الفرنسيون يرتّبون أولوياتهم:  الرأسمالية هي الوباء الأخطر
جنى أمين جنى أمين

الفرنسيون يرتّبون أولوياتهم: الرأسمالية هي الوباء الأخطر

يبدو أنّ المرحلة الحالية والمقبلة أمام شعوب العالم التي تواجه كوفيد-19، قد بدأت بدفعهم نحو النضال من أجل الحياة بشكل مباشرٍ وحيّ، بسبب نتائج تفشي الوباء عالمياً، واستجابة الحكومات له، واضعة الأولوية للفيروس الآخر الأكثر فتكاً: الرأسمالية، بشكلٍ واضح.

الكمامات الصفراء

إذا ما كان الوباء الفيروسي عالمياً قد حدّ من الحراكات الشعبية بتظاهراتها ونشاطها مؤقتاً مطلع العام الحالي، فإن سلوك المنظومة الرأسمالية الوحشي والمتمثل بشكل أساس في الدول الغربية، خصوصاً في هذه الفترة نفسها، قد عاود ليدفع الشعوب نحو التحرّك مجدداً، بشكل أكثر قوةً ضمن معطى جديد يمكن وصفه: إن لم يقتلنا المرض، فبالتأكيد هذه المنظومة تفعل ذلك.. لتنضم فرنسا مؤخراً إلى قائمة الدول التي ما إن شمّت شعوبها رائحة بإمكانية التحرّك بعد وصول الوباء إلى ذروته، حتى انطلقت بنضالها... فبعد الرفع التدريجي لحظر التجوال في البلاد، شهدت عدة مدن فرنسية كبيرة، مثل: باريس وتولوز وليون ومرسيليا ومونيلييه وستراسبورغ وبوردو، تظاهرات جديدة تحمل مطالب اقتصادية واجتماعية، تحت اسم «الكمامات الصفراء» استمراراً لحركة «السترات الصفراء» وبالتعاون معها، فقد حملت هذه التظاهرات شعاراً مفاده تضامن «السترات الصفراء» مع «الكمامات الصفراء» ضد السياسات «اللاجتماعية» لحكومة ماكرون.

صورة صغيرة

لفهم هذه الحالة التي تدفع الشعب الفرنسي، رغم انتشار الفيروس في بلاده، إلى النزول إلى الشوارع متحدياً الوباء، توضح صحيفة «باريسيان» اليومية في باريس صورة الوضع المعيشي الجديد المتدهور في البلاد: «هذه الأشياء الصغيرة المرئية المتمثلة بعربات تسوق فارغة إلى حد أكثر من المعتاد، ووجبات طعام أكثر تواضعاً، وندرة المنتجات الطازجة، والنقص في توفر اللحوم، بالإضافة إلى طوابير أطول من المعتاد في الأيام الماضية على أبواب الجمعيات الخيرية التي تقدم المواد الغذائية للمحتاجين... الحرفيون والطلاب والأمهات العازبات والعمال المستقلون يحاولون جاهدين تجنب الانزلاق إلى حالة انعدام الاستقرار والفقر. كما يدركون جيداً أن الأزمة لن تأتي في الأسابيع القليلة المقبلة، بل هي قد بدأت بالفعل».

أبطال على التلفاز فقط

إضافة إلى ذلك، حتى الموظفين والعاملين في القطاع الصحي ومحال المواد الغذائية مثلاً، من الذين اعتبروا عمالاً «أساسيين» يجري الاحتفاء بهم إعلامياً ووصفهم بالأبطال وما إلى ذلك، يعانون المعاناة الأكبر جراء الأزمة، دون حصولهم حتى الآن على أية مكافآت مالية أو زيادات على الرواتب أو تحسين في ظروف العمل، لم يحصلوا على أيّ شيء من الذي وُعدوا به على شاشات التلفاز وعلى ألسنة المتحدثين باسم هذه الحكومة.
ففي 14 من الشهر الحالي، على سبيل المثال، تظاهر موظفو وعمال مستشفى «روبيرت ديبريه» في العاصمة باريس للمطالبة بزيادة الأجور والدعم للقطاع الصحي، وقد علقت إحدى الطبيبات «شيرين بن زويد» متوجهة بكلامها لماكرون وحكومته: «نحن لسنا أبطالاً ولسنا بحاجة لأوسمة منك، نحن عمال وموظفون ويجب أن نكون قادرين على القيام بعملنا في ظروف جيدة، لذلك فنحن بحاجة للمزيد من الأسرّة وإلى زيادة في الأجور»
ويهدد الوضع المعيشي الناشئ مع ظروف العمل السيئة إلى إقدام العديد من العاملين في المستشفيات على الاستقالة من عملهم في ظل انتشار الوباء الفيروسي، علماً بأن ماكرون قد وجّه بصرف «500 يورو» للعاملين في القطاع الصحي المتواجدين على خطوط الجبهة الأمامية، إلا أن هذا المبلغ لا يغني شيئاً على الإطلاق.
ويطالب عمال القطاع الصحي إضافةً لما سبق، بتجهيزات طبية جديدة، والمزيد من الأسرّة، وإلى إشراكهم بشكل أكبر في عمليات صنع القرار داخل المستشفيات، وقد دعا منظمو هذا الحراك الشعبي إلى إقامة «مبادرة وطنية مركزية من النقابات والجمعيات والأحزاب الكبيرة» في أقرب وقت ممكن.

وعود بزيادة الوعود؟

بسبب هذه الأحداث الأخيرة، أُرغمت الحكومة الفرنسية على بدء محادثات حول إصلاح النظام الصحي عبر ما وصفوه بخطة إصلاحية سيجري تقديمها بحلول منتصف شهر تموز القادم، وصرّح وزير الصحة اوليفيير فيران: أنه من المقرر أيضاً رفع رواتب العاملين في المستشفيات ودور التمريض مؤكداً للمتظاهرين بأن «رسالتكم قد وصلت».
إلا أنها ليست المرة الأولى للحكومة الفرنسية أن تقوم بهكذا وعود، بل باتت تصبح أكثر فأكثر على نموذج «نعدكم بوعودٍ أفضل»، ومن المفارقة أنه في نفس الفترة التي قال فيها وزير الصحة تصريحه السابق، كانت التظاهرات الشعبية في الشوارع يجري مقابلتها بالقمع عبر الهراوات وخراطيم المياه وقنابل الدخان... لتعطي الحكومة الفرنسية بدورها رسالتها الفعلية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
968
آخر تعديل على الإثنين, 01 حزيران/يونيو 2020 14:47