العراق... بنية سياسية مأزومة وأبواب أمل مفتوحة..

العراق... بنية سياسية مأزومة وأبواب أمل مفتوحة..

تستمر الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة مصطفى الكاظمي بالمضي نحو تعزيز العلاقات غرباً مع واشنطن مباشرةً، ومحور حلفائها في المنطقة، مثل: مصر والسعودية، ضاربةً عرض الحائط بقرار البرلمان الصادر أول العام الجاري بإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد، ومصلحة الشعب العراقي وإرادته المتمثلة برفض أي تدخل خارجي، ومصلحة البلاد بإنهاء الفساد وتنمية قطاعات الاقتصاد الحقيقي.

بات من الواضح بالنسبة للعراقيين، أن الحكومة الحالية تسعى- بالتعاون مع حلفائها الغربيين- إلى محاولة إعادة ترتيب «منظومة بريمر» وفقاً للمعطيات السياسية والعسكرية الجديدة، التي تجري في المنطقة، وتؤثر على البلاد، وعلى رأسها انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من العراق، والدفع باتجاه علاقات تجارية، واستثمارات اقتصادية، وتعاون عسكري وأمني مع حلفاء واشنطن في الخليج، ومصر، ومع هذه الأخيرة تحديداً تحت عنوان «إعادة إعمار العراق»، حيث جرى توقيع 15 «مذكرة تفاهم» بين مصر والعراق حول مجالات مختلفة خلال زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بغداد نهاية الشهر الماضي، منها: النقل والموارد المائية والصحة والاستثمار والإعمار وغيره، وتم في 18 من الشهر فتح معبر «عرعر» الحدودي بين العراق والسعودية، المغلق منذ عام 1991، بغية مباشرة «النشاط التجاري ومرور المسافرين» وفقاً لتصريح مدير المنفذ العراقي حبيب كاظم.

تحليل وتوقعات
الاقتصاديين العراقيين

بالتوازي مع هذه المجريات، نشر موقع «يس العراق» مقالاً من مجموعة مقتطفات لعدد من الخبراء الاقتصاديين العراقيين تحت عنوان «العراق «يأكل» كل ما يملكه ويتجه نحو إنهاء مدخراته» جاء فيه نقلاً عن نبيل المرسومي: أن «الإنفاق التشغيلي في العراق قد فاق بنحو 44 مرة الإنفاق الاستثماري، ولا يمثل الإنفاق الاستثماري في العراق لغاية 30/9/2020 سوى 0,5% من الناتج المحلي الإجمالي... التجربة التاريخية تفيد بأن معدل 10% من الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي يسمح فقط بالحفاظ على حجم الثروة السابقة،
أي: بإعادة الإنتاج البسيط أي: بمعنى آخر يؤمن معدل نمو مقداره صفراً»، وقال حسين الكندي «في حال استمرار الفجوة المالية بين النفقات والإيرادات (فجوة العجز المالي) خلال السنين المقبلة، سيرتفع الدَّين العام (الخارجي) من 133 مليار دولار إلى 160 مليار دولار (تقديرياً) مطلع 2022» أما الدَّين الداخلي الذي يبلغ « (45 تريليون دينار عراقي) إلى (75 تريليون دينار عراقي) مطلع 2021» وتوقع زيادة «ارتفاع معدلات البطالة بالزيادة النسبية للكثافة السكانية من 33% الى 46% في العاميين القادمة، وارتفاع حصة الفرد الواحد من الدَّين العام من 3325 دولار إلى 4000 دولار بالنسبة للدين الخارجي».

وبمعنى آخر ومختصر، فإن إجراءات الحكومة العراقية الحالية من فتح الاستثمارات وتفاهمات «إعادة الإعمار» بالشكل الجاري تُغني جيوب الفاسدين، وتثقل البلاد والشعب بمزيدٍ من الدَّين والعجز، وتنذر بأزمة اقتصادية جديدة أكبر.

واشنطن تدعم
حكومة الكاظمي صراحة

على المستوى السياسي والعسكري، تحاول الحكومة العراقية تناسي وتجاوز قرار البرلمان الصادر مطلع العام الحالي بإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد، على الرغم من أن الاتجاه الموضوعي- وبغض النظر عن رغبة الحكومة الحالية ببقاء القوات الأمريكية- يمضي نحو مزيدٍ من الانسحابات، كما جرى في 17 من الشهر الجاري، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن سحب 500 جندي من العراق مما يبقي 2500 وفق التصريحات الرسمية. (بالمناسبة، كما العادة، ورغم إعلان الانسحاب، تلقت المنطقة الخضراء المحسوبة أمريكياً في بغداد حصتها شبه اليومية من الصواريخ).

في اليوم نفسه، بحث رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو «مستقبل التعاون بين العراق والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة» وبعد ثلاثة أيام أعلن قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي «سينتكوم» الجنرال كينيث ماكنزي أن «حكومة العراق أشارت بوضوح إلى أنها تريد الحفاظ على شراكتها مع الولايات المتحدة وقوات التحالف» فيما يشكل مخالفةً مباشرة لقرار البرلمان العراقي، وليعلن بومبيو بعد يومين، بأن «تواجد الولايات المتحدة العسكري في البلاد يهدف إلى دعم حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لـ»بناء عراق جديد»» ولا حاجة للكثير من الاجتهاد لتفسير «العراق الجديد» وفق الرؤية الأمريكية بين حديها الأدنى بإنقاذ منظومة بريمر من إرادة التغيير الشعبي، والأعلى بصنع الفوضى والأزمات بعد خروجها لضرب الجميع بالجميع.

زيارة موسكو
وملء الفراغات الأمريكية

جرت يوم الثلاثاء الماضي زيارة قام بها وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى العاصمة الروسية موسكو، وضم الوفد وزراء النفط والتجارة، ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي، أعلن خلالها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن استعداد موسكو لتلبية أي طلب ستتلقاه من العراق في مجال التسليح، مشيراً إلى أن روسيا تلعب دوراً بالغ الأهمية في ضمان القدرات الدفاعية للعراق، وتسليح جيشه وأجهزته الأمنية، متابعاً «مستعدون لتلبية كافة احتياجات العراق من المنتجات العسكرية روسية الصنع» مشيراً إلى أن وزير الدفاع العراقي جمعة عناد سيصل روسيا قريباً من أجل دراسة مفصلة للملفات المتعلقة بالتعاون الثنائي في المجال الدفاعي، بينما اكتفى بيان الخارجية العراقية بالقول: إن الجانبين «بحثاً سبل تدعيم وتطوير العلاقات الثنائية في المجالات كافة، ومنها الطابع الإستراتيجي، والحيوي سياسياً، واقتصادياً، وتجارياً».

ونقلت وكالات الأنباء عن الوفد الذي شارك بهذه المحادثات، أن روسيا ترغب في زيادة استثماراتها في قطاع الطاقة لتغطي المليارات الروسية هذه النقص الناتج عن الاستثمارات الغربية المتراجعة، وستستهدف هذه الاستثمارات قطاع النفط والكهرباء بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية القديمة، ليتجاوز حجم الاستثمارات الروسية 13 مليار دولار.

أما الجانب الآخر الذي يجري الحديث حوله، هو التسليح، فروسيا تسعى بشكلٍ معلن إلى تأمين المستلزمات العسكرية التي سيحتاجها الجيش العراقي بعد الانسحابات الأمريكية المتسارعة، ويبدو أن هذا الموضوع تحديداً لن يكون سهلاً على الإطلاق، فالولايات المتحدة تمارس ضغطاً شديداً على العراق لردعه عن خطوات كهذه، وهذا ما يفسر تصريحات وزير الخارجية الحذرة حول هذه النقطة بالتحديد، فقد حاول حسين التهرب من الإجابة، واعتبر أن تضخيماً إعلامياً يرافق هذه الخطة، لكنه في الوقت نفسه أكد: أن زيارة مرتقبة لوزير الدفاع إلى روسيا ستخصص لبحث شراء السلاح من موسكو، بالإضافة إلى تعاون وتدريب وتنسيق الجهود في المعركة ضد داعش.

العراق لن يكون معزولاً عن تبدل الموازين في المنطقة، فالخروج الأمريكي القادم سيترك العراق أمام خيارٍ وحيد وهو: الالتحاق بالتحالف الجديد الذي ينشأ، وتدل المؤشرات جميعها، أن بنية النظام القائم لن تكون قادرة على إنجاز هذه المهمة، لتضاف إلى القائمة الطويلة من المهام التي لم ينجح بإنجازها حتى اللحظة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
994