الولايات المتحدة بلاد العجائب والحكايات
سيشعر من يقرأ عنوان هذا المقال بأنه يحمل بعض السخرية وهذا الصحيح بالطبع، لكن المشكلة أنه يحمل أيضاً توصيفاً واقعياً أكثر منه ساخراً، والمشكلة الأكبر أن «بلاد العجائب» هذه تربط حول خصرها حبلاً يلتف طرفه الآخر حول عنق الكوكب، وبات من الضروري نزعه قبل فوات الآوان!
مع كل شروقٍ للشمس نسمع أخباراً جديدة من الولايات المتحدة، وبات البعض يشعر أن طبيعة هذه الأخبار تزداد غرابةً مع مرور الأيام، فهي عناوين لم يكن من الممكن التنبؤ بقراءتها قبل بضع سنوات فقط! لكنها اليوم جزءٌ من الواقع الذي بات مألوفاً بعض الشيء.
تعاني الولايات الأمريكية من أزمة عميقة لا يمكن فصل تجلياتها عن بعضها البعض، فقد تلقى اقتصادها ضربة كبرى بسبب مجموعة من العوامل المتراكمة، كان آخرها الأثر الذي تركه وباء كورونا، والذي أظهر تصدع الدولة وعدم قدرتها على التحرك السريع بغض النظر عن أسبابه، بالإضافة إلى انقسام حاد للنخب الحاكمة الذي يشتد مع اقتراب الانتخابات، التي لا يمكن لأحد التبؤ بتبعات نتائجها إياً كانت، لا في السياسية الخارجية فحسب، بل في الداخل المتصدع فتصريح الرئيس الأمريكي الذي طلب فيه من مناصريه التصويت مرتين لتجنب التلاعب باحتساب أصواتهم عبر البريد يؤشر إلى طبيعة الصدام القادم.
ومن جهة أخرى لم تتوقف الاحتجاجات، بل باتت طبيعتها تتغير بعض الشيء لتزداد وتيرة الصدامات بين التيارات المختلفة، فبات يمكن اعتبار هذه الاحتجاجات نافذةً يظهر من خلالها حجم الانقسام والأزمة الداخلية، ففي قرارات مثيرة للجدل، أعلن البيت الأبيض عن أن إدارة دونالد ترامب سوف تقطع التمويل عن مدنٍ وصفت بالفوضوية، ويأتي تحرك الرئيس الأمريكي هذا الذي يهدف إلى حرمان مدنٍ أمريكية من أموال الضرائب التي ساهم أبناؤها في جمعها، وهو سلوك مستهجن، لكن إدارة الرئيس الأمريكي ترى أن هذه المدن تتساهل مع الحركة الاحتجاجية وتمنع ترامب من القيام بحملته الانتخابية.
وفي الجانب الآخر، يبدو أن الفريق المقابل لترامب لا يرى في الخسائر البشرية الهائلة بسبب كورونا- أو بسبب عنف الشرطة وحالات الصدام التي تجري في الشوارع- إلا نقاطاً سوداء يسجّلها في رصيد ترامب الذي لا شك بأن مواقفه تظهر بوصفها جنوناً مطلقاً، لكنها مدفوعة بسلوك مقابل لا يقل جنوناً على الإطلاق!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 982