الخلافات الأوروبية حول «خطة الإنقاذ» تشتد!
يعاني الاتحاد الأوروبي من حالة ركود اقتصادي إثر الأزمات المالية والاقتصادية الناشئة، والتي رافقها انتشار الوباء الفيروسي، مما سرّع من تبعاتها وتأثيراتها، وتُشير مختلف التحليلات الاقتصادية إلى أن مرحلة الركود لا تزال في بداياتها، فماذا إذا أضيفت إليها مسألة الأزمة الرأسمالية كاملةً، وتبعاتها اللاحقة، التي لن يكون انهيار الدولار إلا أحد جوانبها؟ وكيف يتعامل الاتحاد الأوروبي مع هذه التحديات، وما هو الطريق أمامه؟
ألمانيا
مع التغيّرات الدولية الكبيرة خلال المرحلة القريبة السابقة، برزت ألمانيا سياسياً كأكبر وزنٍ أوروبي بالاستناد إلى إمكاناتها الاقتصادية، وعليه باتت بشكلٍ ما بوصلة القارة العجوز، التي تعطي الإشارات الأكثر عموميةً للتوجه الأوروبي، ويكون اتفاق «السيل الشمالي-2» الذي ستورد بموجبه روسيا الغاز إلى أوروبا، إحدى هذه الإشارات الأساس، فهي بالنسبة لوزنها قادرة على المناورة بوجه الهيمنة الأمريكية، والمضي بتناقض أعلى معها من بقية الدول الأوروبية، لكن هدوء الآخرين بالمقارنة مع برلين لا يعكس قبولهم أو توافقهم مع واشنطن، وإنما عدم قدرتهم على مبارزة الأخيرة بعد، القدرة التي ستأتي تدريجياً إثر التطور الدولي المؤدي إلى مزيدٍ من التراجع الأمريكي، والتطور المحلي في كلٍّ من هذه الدول، الذي سيؤدي إلى بروز قوى وتوجهات سياسية مختلفة، لتكون جميعها متوافقة مع المصالح الموضوعية والضرورية في المرحلة التاريخية: التغيّر والتكيّف مع العالم الجديد الناشئ بسياسات التكافؤ والتكامل والتعددية.
مصالح مختلفة
بسبب هذا الوضع الدولي وانعكاساته على أوروبا، مع ما يصنعه من تفاعلات، برزت وتبرز اختلافات في المصالح بين دول الاتحاد الأوروبي، وعلى مختلف الصعد، وتبرز التناقضات داخل دول الاتحاد نفسها بين شمال وجنوب، أو غرب وشرق، مثال: الدول الغنية كفنلندا والأفقر كإيطاليا، فضلاً عن الاختلاف في الدول الثلاث الأكبر: ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، التي وصل بها الأمر إلى الخروج رسمياً من الاتحاد. ومن بين هذه الاختلافات مثالاً: موضوعة التكاليف التي تقدمها الدول الأعضاء للاتحاد الأوروبي بالمقارنة مع ما يعود إليها، والتباين بذلك بين الدول الأغنى والأفقر.
خطة إنقاذ بلا إرادة
إثر الأزمة الاقتصادية وتبعات الوباء الفيروسي، وبالتوازي مع مناقشة موازنة 2021-2027 التي بلغت قيمتها 1074 مليار يورو، قرر الاتحاد الأوروبي بالاتفاق بين أعضائه على مناقشة خطة إنقاذ اقتصادي تُخرج القارة من ركودها، تتمثل بإضافة 750 مليار يورو على الموازنة يكون القسم الأكبر منها عبارة عن منح، مُقسمة 250 مليار اً قروضاً، و500 مليار اً مساعدات لا يفترض إعادة تسديدها على أحد.
ليخرج قادة الاتحاد الأوروبي من اجتماعاتهم يوميّ الجمعة والسبت دون أي اتفاق، ومن المقرر أن تستمر الاجتماعات في موعد يحدد لاحقاً، ويعود سبب الخلاف العام حول شروط استخدام الصندوق وقواعد الصرف المتعلقة به، بالإضافة إلى اعتراض دولِ كهولندا وفنلندا عن تقديم مبالغ مالية لدول، مثل: إسبانيا أو إيطاليا، بسبب تراخيهما فيما يتعلق بالإنفاق العام على حد تعبيرهم، فضلاً عن كونهم مؤيدين لسياسة «التقشف» عوضاً عن الدفع باتجاه «الإنقاذ».
وقال رئيس وزراء التشيك أندريه بابيش: إن وجهات النظر لا تزال متباعدة إلى حد كبير وإنه لا يشعر بأن زعماء الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين يقتربون من اتفاق، بينما يرى رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس بأن «الاتفاق ضروري في ظل خطورة الموقف».
وبينما صرحت المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، مؤكدةً «بأن الاختلافات لا تزال كبيرة جداً، لكن علينا أيضا أن نواجه الحقيقة»، قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والذي عودنا في تصريحاته على قول المختصر المفيد بما يتعلق في الشأن الأوروبي: بأن «مشروعنا الأوروبي مهدد»، وهو كذلك فعلاً.
فطبيعة الاختلافات والتناقضات لم يعد من الممكن احتواؤها أو معالجتها داخل الاتحاد، وفيما بين أعضائه، بل وصلت إلى طبيعة هذا الاتحاد نفسه ببنيته وهيكليته ككل، التي لم تعد تتوافق مع تغيّرات المرحلة الدولية ومستقبلها، ولا تُعبّر عن مصالح أو توجهات أعضاء الاتحاد، لدرجة أنها قد تُصبح معيقة بشكل مباشر خلال السنين القادمة، فلكي تتغيّر هيكليته وسياساته ينبغي أن يسبق ذلك تغيّرٌ في توجه وسياسات أعضائه، وهذا الأمر يعاني من استعصاء سياسي، فإما أن تنجح الدول الأعضاء في التكيّف مع التغيرات بسياساتها، وبالتالي، تتغيّر وتتكيّف بنية الاتحاد نفسه مع ذلك، أو أن يستمر الاستعصاء حتى تصل التناقضات ذروتها، وتستمر الانسحابات على غرار «بريكست» إلى أن يُسمى الأمر «تفككاً».
تفاصيل جديدة اتجاه واشنطن
من الإشارات الجديدة والهامة على مواجهة الاتحاد الأوروبي للهيمنة الأمريكية والتخلص منها، إصدار محكمة العدل الأوروبية قراراً يقضي بإبطال اتفاق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يسمح بتبادل البيانات الشخصية عبر الوسائط الرقمية، المُسمى بـ«درع الخصوصية»، وقال وزير الخارجية الأمريكي تعليقاً على هذا الأمر: بأن «واشنطن تشعر بخيبة أمل كبيرة».
وبالتوازي مع ذلك، جاء في بيان صدر عن الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب برويل: أن الاتحاد «يشعر بقلق عميق إزاء تنامي حالات فرض عقوبات أو تهديدات بفرضها من قبل الولايات المتحدة ضد شركات أوروبية ومصالحها. لقد شاهدنا هذا التوجه إزاء إيران وكوبا، ونشاهده في الوقت الأخير إزاء السيل الشمالي-2 والسيل التركي».
إما تغيّر أو تفكك
إن استمرار محاولات كسر الهيمنة الأمريكية وردعها ستؤتي ثمارها إيجاباً، ودخول الأطراف الدولية الجديدة الصينية والروسية عل الساحة الأوروبية، سيؤمن مناخاً أكثر قدرة على حل التناقضات بشكل أسهل وأسرع، والأهم من ذلك: أن هذين العاملين يعطيان فرصة للقوى السياسية الأوروبية التقدمية فعلاً للنهوض بنفسها، وتكون مسألة تفكك الاتحاد أو تغيّره رهناً بتطور الظروف بين استمرار حالة الاستعصاءات من عدمها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 975