أمريكا: لا سلام دون عدالة
«إذا عطس الأبيض مرض الأسود بالإنفلونزا»، قول شائع في الولايات المتحدة. رأينا ذلك في كل الأزمات الاقتصادية الاجتماعية التي يعاني فيها العمال الأمريكيون عموماً، لكن أكثر من يشعر بوخزها هم الأمريكيون الأفارقة. مجدداً، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على الأزمة الاقتصادية المالية، تنفجر الأزمة من جديد. لم يتعاف المجتمع الأمريكي من الأزمة السابقة إلى الآن، والتي ما زالت تتحمل أوزارها الفئات الوسطى والطبقات العاملة بعد أن تم ضخ الأموال لإنقاذ وول ستريت والمصارف والشركات الكبرى، كما يحدث الآن، على حساب العمال الأمريكيين الذين تركوا لمصيرهم بالبحث عن أكثر من عمل وتخفيض مستوى معيشتهم وخسارتهم لكثير من الضمانات الاجتماعية.
خلال الأسابيع الأحد عشر التي مضت، بلغ عدد العاطلين عن العمل رسمياً 42,6 مليون، وقد تصل نسبة العاطلين إلى 25% خلال أسبوع، وهي بين السود الأمريكيين ضعف ما هي عليه بين البيض. كانت معاناة السود في كل ذلك مضاعفة لأنهم هم القسم الأكثر تهميشاَ اقتصادياً واجتماعياً في المجتمع الأمريكي. لم يتغير شيء عندما وصل رئيس أسود إلى البيت الأبيض والذي قال عنه المناضل المدني القس جيسي جاكسون: «إن الرئيس أوباما ينظر بدونية إلى السود». لم يكن أوباما أسود إلا بقدر ما هو الرئيس الحالي ترامب أسود؛ وإنما جِيءَ به لتنفيذ رغبات المجمَّع الأمريكي العسكري، وسلطة أثرياء المال الذين يملكون 90% من الثروة. رأينا ذلك التمييز الطبقي العنصري مؤخراً في أزمة وباء كوفيد-19 حيث معدلات الموت بين السود تبلغ أكثر من معدلاتها بين البيض بثلاث مرات بسبب الحرمان الاجتماعي وظروف الرعاية الصحية السيئة في نظام يحتل الترتيب 37 عالمياً في الصحة والتعليم، وترتيب 57 في حرية الصحافة، حيث يسيطر على 90% من الإعلام 6 شركات احتكارية مملوكة من قبل مليارديرين يتحكمون في الاقتصاد والسياسة والرأي العام في نظام بنوه على مبدأ فرق تسد، هم ونحن.
ما يجري الآن في بوسطن ونيويورك في الساحل الشرقي، وصولاً إلى سياتل ولوس أنجلوس في الساحل الغربي، في أتلانتا ونيو أورلينز وشيكاغو وأوستين شمالاً وجنوباً وفي مئات المدن الأمريكية في طول البلاد وعرضها، هي احتجاجات في جوهرها اجتماعية اقتصادية، يقوم بها الأمريكيون سوداً وبيضاً يطالبون بالعدالة الاجتماعية ويقفون ضد التمييز العنصري، وضد الظلم المركب الواقع على مجتمعات السود الأمريكيين.
تاريخ مثقلٌ بالتمييز
تاريخٌ طويل من العنف والتمييز ضد السود لم تفعل الحكومة الأمريكية شيئاً إلا أنها غيرت أشكال القمع والاستغلال. في أواخر آب من عام 1619 وصلت سفينة القرصنة الإنكليزية White Lion إلى جيمستاون في ولاية فرجينيا، محملة بأول دفعة من الأسرى الأفارقة. كان هؤلاء أوائل العبيد من بين آلاف الرجال والنساء والأطفال الذين تم اختطافهم من أفريقيا خلال القرنين السابع والثامن عشر. كانوا يقعون في شبكات صيد ويُنقلون على ظهر سفن خاصة تجهزها الحكومة الأمريكية حيث يكدسون فوق بعضهم البعض، يصرخون مقيدين في عنابر مظلمة، يمرضون ويتعفنون ويموت من يموت منهم ليساق الباقون إلى منصات في سوق النخاسة ليتم بيعهم واستغلالهم كعبيد في العمل في المزارع والحقول كمزارع الدخان وحقول القطن.
«كل البشر خُلِقوا متساوين»، عبارة هي جزء من وثيقة إعلان الاستقلال صاغها عام 1776 توماس جفرسون ثالث رئيس للولايات المتحدة ومن أكبر المزارعين في فرجينيا ومالك لأكثر من 600 من العبيد الأفارقة. بالطبع لم تشمل هذه العبارة الرقيق كونهم أدنى من منزلة البشر كما لم تشملهم حقوق المواطنة الكاملة التي يطالبون بها الآن، والتي نصت عليها القوانين بشكل نظري.
مع نهاية الرق رسمياً في منتصف ستينيات القرن الثامن عشر، بدأ نضال الأمريكيين السود الطويل في مواجهة نظام فصل عنصري وحشي ارتُكبت فيه أبشع أنواع التفرقة العنصرية والحرمان والتهميش والجرائم والإهانات ضدهم. وما مقتل جورج فلويد إلا شرارة أطلقت الاحتقان المتراكم في الشارع الأمريكي. كما كانت الشرارة التي أطلقتها المناضلة روزا باركس في عام 1955 في مدينة مونتوميري عاصمة ولاية ألاباما في 1 كانون الأول عام 1955 عندما رفضت أن تعطي مقعدها في الباص لرجل أبيض كما تقتضي قوانين الفصل العنصري، مما دفع مجتمعات السود بقيادة مارتن لوثر كينغ، (قاد حركة النضال المدني حتى اغتياله على يد رجل أبيض عنصري في نيسان عام 1968)، إلى مقاطعة الباصات في مونتوميري لأكثر من عام فكان أول عمل كبير مباشر ضد نظام الفصل العنصري بعد بدء حركة النضال من أجل الحقوق المدنية. وبعد منتصف الستينات تم إلغاء نظام الفصل العنصري لكن استمرت أعمال التفرقة والتمييز ضد السود في التعليم والعمل والمسكن والصحة.
عنصرية جهاز الشرطة
في جنوب وشمال الولايات المتحدة الأمريكية، يُستخدم جهاز الشرطة لفرض الأنظمة العنصرية ضد السود. إن أعمال العنف التي تستخدمها الشرطة الأمريكية ضد ذوي البشرة السوداء ليست حوادث فردية منعزلة، إنما هي قصص منتشرة شائعة. لذلك يبدو أن مواجهة جهاز الشرطة هي الجانب الأكثر أهمية بالنسبة للسود الأمريكيين في النضال من أجل الحقوق المدنية. كانت الشرطة تاريخياً تحمي أعمال التفرقة العنصرية الموجهة ضد المحتجين والناشطين المدافعين عن الحقوق المدنية، وتنشر الفوضى والإرباك وسط إضرابات العمال السود المطالبين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
ينظر السود إلى الشرطة كواجهة لنظام اجتماعي يمارس التفرقة ضدهم في كل مناحي الحياة. احتمال تعرض السود للمطاردة والمعاملة المهينة المذلة وإطلاق النار عليهم من قبل الشرطة أكثر بـ 21 مرة من احتمال تعرض الشباب البيض في ظروف مماثلة. يطالب المواطنون السود بالمواطنة الكاملة في الولايات المتحدة الأمريكية فهناك تاريخ طويل، قديم وحديث، من معاملتهم معاملة مذلة وتهميشهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ضد الـ1%
خرج الأمريكيون إلى الشوارع بكل ألوانهم ضد التمييز العنصري ومطالبين بالعدالة الاجتماعية ضد نظامٍ يستحوذ فيه 1% على 90% من الثروة، ويقسم المجتمع إلى أسود وأبيض ومالك وأجير. نظام ما زال يستخدم أساليب الخداع والغش والكذب والقوة ضد شعبه وشعوب العالم متوعداً بإنزال الجيش إلى الشوارع. وينبش في دفاتره القديمة مهدداً المتظاهرين السلميين بوصفه الاحتجاجات الواسعة المستمرة بأنها كما قال اليوم المدعي العام الأمريكي ويليام بار: «مؤامرة يقودها المتطرفون اليساريون».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 969