فعله في المنطقة، فهو الآن شريكٌ معلن لمجموعة من دول المنطقة لأداء مهمة أساسية، وهي: صد خصوم الولايات المتحدة الصاعدين وكذلك الدول الإقليمية. أي: باختصار، القيام بما عجزت واشنطن عن فعله، وعليه القيام بذلك دون الغطاء الغربي الباهظ الذي لم يعد من الممكن للولايات المتحدة وأتباعها تأمينه.

أي: إننا نشهد حالة تراجع نموذجية، حيث تشهد الجبهة الداخلية حالة من الانقسام والتفتت مترافقة مع تراجع المؤشرات الاقتصادية والحياتية، وما ينتج عنها من احتجاجات وفوضى، مما يؤكد أن اتفاقات التطبيع التي جرت مؤخراً لم تكن إلّا «دعامات لا غنى عنها» عساها تستطيع حماية الكيان مما يعيشه.

يشكّل كلُّ ما سبق، أساس القول بإمكانية تطبيق قرارات مجلس الأمن المرتبطة بالقضية الفلسطينيةـ فالوضع السيء للكيان الصهيوني، والذي سيتفاقم مع تفاقم الأزمة الداخلية والخارجية سيجعله في أضعف مواقعه منذ إعلان تأسيسه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
999